تقارير وتحقيقات

هرمية (ذياب شاهين) تثير عاصفة وسجالا في اتحاد أدباء وكتاب أبو ظبي

الجميع قد صدم بالأفكار المطروحة وكذلك بالعرض الذي قدمه الشاعر لأحد نصوصه الهرمية باستخدام جهاز عرض الصور واللابتوب، ابتدأت الأمسية عند ما قدم القاص السوري أديب عزام المحاضر وقرأ ورقة عن حياة الشاعر وعدد مؤلفاته ثم ختمها قائلا:-

 بالرغم من تأليف الكاتب ذياب شاهين لأكثر من عشر مؤلفات من بحوث ودواوين لكنه ليس منتميا لأية مؤسسة ثقافية سواء أكانت عراقية أو عربية،

ثم بعد ذلك قرأ الشاعر ذياب شاهين ما سماه مقدمة في القصيدة الهرمية شرح مبرراتها ووجهة نظره التي تقوم على الموائمة بين التراث (ممثلا بالعروض العربي) والمعاصرة ممثلة بما قد توصل إليه العلم من تطوارات تقنية كبرى من مثل الحاسوب والسينما والتلفاز وغيرها. ثم قدم محاضرته بأكملها سمعيا وبصريا، وقد مزج في نصه الهرمي المسمى (عشتار) بين الهرم بوصفه شكلا حاضنا للقصيدة الهرمية ورموزها وكذلك دس صورا لمجسمات عشتار حيث ظهرت متزامنة مع صوته حيث يقول على لسان عشتار (في بداية الليل أشرق وفي نهايته) ثم تظهر الصورة وتغيب بالتزامن مع مجسم هندسي لكوكب الزهرة بوصفه رمزا لعشتار التي تمثل آلهة الجنس والحرب في أدب العراق القديم، وكان يظهر مع كل جزء من العرض موسيقى عراقية ومعزوفات للفنان العراقي منير بشير. وكان العرض يكرر قراءة النص مع الموسيقى لتبيان ان العرض يمثل قصيدة أهم ما فيها الكلمة المنطوقة والصورة جزء مكمل للنص السمع – بصري، وقد نفذ العرض بأجمعه على برنامج (البور بوينت) ومما جاء في النص ما يأتي:-

في رَحمي دمٌ وعلقْ ، ضريحُ إلـــه     

من جـسدٍ الى جسدٍ يقومُ جســدْ             

ضباءُ صدى ، وصرخةُ عندليب                    

منادياً : أتـبرقُ معـجزتي 

أشعـة طائرٍ ولهيب         

أسرجَ نجمة ً فبكته                                       

أطـلق هدهدا ًوفنار

لـه شـفقٌ يـطوف

تحـفّـهُ مـقـلٌ

ثـغور مـياه

يصرخ آهِ

ياملـكاتُ

أسمع في  العلى

سحبا تـزلـزلُ

هل تـقـوم مدائني

بصرٌ حـديدْ ، وزوال                                               

صلصلةٌ وجـرحُ ظـلام                                  

لـيلُ مديـنتي مـتبـتـل                             

تـتـرٌ تغـيرُ ، دم يقاتــل                               

أعـرضي مدني فروحيَ من لهب                

قصـبٌ يمـور يمور في الطرقـاتِ                 

او شجـَرٌ جـذوره عالـياً ستــقومُ      

وفي نهاية المحاضرة عقب الشاعر المصري محمد عيد بأن محاولة المزج بين الشعر والصورة ليست بالجديدة وهنالك  محاولات قديمة في عصر المماليك، ولكن شعراءها لم ينالوا شهرة من ورائها، ثم شكى من حركة الأشكال الهندسية وقال بانها أتعبته، ولم يستطع ملاحقتها بصريا،

وود لو تكون الأشكال أقل حركة لمتابعة ما كتب فيها، وكذلك فقد أثارت الهرمية الشاعر الاماراتي حبيب الصائغ رئيس اتحاد أدباء وكتاب الامارات بشدة وقال إنه ليس متفقا بما ورد من أحكام قاطعة في المقدمة التي قرأها الشاعر، وأن القصيدة الهرمية صعبة الاستقبال وهي الآن لا تمثل حلا للجمع بين التراث والمعاصرة بل هي الآن جزء من المشكلة، ولكنه قال إن لديه محاولات من الثمانينات للمزج بين الصورة والصوت ولكن ليست بهذه الطريقة، أما القاص الموريتاني فقد وجد أن التفعيلات التي أطلقها الشاعر ذياب شاهين على بحوره كانت ثقيلة وحبذا لو تكون أخف وطأة ومتشاكلة مع النماذج الصرفية لتفعيلات الخليل، وأخيرا نأى الشاعر الجزائري بعيدا عن الآراء السابقة  حيث شكر الشاعر ذياب شاهين لشجاعته وجرأته بطرح القصيدة الهرمية في هذا الوقت لأن الأغلبية ستهاجمه، وعزا ذلك إلى أن الهرمية (السمع – بصرية) متقدمة كثيرا على زمننا والأرض هنا غير صالحة لتلقي هكذا نوع من الشعر لوجود بون شاسع بين الذائقة العامة وما يعرضه الشاعر ذياب شاهين.

 

وقد حضر الأمسية إعلاميون من صحف الاتحاد والخليج والبيان حيث كتب الصحافي أحمد السعدواي عن المحاضرة تحت عنوان:-

(ذياب شاهين يحاضر حول القصيدة في اتحاد الكتاب بأبوظبي)

وقال في تغطيته للأمسية:- نظم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بأبوظبي بالمسرح الوطني التابع لوزارة الاعلام والثقافة ليلة أمس الأول، محاضرة للشاعر العراقي ذياب شاهين بعنوان “القصيدة السمع – بصرية”.

حضر المحاضرة عدد من النقاد والمثقفين والمهتمين بالشأن الشعري، يتقدمهم كل من حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وحارب الظاهري مدير فرع أبوظبي.

وقدم المحاضر الأديب والشاعر أديب عزام، حيث رحب بالحضور وأعطى لمحة عن مسيرة ذياب شاهين الشعرية. ثم انتقلت الكلمة إلى شاهين، ألقى فيها مقدمة عن القصيدة الهرمية أو ما يسميها بـ “القصيدة السمع- بصرية”.

ثم أضاف قائلا: وتحدث في البداية عن الصراع بين التراث الشعري ممثلاً في ركائزه الأساسية (القصيدة العمودية- قصيدة التفعيلة) وبين الحداثة ممثلة في قصيدة النثر، فقصيدة التراث هي سليلة الإيقاعات العربية المرتبطة بالشفاهية وهي تحفر عميقاً في العقل الجمعي لجمهور المتكلمين بالعربية، أما قصيدة النثر فهي قصيدة اللا إيقاع وهي نتاج الكتابة وتراهن على العين وقدراتها التجميعية الفضائية.

ولفت إلى أن الصراع هنا يكون بين الأذن والعين، فالأذن لها قدرة عجيبة على خلق إيحاءات تقود إلى إحساسات إنسانية عميقة وفطرية عن طريق الخيالات، التي لا يمكن القبض عليها بوصفها حقائق.

أما العين فهي قادرة على مسك الفضاء ولا ترى إلا حقائق جامدة لا مجال للخيال فيها، أي أن الإيحاءات الجمالية التي تنقلها العين تعتمد على جمال الأشكال وبراعتها الهندسية وكذلك على مدى الاستفادة من فضاء الورقة. بمعنى آخر- وفقاً لشاهين- فالأذن تكون مسؤولة عن الصور الشعرية، والعين هي آلة تسلم الصور البصرية. وأضاف شاهين، أن القصيدة الحديثة (قصيدة النثر) تعمل على خداع العين لخلق إيحاءاتها الخيالية، وتستفيد من فضاء الورقة بصورة مدهشة لخلق بعض شعريتها، وهي هنا تخاطب القارئ وليس المستمع، هنا يحدث الصراع بين التراث بكل عنفوانه ورسوخه، وبين المعاصرة بكل قوتها وهي تحاول اقتلاع كل شيء.

ولفت إلى أن حل تلك الإشكالية التاريخية للصراع بين التراث والحداثة، هو تحقيق الموازنة بين الأذن والعين، وهذا يتم عن طريق القصيدة الهرمية أو القصيدة السمع – بصرية، وهي قصيدة تتوسل التراث بكل قوته وتبني عليه نفسها بوصفه أساساً راسخاً، وأساس هذا التراث هو العروض العربي، بما فيه من إيقاع وخيال وصور شعرية، أما طريقة البناء فتتوسل الحداثة، أي العين والتبصر والكتابة والهندسة. وأشار إلى أن هذا المزج بين القراءة الإيقاعية والكتابة الهندسية يمكن أن يخلق قصيدة حديثة لها قيمة كبرى تبقى تراثنا بمنأى عن النسيان.

وأكد أن استحداث هذا النوع من الكتابة الشعرية يستوجب شاعراً مسلحاً بعلم العروض بكل فنونه وكذلك مستوعباً لفنون الكتابة الجديدة، أي أن القصيدة التي ينشدها هي قصيدة تضع قدماً في التراث و تمد يداً إلى الحداثة.

 

أما الصحافي محمد ثابت من صحيفة الخليج فقد كتب تحت عنوان

سجال في اتحاد الكتّاب حول القصيدة “السمع بصرية”

وكتبت أيضا:- شهدت الأمسية الأدبية التي اقامها اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في أبوظبي مساء امس الاول، في مقر الاتحاد حول القصيد الهرمية أو القصيدة السمع بصرية مناقشات متباينة أثارتها ورقة الشاعر والناقد العراقي ذياب شاهين بحضور الزميل الشاعر حبيب الصايغ رئيس مجلس إدارة اتحاد كتّاب الإمارات الأمين العام المساعد للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، وحارب الظاهري رئيس اتحاد كتّاب وأدباء الدولة فرع ابوظبي، وعدد آخر من الوسط الثقافي في الامارات، وقدم المحاضر شاهين الى الجمهور الشاعر أديب عزام .

وأوضح ذياب شاهين في البداية أن ورقته النقدية قد كتبها قبل عشر سنوات محاولاً ايجاد حل لصراع الأجيال الحالي برأيه بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة كركيزتين تراثيتين، وما بين قصيدة النثر من جهة اخرى وتساءل هل الحل في هذه الاشكالية المزج أوركوب طريق الموازنة بين التراث والحداثة، والاذن والعين أو بين القراءة والكتابة، بين الزمان والمكان عن طريق القصيدة الهرمية أو السمع - بصرية أو القصيدة التلفازية . . أو الحاسوبية أو القصيدة الزمكانية، ثم قدم المحاضر موجزاً لفكرة كتاب لديه يتوصل لإعادة التنظير للعروض العربي بحيث يضيف إليه عدداً كبيراً من البحور المستنبطة من البحور المعروفة التي أقرها الخليل بن أحمد الفراهيدي، وفي النهاية قدم شاهين احدى قصائده المعنونة ب”عشتار”، والتي استخدم فيها تقنيات حاسوبية هندسية واستعان بالموسيقا وبما اسماه القصيدة الهرمية في عرضها على الحضور .

وفي مداخلته رفض حبيب الصايغ الأحكام القطعية حول اشكال القصيدة العربية والدعوة لتغييرها، مؤكداً انه مازالت هناك قصيدة تقليدية جيدة وحداثية كذلك، وبدلا من الدعوة التي قدمها المحاضر “يجب ان تكون هناك دعوة أخرى لتعايش الاشكال المختلفة” .

ورأى الصايغ ان الحل الذي قدمه المحاضر جاء مملوءاً بالتسطيح “إذ كيف يمكننا ان نجئ بالقانون ثم ننسج القصائد عليه بدعوى الايمان بكل ما هو عالمي، وفي الحقيقة فإن لدينا نموذجاً عملياً وعلى أرض الواقع، هو برنامج  أمير الشعراء  الذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ويقدم لجمهور الشعر شعراء غير معروفين كل عام، وعلى الرغم من انشادهم لقصائد تقليدية إلا انهم يستحوذون على اعجاب الملايين من المشاهدين في مختلف أرجاء الوطن العربي”، مضيفاً “الأفكار الجديدة لا تعني انها ستنجح في المستقبل” .

وقال الشاعر والمترجم محمد عيد ابراهيم، ان مثل هذا النسق الذي قدم المحاضر له كان سائداً أيام المماليك واستفادت به بعض الجماعات الأوروبية ولم يفد في تقدم الشعر العربي أو العالمي بشيء بل العكس تماماً .

وفي تعقيب أخير للمحاضر أوضح انه حاول ان يكثف من الصراع حول اشكال الشعر العربي محاولاً التجديد بالامكانات المتاحة لديه .

 

أما الصحافية عبير يونس من صحيفة البيان فقد كتبت تحت عنوان:-

عاصفة في أتحاد كتاب وأدباء أبو تثيره الهرمية (السمع بصرية)

 حيث كتبت: «إن المزج بين القراءة الإيقاعية والكتابة الهندسية يمكن أن يخلق قصيدة هرمية حديثة لها قيمة كبيرة»، هذا هو ملخص محاضرة «القصيدة السمعبصرية» للناقد العراقي ذياب شاهين وذلك مساء أول من أمس في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في أبوظبي.

تحدث شاهين عن ذلك الصراع بين التراث متمثلاً في ركائزه الأساسية «القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة» وبين الحداثة ممثلة بقصيدة النثر، فقصيدة التراث سليلة الإيقاعات العربية المرتبطة بالشفاهية، أما النثر فهي قصيدة الإيقاع وهي نتاج الكتابة وتراهن على العين، وقدراتها التجميعية الفضائية، إذن فهو صراع بين الأذن والعين، صراع بين حاستي السمع والبصر، وصراع بين الزمان والمكان.

وقال شاهين: إن الأذن بقدرتها العجيبة في مسك الزمن عن طريق استجابتها للأصوات تخلق إيحاءات تقود إلى إحساسات إنسانية عميقة، وفطرية عن طريق الخيالات، أما العين البشرية فهي قادرة على مسك الفضاء، ولا ترى إلا حقائق جامدة لا مجال فيها لعمل الخيال، فالإيحاءات الجمالية التي تنقلها العين تعتمد على جمال الأشكال وبراعتها الهندسية وكذلك على مدى الاستفادة من فضاء الورقة.

وذهب شاهين للقول إن المزج بين القراءة الإيقاعية والكتابة الهندسية يمكن أن يخلق قصيدة هرمية حديثة لها قيمة كبيرة.

ومن ثم برهن على كلامه من خلال العرض الذي قدمه على الشاشة، موضحاً فيه شكل القصيدة الهرمية، التي تتبع شكلاً هندسياً، والتي تبدأ كما وصف بستة أبراج، ومنها يمكن أن نستخرج كل بحور الشعر العربية، مصنفاً إياها على طريقة الهرم العروضي، الذي يصل إلى سبع دوائر عروضية، وكيف لها أن تنزلق، في قالب بحور قديمة أو حديثة. مستعرضاً هذا عن طريق قصيدته «عشتار» التي استخدم فيها الموسيقى والتأثيرات البصرية المنسجمة مع الموسيقى المختارة.

ورداً على ما تقدم قال الشاعر حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في مداخلته: إن القصيدة التقليدية أو الحديثة تمتلك الكثير من الأحكام التي لا علاقة لها بهذه الأحكام، وهناك قصائد مهمة كتبها شعراء القصيدة العمودية، أو التفعيلة، أو النثر، وبهذه الدعوة التي قدمت هناك دعوة لتعايش الأشكال، والحكم القطعي، فيه شيء من التكلف، فكيف نأتي بالقانون ومن ثم نوجد الشعر.

وقال المترجم والشاعر محمد عيد إبراهيم انتشرت القصيدة الهرمية أيام المماليك، ومنهم من كتب قصائده على شكل طائر، أو حيوان أي اللعب بالشكل، ورغم ذلك لم يصل أحد من هؤلاء الشعراء إلى درجة الشهرة.

وشدد إبراهيم إن الفن يسبق القانون، وهذا ما حدث في الشعر الجاهلي، وغيره. أما بالنسبة لربط الشعر بالتقنيات فيجب أن تكون على مستوى عال يصل إلى استخدام الاستوديوهات.

في نهاية المحاضرةرد الشاعر ذياب شاهين على كل التساؤلات والتعقيبات التي اثارها  الكتاب وشكرهم عليها وكان رده أن القصيدة السمع -بصرية ليست بديلا للنماذج الأخرى وهي ليست ذات أحكام قاطعة كما أن جديتها بما أتت به من جديد، وهي بالتأكيد ليست ذات القصيدة التي كتبها شعراء في عهد المماليك على شكل طير أو ديك،  ولا تتطلب استوديهات راقية بل كل ما تحتاجه جهاز كومبيوتر لابتوب وبرنامج بور بوينت فقط، وهي لم تتناول الموضوع بصورة مسطحة لكنها غاصت للأعماق، كذلك فهي قد تكون قد سبقت زمنها ولكنها تتوسل ذكاء وفطنة المتلقي العربي كي يستقبلها وهي ليست منبرية وخطابية، وتتطلب قارئا مشاركا أيضا، وعندما أخبره القاص محمد ولد المختار بأن بحوره كلها ذات مسميات عراقية ولم يترك للعرب شيئا منها أخبره هنالك بحور على أسماء مدن عربية لكنه لم يتطرق إليها أثناء المحاضرة. 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1280 الخميس 07/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم