 مناسبات المثقف

المثقف بعد خمسة أعوام من غصن إلى شجرة وارفة / هاتف جنابي

hatef_ janabiمن المفارقات الغريبة التي أصبحت محببة لدي فيما بعد، هي أنني حينما نشرت لأول مرة، في "المثقف"، في بداية تكوينها على ما أظن، لم أكن مندفعا لفعل ذلك بحب النشر فيها إطلاقا. 

كانت الأبواب مفتوحة أمامي تماما ورقيا والكترونيا، عراقيا وعربيا بل حتى غربيا.

 

في الحقيقة، كنتُ وقعتُ تحت سحر مخاطِب مبهم، مهذب، مؤدب، رزن، خلوق، لم أعرف اسمه أبدا، لكنني قامرتُ في التوصل معه. آنذاك، كان يخاطبني الغياب. لم أكنْ أعرف من هو مخاطبي غير أن كلماته كانت توحي بالثقة وتدفعني، حسب وقتي وظروفي، إلى الحضور بين الفينة والأخرى، على صفحات عالم افتراضي، تكتظ به الساحة الإعلامية والثقافية يوما بعد آخر.

 

كان الصوت خجولا، أوحى لي تواضعه وكلماته وأسلوب مخاطبته بأن وراءه مشروعا ثقافيا منفتحا وإنسانيا، عربي اللغة لكنه تعدديٌّ في مسعاه الثقافي، جذره عراقي ونظرته أبعد من الجغرافيا.  أردتُ بين الفينة والأخرى أن أفك طلاسم هذا الكائن المجهول.

 

دعوني أقول صراحةً: جلّ ما كنتُ أخاف منه (حاشاه ذلك) أن يكون قناعا "لبعثي مؤدلج" يريد العودة للساحة بوجه آخر! فالبعثي المؤدلج خطير، شأنه في ذلك شأن كل مؤدلج سياسيا أو دينيا، وهو يختلف عن البعثي العادي الذي اضطرته سبل الحياة لذلك. شعرتُ في لحظة ما أنني أنغمس في لعبة ما خطيرة، لست جديرا بتحمل عواقبها ولا مؤهلا لها، بل من الحكمة ألا أكون طرفا فيها.

 

لأنه من غير المعقول أن يخاطبك صوت المجهول وتستجيب له! كان الخطاب المجهول يأتيني من القارة السابعة بتوقيع:"أبو حيدر".

 

قبل سنتين ونصف سألتُ صديقي العتيد الذي أثق به الشاعر (أبا الشيماء): هل تعرف من هو صاحب المثقف؟ قال لي: إنه إنسان طيب، وكاتب مثقف منفتح على الآخر، ورجل متواضع ولا علاقة له بالنظام السابق، ولم يذكر اسمه. قلت له بسرعة: الحمد لله الذي جعل حدسي في محله.

 

قبل سنة ونصف على ما أذكر، ربما أكثر، وردتني رسالة من المثقف فيها دفء كبير لمسته، وتشجيع خبرته، وتواضع عهدته. وردتني غير مشفرة لأول مرة، مذيلة بتوقيع:  ماجد الغرباوي(أبو حيدر سابقا)، ودعوة لمخاطبته باسمه الحقيقي. لم أفعل ذلك حتى اللحظة سوى مرتين! لأنني تعودت على (أبي حيدر) بعد أن تأكد لي أن اسمه وحيدر متطابقان في الصفات الحسنة. لكنني اكتشفت في ماجد الغرباوي صفة أخرى جديرة بالمتابعة والإعجاب والإطراء هي: أنه باحث محلل متمكن من أدواته متفتح البصيرة، يقرأ الواقع وما يخفيه بجدارة وأفق بحثي موضوعي إنساني، غير متشنج، يفتقر إليه قسم غير قليل من المحترفين في أيامنا العجيبة الغريبة.

 

خمس سنوات انقضين على "المثقف"، تطورت من خلالها كثيرا شكلا وإخراجا ومحتوى، والمدهش في ذلك أنها قد تحولت إلى مؤسسة ثقافية، ترعى الثقافة والمثقفين وتجمعهم تحت راية الكلمة النبيلة والحلم الإنساني الكبير. على أن ما يلفت نظر القارئ والمتابع على السواء هو أن المثقف مؤسسة تضع الثقافة في المقام الأول وبعدها يجئ الدور الإعلامي وهذه من حسناتها الكبرى وأحد أسرار ديمومتها. فضلا عن ذلك، لم تشعرنا يوما من الأيام (خارج إطار البحث عن الحقيقة وتمجيدها)، أنها منحازة لهذا الطرف دون سواه، لهذه الفئة والطائفة أو تلك، لهذا العرق أو ذاك. من حسناتها الأكثر أهمية هي طموحها الكبير في أن تكون مؤسسة ثقافية راعية لفحوى التسمية التي انبثق عنها عنوانها الرئيس. سبقت "المثقف" الكثير من مثيلاتها في الساحة بصدقها وبفتح باب الاجتهاد للمشاركين، وبالتالي تأسيس تقليد تكريم  المبدع وذاك ما لمسناه في تكريمها لأسماء لها دورها المتميز في حياتنا الثقافية والبحثية والأدبية والسعي لنشر ملفات عنهم ومن ثم نشرها في مطبوع وهذا بحد ذاته تقليد وعمل مضنٍ وجبار يستحق التقدير والدعم.

 

عبر خمس سنوات، رغم متابعتي المتواضعة، تبدو المثقف محافظة على مستوى ما ينشر فيها وهذا أمر بالغ الحيوية، في زمن تتسابق بعض المواقع في نشر الرديء وتعميم الحقد والكراهية والخراب. لقد خلقت المثقف جماعة يتابع بعضها الآخر إلى حد ما، تشعر بالتكافل الأخوي في وقت يعز فيه الصديق.

 

ربما تحتاج المثقف إلى زيادة دور الصورة فيها وتخصيص حقل للفوتوغرافيا، وإلى تطوير نظام التعليقات فيها ليكون تلقائيا كما في بعض المواقع الأخرى، مع الحفاظ طبعا على مراعاة حدود اللياقة الأدبية في نشرها. تحتاج المثقف أكثر من ذي قبل لمنح المقالات والنصوص ثلاثة أيام مثلا(قد يكون الأمر كذلك وأنا غافل عنه) في الواجهة لكي يتسنى للمتصفح المتأخر أن يطلع عليها. جميل في تقليد المثقف هذا النظام الآلي في إعلام صاحب المادة أو التعليق بنشرها(ه). أنا شخصيا وبحكم انشغالاتي المتعددة وضيق وقتي لولا ذلك النظام لما تمكنت من معرفة فيما إذا نشرت مادتي أم لا.

 

فتحية خالصة إلى مؤسس المثقف – أخي (أبي حيدر) على هذا الجهد الكبير، وألف شكر للأستاذ الباحث ماجد الغرباوي على مؤلفاته القيمة التي وصلني بعضها مشكورا، شكري وتقديري للعاملين المجهولين بالنسبة لي حتى الآن في تحرير المثقف على تفانيهم في عملهم. شكرا للمشاركين والمتعاطفين مع المثقف على تواصلهم معها لأنها تستحق الدعم من الجميع.

 

خاص بالمثقف

..................................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: المثقف .. خمس سنوات من العطاء والازدهار: 6 / 6 / 2011)