تقارير وتحقيقات

تقرير: البصرة تحتفي بالشاعر المغترب وديع شامخ (2)

وربما يعود ذلك إلى هيمنة الشفاهية على بنية القصيدة التي لم تغير عملية كتابتها من بنيتها الشفاهية، فهنالك تعريف للشعر بأنه النص الذي يقطعه الشاعر نفسه إلى اسطر بينما يقطع عامل المطبعة اسطر النثر.

يقول سركون بولص في مقابلة أجراها معه خالد المعالي ونشرت في مجلة (عيون، العدد 12 عام 2001، ص94) "ان العالم في النهاية مفردات... لكل منها خزان للأفكار والمشاعر"، و" كما "تاتي الحياة كولاجا"، (نص (لزوجة) ص9)، تأتي قصائد وديع طافحة (بالشعرية) التي تكتظ القصيدة بها من خلال حشود من الإشارات، والعلامات التي يبثها الشاعر في جسد القصيدة، وكما تقود الأفعال متجه السرد تقود علامات وديع شامخ خارطة طريق القصيدة، ان قصيدة (لزوجة) تشابه لوحات ثامر داود أو شداد عبد القهار او صدر الدين أمين أو هاشم حنون، فهي حشد من الإشارات المبثوثة دون خط متجه سردي.

 

"تأتي الحياة كولاجا،

لشهوة فنان في جمع شتاته،

لمراهق يريد تلصيق العالم بحيامنه .

لمجنون يرفع صورة جيفارا، يستجدي سكرة في البارات الأممية.

تأتي الحياة، صديقا نزل توا من خانة الخفافيش.

مع الصباح، نرطن في فك الاشتباك.في الظهيرة تتكفل الشمس بصحائف اليوم.

من ينام على سريري ؟

وقيلولتي مُصابة بدَبقِ اليوم.

الليل لي، أريد أن أحلم خارج النفق.

........

 

كلّ القبعات

انحنت، لليوم العقيم، لليلة العانس !

أنا النادل في التقويم،

أقدّم لمتاهة الأجساد فاتورة لظلمة الرأس .

صباح الخير: أيتها المعاطف المعتّقة على مشجب الفصول،

قُبعات الصيف غادرت يومها، لتنحني للبوم الماثل على المواسم".

(لــــزوجـــــة)

 

8

حفرت الغربة في نفس وديع شامخ (حين يتكلم الرمل في حضرته ويصدأ الكلام) ص81:

 

"(كنت أُطارد حلما هَرب مني،.... نمت ثالثة ورابعة.. كي أستعيد كنوزي ..)

هكذا

تنام أنت، منتظرا دورك في مطهّر قادم.

،،،،،،،،،،،،

لا عجب ان تصحو لتجد الأبجدية صافنة في رصّ حروفها،

لا تعجب كثيرا، إن أمطر سريرك شوكة وسكين…

امرأة مكتنزة، وصباح من سراب، والطابور الى الفردوس طويييييل.

،،،،،،،،،

لك كلَّ حنجرتي والذهب ونحاس النهايات، وفضة العطر المؤجل في استقامتي.

لك عثة الانحناء

لك التاج والغواية

ولك ان تتوب عن حلمي.

أنا الذي أرعى العجاف الى بئر يومها.....

هو الكنز إذن!!؟"

(حين يتكلم الرمل في حضرته ويصدأ الكلام)

 

9

كانت نصوص وديع شامخ تتجه من الذات إليها، أحيانا في خطاب مر، وأحيانا في وصف مر لمحنة الأخر الذي هو وديع شامخ ذاته!...(سلالم الضوء) ص 88:

 

"ينطفيء مثل غبار

يحلّق بأحلامه العاطلة

يتقرّد، يتلوى

يمسك باليد، يده، لن تُصبح حبلا

الشرفة صنو الأعالي

وفرعون لا يصنع سلّما للذين خرّوا ساجدين

العين ترقب الانطفاء

تتلبد الحواس بغيومها

المطر عند الباب

والهدهد يحلم بطوفان

يذبل، يذوب

أمام مطارق الشمع،الذي انطفأ بحلمه..

يرسم على الأبواب شارة لظل صليب

منتظرا زمنا آخر للمعجزات

المعجزات داخل البيت،...

يُفقسن أحلامهن في العيون

العيون التي لا تتعلق بغبار النافذة"

(سلالم الضوء)

 

أحيانا يتجه الخطاب من السارد المتكلم الذي يبث خطابه الذاتي المليء بالغربة والحزن .. (في راسي قبائل) ص91:

 

"يا لهذه السنة

كانت سياط أبى رطبة والماء حولي وفير

أتنفس الأوكسجين المذاب على قدر ظلمتي

وارفس العالم كله

لماذا ألج عالم النور بالصراخ والدم

لقد سرقوا مشيمتي

جفت سياط أبى

السلالم لأدرك الظلمة الأولى تعطلت

أتدحرج .... أتدحرج

كنفايات جرثومية تبحث عن قبر

والقبائل تتحالف بالرايات لدفني ثانية"

(في رأسي قبائل)

............................................

 

وديع شامخ

[email protected]

عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين

أصدر في حقل الشعر

1- سائرا بتمائمي صوب العرش،،،،، مجموعة شعرية عام 1995

2- دفتر الماء،،،، مجموعة شعرية عام 2000

مخطوطات شعرية

(تحت بيت العنكبوت)

( مراتب الوهم)

(كيف ارسم حلما في دائرة الرأس)

وله رواية مخطوطة بعنوان( العودة إلى البيت)

وأخرى بعنوان (شارع الوطن)

في حقل التاريخ أصدر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمان

(الإمبراطورية العثمانية من التأسيس الى السقوط)

(تاريخ الأندلس من الفتح الإسلامي حتى سقوط الخلافة في قرطبة)

كُتبت عن مجاميعه الشعرية العديد من الدراسات من قبل شعراء ونقاد عراقيين من مختلف الأجيال

كتب العشرات من الدراسات في حقل النقد الأدبي والحقل السياسي

أجرى حوارات مهمة مع مثقفين ومبدعين عراقيين ستصدر في كتاب لاحقا

يقيم حاليا في استراليا - سدني

.........................................

 

روح الشعر .. و مصير الكلمات

وديع شامخ

أحبتي وبصرتي

لا أود الخوض في متاهة النظريات والأقوال، أريد الآن أن أدلق روحي اللائبة إليكم بكلمات عبر الأثير ... أمامكم، كيف أصحو على فجر حلمي وهو يرتق حكاية وجودي الآن بعيدا عن " الأهل والأحبة والمكان " .

أحرث ذاكرتي وأزرع الكلمات .. أرسل قطافها إليكم " فالكلمات أرواح ولها ذاكرة، ومن شأنها ان تطرق بابك في الليل لأنها لا تريد ان تتأوه وحدها في الظلام) كما يقول الشاعر الأسباني خوسيه انخل بالنت..

كلماتي شفاه تطبع القبلات على سحناتكم التي تناهبتها الشمس والظنون والشوارع المقددة بالمكائد واللحى .

كلماتي قصب بردي يخط على أخاديد الزمن معنى الحروف، هي الروح الأولى والنار والهواء،هي الجهات المُثقلة بماء مُطهر من صدأ النحاس وأكاسيد الحناجر.

كلماتي ليس بوقا بل وردة، كلماتي رسالة من عبق الروح الإنسانية الخالية من رصاص الموت ومكائد القول والدسيسة.

كلماتي عرس مدينة تكللت بوشاح الموت، وكثرة الحطابين ورعونة الأرباب.

كلماتي شهقة وزفرة من حوامض ورطانة جحيم الكرة الأرضية .

كلماتي هدهد يتلصص على ما جاء في أخبار اليوم ومعناه، وَملك حالم يقف على أقصى سورات المحيط .. أقصى الأرض هنا في أستراليا، تقف كلماتي مُفكرة بكم، تتلو عليّ قامتي وقوامي وتقويمي..

كلماتي حبل سري بينكم وبين الفزع الكوني .. والكرة الأرضية تدور والمعنى واقف في خانة السؤال .

مَنْ يدور حول من ؟ مَن يُعزيّ من ؟

الشمس أم الأرض؟

الكائن أم الطين ؟

الله أم الفجيعة ؟

البصرة تاجي والهدهد قلقي، كيف أزيح الرائب من الهمّ على وجوه الناس بكلمات ملساء .. آه يا قلمي المبري بحبر الروح .. لماذا تكتب كلماتك وأنت بعيد .. بعيد .. بعيد.

الكلمات طائر السيميرغ وعاج السر ومملكة السؤال .. وأنا باذخ بكم . أيها "المتوسدون" خراب الأزمنة بشروق عميق، العابرون ظلمة الأيام ودم التقاويم بسحر مديد..

إليكم عبر الكلمات... لا أجزّ قامتي ...............

كلماتي نور يشرق من هذا الاقيانوس لبصرتي مدينة الشمس،

أنا دورة استحالة الكلمة، وهذا هو تاجي وهدهدي، إخبار عن وجودي الحيّ في أقصى الأرض.

أريدكم الآن .. يا نبضي وحدوسي المتكلسة في متاهة السؤال ..

أفكر كثيرا قبل الولوج إلى خانة الشعر، فالشعر خان وطريق وبهجة وكشوفات وألم ومعرفة، وأنا في الطريق إلى المنازل، أو قل أنا في قلعة المصائر المتناهبة ..

كلّ طريق مآل، والشعر أبن الطرقات والأبواب العصية على مطارق النحاس.

الشعر نزيف الروح ساعة المواجهة، واكسير الحياة حين يكف الكائن عن التصدي لهدير الأسئلة .. حين يُشيّع القلق جنازة اليقين..

للشعر أسماؤه الحسنى، هي أنتم .. أيها "القاعدون" ها هناك . منتظرين الموت في كل لحظة .

وأنتم تتلحفون السماء أدعية بائرة، والأرض أرغفة فارغة المعنى..

كيف يحلّ ليّ أن أكون قِبلَة وانت القربان ؟

سلاما على البصرة ويدي على قلبي ..

.......

الشعر دودة في مضجع الآلهة .. ومسمار في نعش التاج ...، التيجان ...

أغلقت ْ فمي في مدارات الأبراج، أنا ابنكم الذي ساحت قهوته على بروج حظوظه، وتشظى في أحضان المدن باحثا عن معنى المعنى، باحثا عن مياه لإطفاء حريق الحروب المستعرة في قلبه، باحثا عن مروج خضراء لاستصلاح ما فسد من الحلم في أرضنا اليباب، أنا أبن البصرة في عروجها للمجد، وسحنة السارين الى طبولها المُغمسة بآهات وأنين الحلم..

نحن أبناء العقول الباذخة، والطبول والسواحل، نحن أبناء الحلم .. وراكبو قيلولات النهار ..

البصرة ليست عين تمر أو ملح أو نفط .. إنها ثالث أوكسيد الله .. ولها من الأسماء والصفات ما تغار منها الآلهة . للبصرة الأسماء كلّها، ولها في الطين مراسٍ،و في الضلع الأعوج رطانة التفاح ..

إنها بطن العراق الرخو، لبن لا يروب وماء لا يتوب .. عاشقة تكافح المكوث في عروش السلاطين .. وعمائم الواعظين .. ومكائد التقاويم ..

منها حكاية الكدر الطافي في صفو الأيام،

مدينة بيضاء، وأيامها ملقاة على قارعة الطريق .

شكرا لجاحظ القول، وسلاما على الحسن البصري، وعلى الكواز و السياب وعلى بريكان الدم المراق، سلاما على ُكلكِم، من الماء إلى الغرين، ومن شجرة آدم إلى الزبير " عين الجمل" ومن ثمرة الخطيئة إلى شجرة الانتصاب .

"لا تقايضنا أيها السيبويه بلغة تحمل ماء المكيدة "

لا تقف على لَحن أرواحنا بقواعدك الصارمة ..

سلاما عليكِ يا بصرة الحكاية الموؤدة بالشبهات

وسلاما حين أغلق فمي، لأن شفاهك تيبستْ من باطل الحب ورياء الرحيق

سلاما علينا ونحن نتهاوى لارتقاء النخيل الناشز في الحياة، كإله لا يرغب في الكمال .. كملك يحترق على أسوار البصرة.

أقفُ .. ليس كسارق النار، ولا مغني على أوتار السؤال ..

من يسرق من ؟

نرسيس، نيرون، أنا... أنتم،

ما الفرق أن نحرق البئر، أو نحرق المدن والحكايات، ونغرق في جبّ الذات؟؟ .

.....................

أحبتي وأهلّتي في تقويم عمري الجديد

اليوم تضعون حداً باشطا بين خرافات الداخل والخارج من أبناء العراق .. الحالمين على مصاطب اللعنة وأخيلتها ..

اليوم وفّيتم بسقوط جدار البهلوانات على سرير الإبداع

اليوم هو يومكم المتكرر في التقويم الحضاري...

فالبصرة ليست مجموعة دكاكين تتلو حكاية الأسواق والمواسم ..

البصرة ليست أسوارا من التمر تُبنى وتنهدم وتأكلها الرعاع .... البصرة ليست خيامَ مرابد الموزون من مشانق القول والحكاية !

والشعر ليس شاهد زور ولا شاهدة تتحنط في قبور الكلمات ..

الكلمات أرواح، والإله نزلَ من عرشه ِ ليطرق باب الكائن قبل الكاهن ..

يا سدنة الكلمة، ومروج القول، وعشب الاحلام الخضراء..

أصفق لقامتكم المثقله ببقايا الزَبد الطافح على سواد الأرض ..

أيها الأحباء ....

الشعر طاقة للصيرورة الإنسانية والجمالية، وكرنفالا للحب والسؤال عن معنى الوجود الإنساني ..

في الشعر لا يصح الكلام عن جغرافية،لذا فأنا هناك وانتم هنا أيضا، ولا يصح الشعر أن يكون تأريخا، لأن التاريخ يكتبه الغالب تارة والمغلوب ثارات .. وأنا والشعر وأنتم قلب واحد، ونبض لا يتوقف، وأسئلة لا تكف عن إشهار سباباتها .. الشعر كيمياء الحياة وفصل من فصول جحيمها وفردوسها معا..

في الشعر لا يصح الحديث عن الحقيقة، تلك التي اشتهى " رامبو" ان يمتلكها في روحه وجسده، وقد فَشل.

الشعر شجرة القلق الإنساني الرفيع، ورؤيا لا تكف عن مساءلة ثمارها ..

يا بصرة ألوذ بكِ من مرارة الغربة

ألوذ بعطرك، فامنحيني قواما أبشّر به المدن

....................

في البصرة، لو أرادوا أن يصهروا أجسادنا لخرجوا بمعدن الله وروحه منّا

لخرجوا بجبّة الحب وحنجرة الِعبارة ..

نحن سواحل المياه وعمق ورائحة الكلمات وكيمياء حياتها نصا وواقعا .

البصرة ...

أم رؤوم وشجرة من عسل الكلم وقوام المعنى ..

شكرا لكم وانتم ترسخون وفاءً، وتبشرون بنسغ حضاري في رحم الإبداع العراقي الواحد وأن تعددت الحاضنات .

شكرا للبصرة وهي الراعي للإبداع، والمبدعين .... الذين نثرتهم الأقدار كنثر الدراهم تحت سماء الله الواسعة !

.........................

أمسيتكم الآن بوحٌ روحيُّ، ومحبّة لا تحدّها الحدود ولا تعكر صفوها حكاية الخارج والداخل .. وأنتم أحبتي "القائمون والمشاركون والحاضرون، والغائبون أيضا " يا ملح ويا روح الثقافة الأصيلة، كيف أنحني لقاماتكم المديدة وكيف أستظل بظلال محبتكم الوارفة .

إن الاحتفاء ب" وديع شامخ" أو " الهدهد والتاج" يحمل مدلولات عميقة سيكون لها الأثر الكبير لرأب الصدع في الحقل الثقافي العراقي المتشظي والمتناثر في أصقاع الكرة الأرضية والذي تناهبته أهواء السياسية وأمراض الكائن المختلفة وذيوله .

وديع الذي شهق صرخة حياته الأولى في مدينة الجمهورية الخالدة بعد ثلاث سنوات من موت الملكية وتحولت "الفيصلية" إلى "الجمهورية" والتي شهدت، طفولته ومراتع صباه، وحب بنات الجيران والصبوات التي لم تزل خضراء في القلب .. البصرة لوديع شامخ العاشق والشاعر هي المرجع الحياتي والثقافي والروحي العظيم.

وانتم اليوم تحتفون به وهو في أقصى الأرض الآن، فهذه رسالة هامة في معنى الاحتفاء بالغائب برسم الحضور،ليس نعيا ولا رثاء، وهذا تقليد حضاري وإنساني وثقافي رفيع، يجب ان ُيرسخ ويصبح طقسا ثابتا في الحقل الثقافي العراقي عموما للإحتفاء بالمبدعين ومنجزاتهم وفق برنامج دوري بعيدا عن الرغبات الشخصية والميول غير الثقافية .. فالثقاقة هي ما يتبقى فعلا ..

أيها المبدعون، أحبتي . كلّ عام والعراق خيمتنا الأكيدة بألف خير وسلام ومودة ..

كل عام والشعر رسالة عشق وهيام بالكائن والطبيعة معا، كل عام وأسئلة الشاعر لا تكف عن النمو في المآقي والأحلام .. والظنون .

كل عام والبصرة عروس الدنيا والعراق ضرعنا الحميم وحصننا الدافئ وسورنا الوثير .

 

من بطائح الجنوب .. مرجعيات النص وحقول القصيدة

التاريخ: الخميس 08 يناير 2009

 

......................

وكانت هناك دراسات حول منجز الشاعر لكل من: لطفية الدليمي، ريسان الخزعلي، منذر عبد الحر، كريم الثوري، حسين سرمك حسن، رياض عبد الواحد، جمال البستاني، مكي الربيعي، جمال حافظ واعي، صلاح الدين شكي،حبيب السامر، محسن بن سعيد،

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1295 السبت 23/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم