تقارير وتحقيقات

تقرير: البصرة تحتفي بالشاعر المغترب وديع شامخ

فكان مفتتح برنامجها جلسة نقدية واحتفائية بالشاعر المغترب وديع شامخ، وذلك يوم الجمعة 22-1-2010، بمناسبة صدور مجموعته الشعرية الثالثة (ما يقوله التاج للهدهد)، والتي صدرت مؤخرا في دمشق،عن دار التكوين . قدم الأمسية الكاتب خالد خضير الصالحي،وبمشاركة نخبة من مبدعي العراق والبصرة في حقلي الشعر والنقد والذين شاركوا بدراسات ومقالات وشهادات إبداعية عن تجربة الشاعر وديع شامخ الإبداعية والإنسانية وهم: حسين سرمك، ريسان الخزعلي، رياض عبد الواحد، حسين عبد اللطيف، حاتم العقيلي، حبيب السامر، صفاء خلف.. وآخرون. الشاعر وديع شامخ كان قد أصدر مجموعته الأولى (سائرا بتمائمي صوب العرش) عام 1995 عن دار الحكمة – جامعة البصرة، وبنسختين فقط لعدم حصوله على موافقة من وزراة الثقافة والإعلام آنذاك، وله روايتان مخطوطتان هما: (العودة إلى البيت، شارع الوطن)، كما ان له في حقل التاريخ كتابين، صدرا عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمان وهما (تاريخ الإمبراطورية العثمانية من التأسيس إلى السقوط) 2003 و( تاريخ الأندلس- من الفتح الإسلامي حتى سقوط الخلافة في قرطبة) عام 2005، وللشاعر مساهمات جادة في حقلي النقد الأدبي والسياسي، نشرت في اغلب الصحف والدوريات العراقية والعربية كما أصدر مجموعته الثانية " دفتر الماء" عام 2000 في بغداد ومن " مكتب مدى" للاستنساخ في باب المعظم، الذي كان يديره الشاعران احمد الشيخ علي وصفاء ذياب ....وقد حظيت تجربة الشاعر بمتابعة نقدية وإعلامية في الصحافة العراقية والعربية من قبل أقلام عراقية تمثلت بأسماء: ريسان الخزعلي، حسين حسن، ناظم السعود، سليم السامرائي، لطفية الدليمي، علي عيدان عبد الله، د.حسين سرمك، منذر عبد الحر، رياض عبد الواحد، مكي الربيعي، جمال الحلاق، جمال حافظ واعي، كريم الثوري، وجمال البستاني"،علما ان الشاعر كان في هامش المشهد الثقافي الرسمي آنذاك.

ومن الجدير ذكره ان لوديع شامخ مجاميع شعرية مخطوطة وهي: مراتب الوهم، تحت بيت العنكبوت، كيف ارسم حلما في دائرة الرأس".

الكلمات والاوراق التي القيت في الجلسة ولم نتمكن من الحصول على ورقتي حسين عبد اللطيف وحاتم العقيلي:

كلمة رابطة الابداع

المحامي

عزيز حرز علي الساعدي

كاتب وناقد مسرحي

 

ترحب رابطة الابداع للثقافة بضيوفها الكرام للاحتفاء بديوان الشاعر وديع شامخ (ما يقوله التاج للهدهد).

صحيح ان هذا المقهى الفقيرة ببنايتها القديمة واثاثها المتواضع الا ان هذا المقهى يعتبر بيت الأدباء بعد الاتحاد وهي كبيرة بمبدعيها ومريدوها من حملة هذه الفعالية الوليدة الجديدة والتي تدشن بدايتها بهذا الاحتفاء والتي سوف ترسي تقليداً (ولو متاخرا) جديداً للحراك الثقافي في بصرة المربد والسياب وسعدي يوسف والشاعر الشهيد الكبير محمود البريكان . بصرة محمود عبد الوهاب ومحمد خضير وكاظم الحجاج وحسين عبد اللطيف وكل مبدعي هذه المحافظة المعطاة على مر العصور والدهور منذ الفراهيدي والجاحظ ورغم المحن والحروب التي استهدفت هذه المدينة الباسلة الا انها استطاعت النهوض بالجانب الثقافي بتأسيس فكر نير شجاع يساهم في تشييد بنية هذا الوطن الثقافية والإنسانية .

إخوتي من مبررات ودوافع هذا التقليد الثقافي الجديد هو ان هناك طاقات إبداعية ناشطة وفاعلة ومبدعة من ادباء المحافظة وبالذات أعضاء الهيئة العامة لاتحاد الادباء والكتاب في البصرة . لم تأخذ فرصتها الكافية للتعبير عن همها الثقافي والإسهام في طرح ثقافة مغايرة اتجاه كل ما هو جامد وعفى عليه الزمن لترسي هذه الفعالية ثقافة بديلة .

هذه الطاقات لها حضور فاعل على مستوى المشهد الثقافي العراقي وهي على سبيل الحصر تضم خيرة روائي وكتاب قصة ونقاد وكتاب مسرح ناشطين كالشاعر حسين عبد اللطيف والكاتب الرائد المسرحي بنيان صالح والناقد حاتم العقيلي والناقد التشكيلي خالد خضير الصالحي والناقد المحامي الكاتب المسرحي عزيز الساعدي والقاص فاروق السامر وقصي الخفاجي .

واني اقترح ان يقام هذا النشاط في هذا المقهى او أي منتدى اخر مرة كل اسبوعين او مرة كل شهر نستضيف فيه احد المبدعين شاعراً وناقداً وروائياً وكاتباً مسرحياً وقاصاً .

ولا يدور في بالي احد ان هذا النشاط يشكل ابتعاداً عن اتحاد الادباء والكتاب في البصرة وانما هو رافداً اخر للثقافة جرياً على ما هو جاري في نشاطات المؤسسات الثقافية في بغداد وبابل والناصرية .

وأقولها بأعلى صوتي إن اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة يبقى هو الحاضنة الأولى للثقافة في بصرتنا الحبيبة وبيتنا الثقافي الذي يضمنا ويؤوينا جميعاً تتوسطه صوره معلمنا ومثقفنا الكبير محمود عبد الوهاب الدءوب والحنون وقلباً كبير الذي يضم في طياته عذابات وطموحات هذا الشعب المعذب في الحياة الإنسانية الكريمة العمر المديد لك ايها المبدع الكبير والشاب المتجدد والحاضر دائماً بيننا . اقول ان اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة هو بحاجة تفعيل دوره ورفد لدوره، لكن يأخذ مكانته من نشاط الفعل الثقافي ويكون دائماً مبادراً وليس نابعاً .. ان تكون لشخصيته المعنوية القوية .

ولتعزيز هذه الفاعلية فأني أبادر من الجلسة القادمة باستضافة الرائد المسرحي الكبير بنيان صالح بقراءة مسرحيته الرائعة / حذاء الراقصة/ ومداخلتي النقدية عليها . وأطالب الهيئة المشرفة على هذا النشاط الجديد بوضع برنامج عمل يحدد فيه اسم النشاطات والفعاليات الثقافية وتاريخها .

وشكراً لاستماعكم ..

.................................................

 

احتفاء رابطة (إبداع) الثقافية في البصرة بالديوان الأخير للشاعر وديع شامخ (ما يقوله التاج للهدهد)

 

ما يقوله التاج للهدهد: أربعة عناصر

خالد خضير الصالحي

البصرة

1

حينما كتب الناقد شاكر حسن آل سعيد مؤلفه الأخير (البحث في جوهرة التفاني بين الأنا والأخر، تأملات في الأسطورة واللغة والفن، الشارقة 2003) حرص منذ العنوان، وفي مقدمة الكتاب، ان يوضح عناصر استراتجيه النقدي وهي: الأسطورة، واللغة، وشيئية اللوحة، فكان ذلك الأمر حافزا لنا في البحث عن عناصر غير تقليدية كمكوّن ومولد نصي في بعض التجارب الفنية، ومن ثم الشعرية التي حاولنا دراستها، وحين وقع الديوان الأخير للشاعر وديع شامخ (ما يقوله التاج للهدهد) الذي صدر عام 2008 عن دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، تحت يدي، أحسست ان وديع شامخ، هو الأخر، كان يبني استراتجيه النصي على أربعة عناصر هي: أولا، الجسد (الرأس، يد، انف، أذن، عين، لسان، فم)، وثانيا، التقاويم (التي تؤرخ لفعل الزمن والإحساس بفعلة بشكل كمي أي رقميّ)، وثالثا، الأماكن وغربتها وسرّيّـة أحلامها، ورابعا، اللغة كموئل للوجود.

 

2

ينطوي نص (الوجود في ظلمة النفق) على كل الاستراتيجيات النصّيّة عند وديع شامخ فالعنوان يتضمن: (الوجود) بمعنى الوحدة الوجودية، ويتضمن (ظلمة النفق):

 

"كلّ يوم أشطب عاما من التقويم، أرفع مظلتي خوفا من سقوط رأس اليوم الجديد على حلمي.

رأسي حائر بحملّ هذه الحواس المعطّلة .

الفم البليد، ينطق ما تقوله الأذن!

فجور العين تفوح روائحه من الأنف الباشط .

جثة متعفنة تقود رأسي، إلى متاهة اليوم التالي.

كيف أرفع رأسي أذن، لميلاد السنة القادمة ؟

..........

الأيام حواس تتعطّل أمام إشارة مرور تتصابى في حافلة، تَشيخ في حديقة عامة.

أيام رأسي لا قلب لها.

تؤرخ للخليقة تقويما ومسلاّت.

هكذا دون حياء .

العين بالعين والسن بالسن.

كيف يبتسم رأسي الُمحنّط في متحف الجسد!؟

.........

لا ذنب لرأسي، كان ينتظر الطوفان .

لا تموز أمطرَ والباب خَلف (آب) أوصدته المسامير.

صيام في صيام.

يا مُكثّر الأعناب أغثنا.

يا صاحب النخيل: جفّت الخمرة.

الرأس يُطوّحه جسد بلا –جمّار-

.........

نصف ربيع لرأسي المطرود من نفق التقويم.

لُحاف واحد لشتائه البارد الوحيد.

عصا بيضاء لسنته القادمة.!!

من المُبصر إذن؟؟

........." (الوجود في ظلمة النفق) ص5

 

3

ينطوي نص (غابة الشوك ... أو …. لمن افتح بابي.) على الروح السرية للأمكنة:

 

"لم يعد لديّ متسع لإنفاق أحلامي على قارعة الحياة.

مضيت إلى مجاهل روحي، أتسكّع بها. اُخرج بيضة السؤال من دجاجة العقل،

أضع الغيمة فخا،للطيور !!

أيها الغافل عن طحينك في الحقل، إلى أين تمضي؟

لم يكن هذا الصوت صوتي،الذي يجيئني من كهوف روحي القديمة.

كان حجرة تعثرت بها، ووردة قطفتها، وكرمة خمّرتها.

إلى أين امضي، أنا المقذوف بصرخة إلى الحياة.

أنا الحيمن السائر سريعا لنصف قبره!!"

(غابة الشوك ... أو …. لمن افتح بابي.)

 

4

يتصدر غلاف المجموعة الشعرية كائن (آدميّ) مجنح قد يكون صنوا لذلك الهدهد الذي تهيمن أسطورته على جملة العنوان، وربما هو ملاك ماركيز الذي عاد إلى الأرض فانتهى إلى قن دجاج في نهاية قصته القصيرة فلاقى مصيرا مؤلما و مؤسيا في آن معا.

يبدو العنوان.. معنيا باتجاه واحد للخطاب، خطابا يصدر من التاج إلى الهدهد، فالهدهد هنا متلقّ للخطاب، انه مؤوِّل له، وبذلك يمتلك (كل) الحقيقة.. فكما يقول نيتشه "لا توجد حقائق بل تاويلات" (امير دوشي، تاتو 9، 15 تشرين الثاني 2009، ص10):

 

"طلسما أطوّح الهواء، وأتنفس المساءات الثقيلة بجناحيّ

وكأيّ عابر إلى المستحيل

لابد من سنارة وغشاوة عيون

وعظم هدهد

وكرسي

.....

أهبطُ ...

نافخا قربتي وقروني ..

نازلا من أبراج عاجي وسماواتي الحامضية

المدججة بالأوحال

أمطر ..

أمطر

غير آبه بسورة الغياب .

أتعثر بجثث كانت تطير قبل صعودي

أشرب ماءً من زمهرير الأجساد،

ومن عَرقها يتفصد الزمن .

كيف كنت أطيرُ وتلك المأساة تطنّ على جناحيّ كقارِ زورق مثقوب .."

(ما يقوله التاج للهدهد)

 

 

5

في نصوص (ملامح سيئة الصيت) تتم استعادة شهادات لأطراف الجسد يوم "تشهد عليهم أيديهم و...." في كرنفال من الاعترافات التي يدلي فيها كل طرف (يد، انف، أذن، عين، لسان، فم) بما لديه.

 

يد

في الغرفة المشبّعة بثاني أوكسيد الكاربون، والنوافذ مقفلة على أبوابها ..

تتشظى اليد لتعبثَ بخصلات الشعر المنهوك أمام رأس مستباح

تتلوى كأفعى درداء خارجة من شرنقة الحواة في قيء سفاهة حناجرهم .

ثاني أوكسيد النايات، يرسم على الأنفاس َسورَة.. يلوّح للأبواب .. ويغمز للنوافذ ..

واليد كعادتها تقبض على ما ترمّد من فسائل الجسد ..

......................

 

أنف

مالح وعيونه مدفونة بدموع ملساء،

الموقد في الغرفة التي لا باب لها ولا ندماء

يتحسس اللصوص ويشرب على مقامة الغياب كأسا مترعة بالزبَد..

لا يستجير بأحد .. يطوف عاريا والمكائد تنزّ من خاصرتيه

انه وحيد، كما جرت العادة ... أن يتسلق اللبلاب نواصي الشرفات دون خطى..

 

.............................

 

أذن

في المساء تماما، وقبل ان يتشمع كبد النار .. أطفأت الأذن جذوة خلوتها

واستعارت من القرود خفتها، ومن الغزلان دموعها، ومن الصقور شهوة الانقضاض...

الغربان توصوص على جثث الغرفة ...

والاذن تسدّ بخواتم الشمع .. استغاثة الناجي من أوكسيد الرطانة.

.........

 

عين

تترقرق على مشارف الدخان .. والنار على مبعَدة طرفٍ

لا عصا تهش بها الجمر

لا جفون تغلق أبوابها وتفتح النوافذ

منحنيّة .. منكسرة

لكن الرمال دائما تجد في صبواتها وسائد آمنة

والرعاة يتصيدون بشهواتها، غزلان السرّ

...............

 

لسان

في الغرفة ذاتها .. المبللّة بماء الشبهات

يتدلى لُيرتق باللعاب فوهة النزوة..

النزوة التي تنبعث من ثنايا المطارق ..

الداخلون مع الأوكسجين..

مشعلو المواقد التي لا تترمّد

نافخو الشواء على مجسات اللسان ..

اللسان الأخرس إلا من الرنين

.......................

 

فم

بوابة البوق .. نافخ الكير

حافظ أسرار الجسد المسجى على المواقد المُلبّدة بأوكسيد الغياب..

مثلُ قرنٍ غبي ُيكلِلُّ رأس تنين مُحنط

مثل رأس يترهل من اللغو..

مثل وسادة رخوة..

يندلق على الغرفة المبللّة بالكلام المباح

كلام الذين ناموا في الغرف المختومة بأكاسيد المواقد

..........................................................................

 

(ملامحٌ سيئة الصيت)

 

 

6

 

الرأس عند وديع هو إطاحة بهاجس البدايات في كل شيء "سقوط رأس اليوم الجديد"ص 15، "راسي حائر..." ص5:

 

"كلّ يوم أشطب عاما من التقويم، أرفع مظلتي خوفا من سقوط رأس اليوم الجديد على حلمي.

رأسي حائر بحملّ هذه الحواس المعطّلة .

الفم البليد، ينطق ما تقوله الأذن!

فجور العين تفوح روائحه من الأنف الباشط .

جثة متعفنة تقود رأسي، إلى متاهة اليوم التالي.

كيف أرفع رأسي أذن، لميلاد السنة القادمة ؟

،،،،،

الأيام حواس تتعطّل أمام إشارة مرور تتصابى في حافلة، تَشيخ في حديقة عامة.

أيام رأسي لا قلب لها.

تؤرخ للخليقة تقويما ومسلاّت.

هكذا دون حياء .

العين بالعين والسن بالسن.

كيف يبتسم رأسي الُمحنّط في متحف الجسد!؟

،،،،،

لا ذنب لرأسي، كان ينتظر الطوفان .

لا تموز أمطرَ والباب خَلف "آب " أوصدته المسامير.

صيام في صيام.

يا مُكثّر الأعناب أغثنا.

يا صاحب النخيل: جفّت الخمرة.

الرأس يُطوّحه جسد بلا –جمّار-

،،،،،،

نصف ربيع لرأسي المطرود من نفق التقويم.

لُحاف واحد لشتائه البارد الوحيد.

عصا بيضاء لسنته القادمة.!!

من المُبصر إذن؟؟"

(الوجود في ظلمة النفق)

تابع القسم الثاني من التقرير

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1295 السبت 23/01/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم