أوركسترا

محمود محمد علي: مثلث برمودا.. حقيقة أم خيال؟ (2)

هناك عددا من التفسيرات غير الطبيعية لحقت بمثلث برمودا ، ومن هذه التفسيرات تلك الأحداث الخاصة بالأطباق الطائرة واستخدم هذه الفكرة ستيفن سبيلبرغ في فيلم الخيال العلمي لقاءات قريبة من النوع الثالث الذي يحكي قصة ضياع طاقم الطائرة 19 واختطافهم من قبل المخلوقات الفضائية.

كذلك أخذ مثلث برمودا اهتمام أهل الشيعة وكان محل خلاف وبحسب ما جاء على لسان مرجعهم على الكوراني في إحدى حلقات برنامجه الشهير. والذي يذاع على إحدى القنوات التابعة لهم، ما هو إلا مصنع للأسلحة السرية والخاصة بالإمام المهدي الغائب. كذلك ذكر على الكوراني أن الإمام المهدي حسب زعمهم عندما يخرج في آخر الزمان سيكون معه سيديهات لجميع الأحداث التي وقعت في التاريخ الإسلامي (15).

3110 مثلث برموداومن التفسيرات الشيعية أيضا غير الطبيعية فكرة أن المهدي المنتظر مقيم في برمودا مع أهل بيته والمخلصين من أصحابه كما ورد " قضية الجزيرة الخضراء الموجودة في كتاب بحار الأنوار للمجلسي وهي موسوعة كبيرة من 25 مجلدا، وتدور رواية المجلسي حول شيخ لهم يدعى زين الدين علي بن فاضل، وكان قد ذهب إلى منطقة ما من المحيط الأطلسي، وأعطى وصفاً لتلك المنطقة التي يدعي أنه زارها سنة 690هـ، وهذا الوصف جاء متطابقا مع كثير من أوصاف مثلث برمودا خاصة أقوال أحد الطيارين الذين تحدثوا قبل السقوط في البحر بمثلث برمودا فكان من جملة ما قاله في مكالمته مع برج المراقبة العبارات التالية:" وحتى البحر لا يشبه نفسه، يظهر أننا ندخل مياها بيضاء، إننا نمر فوق جزيرة صغيرة...لقد ضعنا نهائيا". وقد روى الشيخ المجلسي نفس العبارات الواردة؛ فعندما سافر من العراق إلى المغرب ثم إلى جزيرة صغيرة قرب الأطلسي تدعى جزيرة الرافضة قال:" فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر، رأيت ماءا أبيضا، فجعلت أطيل النظر إليه فقلت: إني أراه على غير لون البحر "هذا هو البحر الأبيض وتلك الجزيرة الخضراء وهذا الماء مستدير حولها مثل السور من أي الجهات أتيته وجدته وبحكمة الله تعالى، إن مراكب أعدائنا إذا دخلت غرقت وإن كانت محكمة ببركة مولانا وإمامنا صاحب الزمان" فينطلق هذا الكاتب ليقارن بين هذا الكلام والواقع الذي عليه مثلث برمودا اليوم ليخلص إلى النتيجة بأن الإمام الغائب المهدي المنتظر يعيش في مثلث برمودا بالقطع واليقين(16).

ومن ناحية أخري فقد أكد البعض من أهل السنة بأن ظاهرة مثلث برمودا جاءت عن جابر بن عبد الله عن النبي قال:" إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس….. إلى آخر الحديث". وفي هذا دليل على أن مكان عرش إبليس في البحر، وتحت العرش يوجد سرايا من الجن. وهذا يعني وجود مملكة لشياطين الجن بقيادة إبليس في البحر، وإذا بحثنا في جميع بحار الأرض عن مكان تلك المملكة. فلن نجد مكانا مليئا بالشر والغموض مثل مثلث برمودا وفي هذه دليل على احتمالية أن يكون هذا المكان هو مقر الشياطين على الأرض. وكذلك نجد في قصة سيدنا سليمان والهدهد والتي يتضح من خلالها العلاقة بين مثلث برمودا والقدرات الخارقة التي وهبها الله تعالى للجن، حيث استطاع الجن أن يحضر عرش الملكة بلقيس في لمح البصر لسيدنا سليمان، وبناء على ذلك فإن مسألة إخفاء سفن أو طائرات ليست بالأمر الصعب عليهم (17).

ويذكر "عائض القرني" في كتابه "الحقيقة الغائبة… أسرار برمودا والتنين من القرآن والسنة" أن منطقة مثلث برمودا ومثلث التنين ما هي إلا قاعدة للشيطان وجنوده من الجن. حيث يقول الشيخ عن حقيقة مثلث برمودا عائض القرني إن الشيطان أراد أن يبسط نفوذه وشره على بني البشر. فقام بشن حربا شديدة على البشر، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن ينتصر الأنس على جيش أبليس. والذي كان يتكون من الجن والغيلان والمردة، وقد نصرهم الله بالفعل على يد رجل عظيم يدعي "مهلاييل". وبعد أن هزم إبليس قام بالفرار هو من تبقى معه من الجن، ثم أخذ يبحث عن مكان يحتمي فيه من "مهلاييل" حتى وقع اختياره على منطقة مثلث برمودا ومنطقة مثلث التنين (18).

كذلك من التفسيرات غير الطبيعية التي لحقت بمثلث برمودا فكرة " المسيح الدجال "؛ حيث رأينا هناك بعض الأفلام الوثائقية التي وضعت من أجل تفسير حركات اليهود وربطها بالمسيخ الدجال والتي ذكر فيها أن مثلث برمودا هو المكان الذي بنى فيه المسيخ الدجال قلعته بمساعدة الشياطين والتي سينطلق منها فيما بعد ليغزو الأرض وهو يجهز لهذا بأسلحة وعدة وتكنولوجيا لم يسبق للبشر أو رأوها أو هي لا تزال مجرد نظريات في علومنا ولكي يمنع أي من خططه من أن تُعرف يقوم بخطف كل من يقترب من المنطقة ويبقى المكان طي الغموض والكتمان ولكن بشكل عام يظل مثلث برمودا لغز بالنسبة للبشر لم نستطع حله بشكل قاطع أو بأدلة دامغة ولم يذهب إلى هناك أي شخص من حوادث الإختفاء السابقة وعاد ليخبرنا ما الذي رآه في هذه المنطقة المريبة (19).

ولكن العلماء يرون أن هذه التفسيرات تشوبها السذاجة ، وأنها قد اختارت المبررت والأسباب السهلة التي لا تكلف أصحابها عناء البحث الجاد ، أو حتي التفكير المنطقي العميق ؛ ففي كتاب صدر عام 1975م بعنوان "لغز مثلث برمودا: الحل" للورانس ديفد كوش ، حيث أكد أن العديد  من إدعاءات جاديس والكتاب اللاحقين كانت مبالغاً بها ومشكوكاً في صحتها ولم يُتحقق منها (20).

ولقد كشفت بحوث كوش أن هناك عدد من المغالطات والتناقضات بين روايات وتصريحات تشارلز بيرلتز وبين شهود العيان والناجين. وأشار كوش أن بعض المعلومات ذات الصلة لم يتم ذكرها، مثل اختفاء متسابق في سباق حول العالم باليخت يدعى دونالد كروهرست، حيث ربطها بيرلتز بالمثلث وجعلها لغزاً، رغم وجود أدلة واضحة توضح اختفاءه بعيداً عن المكان، ومثال آخر رواية بيرلتز عن حاملة النفط الخام التي ضاعت من ميناء أتلانتك لمدة دون أثر، وقد أشار كوش إلى أن هناك ميناء آخر يحمل نفس الاسم على المحيط الهادئ، ووضح كوش أن نسبة كبيرة من الحوادث التي أحدثت جدلاً عن المثلث الغامض حدثت خارجه، ولقد كان بحثه يضم عدداً من تقارير الصحف بتواريخ الأحداث وتقارير عن الحالات الجوية السيئة التي لم يتم ذكرها في العديد من الصحف (21).3109 مثلث برمودا

وشمل بحث كوش على الآتي (22):

أولا: لم يكن عدد السفن والطائرات التي ضاعت في تلك المنطقة عددا أكبر بشكل ملحوظ عن المناطق الأخرى التي تتواجد فيها العواصف الاستوائية، حيث عدد الاختفاءات بها دائمًاً لا يكون غريباً ولا غامضاً، وإضافة إلى ذلك، بيرلتز والكُتّأب الآخرون لم يذكروا أي شيء عن العواصف.

ثانيا: كانت بعض المعلومات في البحوث الأخرى مبالغاً فيها. كمثال، اختفاء قارب يمكن ملاحظتها، ولكن عودة القارب للميناء مسألة غير مؤكد منها لأنه بالكاد سيكون تحطم.

ثالثا: تعدّ أسطورة برمودا أسطورة مُصطنعة، أعدها كُتّأب، عن طريق العمد أو من دون قصد، استخدموا مفاهيم وأسباب خاطئة، تحتوي على أسلوب الإثارة.

إلا أن هذا كله لا ينفي بالضرورة مزاعم المرور بتجارب غريبة في مثلث برمودا. فقد أثبت العلم بالفعل بعض الأمور الخارجة عن المألوف في المنطقة؛ أحدثها كان في أكتوبر 2016 حينما أعلنت مجموعة من علماء الأرصاد الجوية عن تسبب نوع فريد من السحاب في المنطقة في وقوع الحوادث الغامضة. قال دكتور راندي كيرفيني من جامعة ولاية أريزونا إن هناك سحبًا عملاقة سداسية الشكل تطلق «قنابل هوائية» تضرب المحيط مسببةً في حدوث أمواج عاتية. ونتيجة لذلك، تتكون عواصف شديدة غير متوقعة تبلغ من القوة ما يمكنها من إغراق السفن وإسقاط الطائرات في لحظات (23).

وتشمل الأسباب البيئية الأخرى الزلازل التي تحدث تحت المحيط؛ حيث رصد العلماء نشاطًا زلزاليًّا ملحوظًا في المنطقة؛ كما أن المثلث يقع في نطاق تيار الخليج الدافئ، وهو تيار قوي قد يسبب تحديات خطيرة للملاحين غير المخضرمين، ويبلغ من السرعة ما يمكنه من إزالة آثار الكوارث التي قد يتسبب في حدوثها. وقد تكون الطبيعة الطبوغرافية لأرضية المحيط أحد تلك العوامل؛ حيث يحتضن مثلث برمودا بعض أعمق الخنادق على سطح الأرض، مما يجعل العثور على حطام السفن أو الطائرات الغارقة أمرًا شبه مستحيل (24).

علاوة على ذلك، أبلغ عديد من الطيارين عن حالات شذوذ مغناطيسي في مثلث برمودا. ففي عام 1970، أبلغ بروس جيرنون عن سحابة غريبة تمددت مكونة نفقًا عندما كان يمر من خلالها بطائرته؛ حينها توقفت معدات الملاحة عن العمل ودارت إبرة البوصلة عكس عقارب الساعة. كذلك اختفت طائرته من على شاشة الرادار بمركز مراقبة الملاحة الجوية بميامي، ثم ظهرت فجأة فور خروجها من السحابة. والمثير للدهشة هو وجود فجوة زمنية قدرها ثلاثون دقيقة أكدتها ساعة يده؛ الأمر الذي جعله يؤمن أن لهذه السحابة خصائص زمنية خاصة، وليس هناك تفسير علمي قاطع حتى الآن لهذه الظاهرة  (25).

وقد شاع سابقًا تفسير لحوادث مثلث برمودا يتعلق بالخطأ البشري، وهو أن الطيارين والملاحين لا يحتسبون فروقات خط الميل المغناطيسي الذي يمر في المنطقة، مما يتسبب في أخطاء ملاحية وكوارث خطيرة. وخط الميل المغناطيسي هو نقطة التوافق التام بين الشمال الحقيقي والشمال المغناطيسي؛ ومن ثَمَّ لا يكون هناك انحراف مغناطيسي ولا تكون هناك حاجة إلى تعويضه عند قراءة البوصلة. إلا أن هذه النظرية لم تعد صالحة؛ حيث أثبت العلماء أن خط الميل المغناطيسي يتحرك نحو الغرب بمقدار درجتين في السنة تقريبًا. ففي الواقع أن خط الميل المغناطيسي قد عبر بالفعل خلال مثلث برمودا في وقتٍ ما، ولكنه الآن يقع في نطاق خليج المكسيك (26).

مرة تلو الأخرى، يثبت العلم أنه صاحب الكلمة الأخيرة في أي سجال بين الحقائق والخرافات. نعم، قد تبدو الحكايات وعناوين الأخبار الآخذة للأنفاس جاذبة وشائقة. ونعم، ستظل الأساطير تجد طريقها إلى عقول البشر. ولكن، سيظل العلم آلية دفاع البشرية ضد مثل هذه الخرافات (27).

لكن على أية حال فقد تشربت الثقافة الشعبية ظاهرة "مثلث برمودا"، ففي سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، ، إذ استأثر باهتمام مجموعة واسعة من وسائل الإعلام. مثلاً، تناول المسلسل التلفزيوني "ذا فانتستيك جيرني" The Fantastic Journey (الرحلة المدهشة) من إنتاج 1977، تفاصيل رحلة استكشافية علمية تقودها عائلة تعترضها سحابة خضراء في "مثلث برمودا"، فتتحطم، ويجد المغامرون أنفسهم تائهين في جزيرة غامضة تتعارض فيها النطاقات الزمنية وتتداخ (28).

كذلك دخلت صيحة "مثلث برمودا" إلى ألعاب التسلية عبر لعبة لوحية ولعبة فيديو على جهاز الـ"أتاري" الإلكتروني. حتى أغاني البوب لم تكن في مأمن من سحر ذلك المثلث، إذ أصدر المغني الأميركي باري مانيلو في 1981 وفرقة الروك البريطانية الأميركية "فليتوود ماك" Fleetwood Mac سنة 1974، مقطوعتين بعنوان "مثلث برمودا"، ويرد في لازمة الأغنية الأولى، "أعتقد أنك سمعت عن مثلث برمودا/ أمر ما يحصل/ لا أحد يعرف ما هو/ والقوات الجوية لن تسمح بذلك".(29).

وفي نهاية حديثنا هنا يمكن القول بأنه على الرغم من حدوث كثير من القصص التي تجول حول مثلث برمودا، فإن هناك من يزعم أن قصة مثلث برمودا ما هي إلا مجرد منطقة خيالية وأسطورية، كما أن مجلس الأسماء الجغرافية في الولايات المتحدة الأمريكية لا يعترف بمنطقة مثلث برمودا، ولا يحتفظ بملف رسمي لها، وعلى الرغم من ذلك لا يزال المجلس إلى يومنا هذا، يبحث عن السر الذي يدور حول مثلث برمودا، فقد لا يكون قصة خيالية وإنما لا يريد من أحد معرفة شيء عن هذه المنطقة.

 

أ. د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

................................

هوامش المقال:

15-  أحمد الحصري: مثلث الشيطان، مثال باليوابة نيوز ، منشور بتاريخ الأحد 05/ديسمبر/2021 - 08:40 م.

16- مثلث برمودا: من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.

17- أحمد الحصري: المرجع نفسه.

18- المرجع نفسه.

19- ناجي النجار : المرجع نفسه،  ص23.

20- لورانس دافيد كوش: لغز مثلث برمودا: الحل، ص 98.

21- المرجع نفسه،  ص99.

22- المرجع نفسه،  ص144.

23-هند فتحي: لغز مثلث برمودا.. مقال منشور ضمن جريدة كوكب العلوم بتاريخ 15 سبتمبر 2019.

24- المرجع نفسه.

25- المرجع نفسه.

26- المرجع نفسه.

27- المرجع نفسه.

28-.منصور عبد الحكيم : المرجع نفسه.، ص 34.

29--لورانس دافيد كوش: لغز مثلث برمودا: الحل، ص 111.

 

في المثقف اليوم