 مناسبات المثقف

في عيد تأسيس (صحيفة المثقف) .. عطاء متجدد وتطور دائم / حسين سرمك حسن

husan_sarmakمنذ عام فقط – وهذا مما يؤسفني كثيرا وبسبب ظروف قاهرة - استطعت تخصيص وقت لمتابعة موقع ( صحيفة المثقف) بصورة يومية تقريباً .

موقع غني بمادته وثري بمضامينه وعناوينه وكتّابه . حمل هذا الموقع قصب السبق في ناحية شديدة الخطورة من نواحي الحياة الثقافية العراقية، الثقافة القطة التي تأكل أبناءها، والتي تسير على أساس الشعار الخطير والفطير القائل : " مغنّية الحي لا تُطرب "، والذي كان من نتائجه المربكة، تأسيس شعار آخر أكثر خطورة يتمثل في الإصرار على الإحتفاء بمحاسن المبدعين الموتى .. بمعنى الإنتظار المتطاول والمسموم للحظة وفاة المبدع العراقي، لإطلاق شارة الإحتفاء المنافقة والمتشفّية به وبمنجزه وبحياته، وإغراق قبره بالورود في حين أن " الموتى لا يشمون الزهور " حسب تعبير أحد الشعراء الصينيين . أسست صحيفة المثقف العربي هذا التقليد الرائع والإنقلابي الذي يصر على الإحتفاء بالمبدع العراقي حيّاً، والإصرار على أنه يغني، ولا يُطرب الحي المحلي حسب، بل الأحياء المجاورة أيضا .. هذا ما حصل – على سبيل المثال لا الحصر – في الملفات الإحتفائية والتوثيقية والنقدية التي صدرت بأبهى حلة وبجهد هائل ومميز عن المبدعين الكبار : يحيى السماوي وعبد الرضا علي وشوكت الربيعي .

 

 ولو لم تحقق صحيفة المثقف – وقد يندهش الكثير من القراء من وجهة نظري هذه – سوى هذا المنجز عبر عمرها المديد بإذن الله، لكان هذا كاف لأن يُكتب اسمها واسم المشرف عليها الأخ الحبيب (ماجد الغرباوي)، وجنوده المجهولون بأحرف من نور على أنصع صفحات الثقافة العراقية . إن هذه البادرة الكبيرة هي درس تربوي كبير، بل في غاية الخطورة للأسباب التي أوضحت جانبا منها قبل قليل .

 

وعلى ذكر الأخ الغرباوي فلابدّ من تحية له، ولجهده الفذ في متابعة وإخراج وتنظيم عمل الصحيفة، ولكن التحية الأكبر – وهذا ما يتفق فيه الغرباوي معي بفعل أخلاقياتهالعالية - هي للجنود المجهولين الذين يعملون معه، وتحت إشرافه، والذين أتمنى أن يُذكروا بمسمياتهم في هذه المناسبة العزيزة .

لقد أصبحت صحيفة المثقف موقعا مرجعياً أعود إليه، وإلى أرشيفه الضخم في مناسبات كثيرة، لعل أخيرها وليس آخرها، المعلومات الهامة التي استقيتها من مقالة الاستاذ الفاضل الدكتور (عدنان الظاهر) عن (حمامة المعري) لتعزيز آرائي في كتابي الذي أشتغل عليه الآن عن أبي العلاء المعري . وكذلك الرجوع إلى المقالات التي ضمها كتاب "تجليات الحنين" عن أخي الشاعر المبدع "يحيى السماوي" للإستفادة منها في كتابي "سماويات – بحث في نقد النقد ". ما الذي أقصده من هذه الملاحظة ؟

 

ما أقصده هو أن موقعاً مرجعياً بهذ الأهمية، ينبغي أن لا تُفتح أبوابه – ومع احترامي للجميع – لكل من يحاول الكتابة شعرا أو قصة أو مقالة على طريقة أن الكاتب هو الذي يتحمل الآراء الواردة في مقالته . إن هذا الموقف يعبّر عن روح اتكالية غير خلّاقة، وعلى الهيئة المشرفة على الموقع أن تكون شديدة الحزم في قرءة النصوص ومنع ما هو هابط منها، بإحالتها إلى زملاء مختصين، يبدون آراءهم فيها بجدية وتجرّد.

 

وبصراحة، وفي بعض الأيام، لا أستطيع إكمال بعض النصوص والمقالات بسبب مستواها الإنشائي الهابط، والتي يجب أن يكون مكانها في زاوية " بريد القراء " . صحيفة المثقف – وانتبه عزيزي القاريء إلى اسمها "صحيفة المثقف" – يجب أن يحررها المثقفون الأصلاء ويقرأها كل الناس، وليست صحيفة لبريد القراء ومحاولاتهم وصورهم بأوضاعها الغريبة التي تعكس سمات الشخصية الرحامية والاستعراضية .

 

ترتبط بهذه الملاحظة، ملاحظة أخرى لا تقل أهمية عنها، وتتمثل في التعليقات، فلا يجوز أن يُفتح باب التعليقات لكل من هبّ ودبّ أيضا، وحتى بعض التعليقات التي تأتي من كتاب معروفين، وتكون شديدة الإنفعال، يمكن للهيئة المشرفة أن تتبادل الرأي معهم، حول حدّتها وطبيعة مفرداتها، وأتذكر – إن لم أكن مخطئا – الحالة التي حصلت مع الصحفي الكبير الأستاذ "زيد الحلي" . وكان سروري بالغا قبل أسبوعين، عندما أرسل إلي الأخ ماجد تعليقا في غاية السخف من أحد الكتاب على كاتب آخر للإستئناس برأيي، ورفض نشر التعليق حتى قبل وصول رأيي . إن الصحيفة – مادامت للمثقفين – فهي تتحمل مسؤولية تربوية كبرى، تتطلب الجهد والعرق والسهر المضني، وهو ما ألاحظه ويحصل فعليا، لكنني أطمح للصحيفة – وهي صحيفتنا جميعا – بمراتب أعلى وأعلى بإذن الله .

 

تبقى حالة شديدة الحساسية، فعلمياً وموضوعياً، الثقافة تشمل كل شيء في حياة المجتمع، وهي مرادفة للحضارة . أي أنها الأم، أما السياسة فهي فرع من فروع الثقافة، وقد أشرت مرارا إلى واحد من أهم مقاتل الثقافة العراقية منذ قرون طويلة يتمثل في تبعية الشأن الثقافي للشأن السياسي، أي تبعية الأصل للفرع، في معادلة غريبة عجيبة، أصابت هذه الثقافة بخسائر جسيمة جداً . وفي بعض الأحيان ألحظ هذا الميل إلى الشأن السياسي على حساب الشأن الثقافي رغم محدوديته . 

 

كل ما قلته من ملاحظات تقويمية - قد يكون بعضها خاطئا – لا يقلل من أهمية الدور الذي لعبته، وتلعبه صحيفة المثقف العربي، في حياتنا الثقافية، ولا تغنينا عن تقديم وقفة احترام وتبجيل كبير للهيئة المشرفة عليها .. ومن تطور إلى آخر .. وكل عام وهي – مشرفا وعاملين وكتابا وقراء – بخير وبصحة دائمة وإبداع م تجدد .

 

   حسين سرمك حسن

    بغداد المحروسة

 

خاص بالمثقف

..................................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: المثقف .. خمس سنوات من العطاء والازدهار: 6 / 6 / 2011)