 مناسبات المثقف

صكوك الغفران: صحيفة المثقف في عامها السادس / صالح الرزوق

saleh_alrazukتعيد هذه التجربة المتميزة لمؤسسة المثقف العربي إلى الذهن التجارب السابقة التي ارتبطت بالحداثة العربية، و لا سيما في فترة الستينات. وأخص بالذكر مجلة (حوار) ثم مجلة (شعر) و مجلة (النواعير).

و لكن على الأرجح إن التشابه هو في السياق العام و ليس في التفاصيل ولا النهاية.  لقد ارتكبت الأمثلة السابقة مخالفة بحق ظروف المؤسسة، وأقصد بذلك علاقات المجتمع، على اعتبار أنه مؤسسة تعمل بأسلوب التداعي، أسلوب تيار الشعور الداعم لجميع التجارب الحداثوية، ولذلك كانت برأيه تستحق الإدانة والتصفية. بعكس المثقف التي توفرت بين  يديها حزمة من الضمانات.

فقد تمكنت خلال فترة بسيطة من استقطاب عدد من الأسماء المخضرمة والهامة ومنها الأساتذة الأكارم ميثم الجنابي وهاتف الجنابي وأديب كمال الدين، وبعض الرواد ومنهم الأستاذ الفاضل عراب القصة العراقية جمعة اللامي.

وفي نفس الوقت لم تنس الدور الأساسي المناط بها وهو إتاحة الفرصة للأصوات المكبوتة. فقد قدمت لهم نوعا من الخلاص المسيحي. بمعنى أنها غامرت بتقديم أسماء بسيطة، و كان يحدوها إلى ذلك تخليص الثقافة العربية من حالة الجمود و التكرار، وربما تكسير القيود الأبوية واحتكار النشاط الثقافي المستمر لعدة عقود حتى تحول التفكير إلى جريمة، والنشر إلى امتياز، وليس إلى واجب أخلاقي أو تربوي.

لقد اجتمعت في المثقف الإرادة والكادر، أو القدرة على اتخاذ القرار بالمقاطعة والتواصل.

و كانت تتحلى بالشجاعة التي تؤهلها لتطبيق سياسة حرق المراحل. والإشارة هنا ليس إلى المبدأ الماركسي - اللينيني المعروف، و لكن إلى الفكرة التي نقلها المرحوم زكي الأرسوزي عن الأصل الرحماني لعالم الأفكار الواقعية، والتي تنقل تراث المرحلة السابقة، وتعبر عنه بلغة متحولة أو بلغة التصور. 

وقد أدى ذلك إلى صياغة مبدأ التجديد بشكل قانون أو دستور له أهمية الشعار و الوجدان. وربما نفس أهمية الضمير.

 

ومن هذه النقطة دخلت المثقف في المصير المختلف.

لقد اختارت أن تنفصل عن مصير الحداثة السوداء المنكوبة، حداثة الكانتونات، التي تعبر أصلا عن حالة الذهن المتخبط و الغامض، وعن مرحلة النكسة المؤسفة الممتدة بين تقطتين: النزوح والخروج.. مغادرة الأراضي الفلسطينية إلى الشتات ثم مغادرة المقاومة لبيروت في صيف عام 1982. وهكذا أصبحت إحدى العلامات الفارقة التي بشرت بربيع مبكر لحراك ثقافي شكله في الداخل و جوهره في المنفى، كما لو أنها صياغة معاكسة لأزمة الشكل و المضمون. وبعبارة أخرى: كأنها الخط الذي ترسمه سكة المحراث على الأرض، حيث أن التربة الأصيلة والخصبة تخترقها حداثة لها رأس من فولاذ. وهذا ما أسميه بالحداثة الدائمة أو التجديد.

مبروك للمثقف عيدها السادس، وأعتقد أنها ستجد طريقة لتخطي تباشير الأزمة الحالية:

كيف تتعامل مع فضاء إلكتروني ليس له حدود.

و كيف تضع الإشارات و الرموز الكفيلة بصيانة هوية و شخصية الذهن العربي من أخطار الذوبان.

 

حزيران النكسة - 2011

 

خاص بالمثقف

..................................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: المثقف .. خمس سنوات من العطاء والازدهار: 6 / 6 / 2011)