صحيفة المثقف

بؤس السينما العربية.. نتيجة الأنظمة الديكتاتورية

وقد لا يفلح المخرج مهما يمتلك من مهارات من انقاذ سيناريو ضعيف وحتى مشاركة نجوم من الطراز الاول قد لا تنقذ الفيلم كون الاساس الاول ضعيف، اي  السيناريو.

 

ومنذ عدة سنوات لا وجود للافلام العربية في مهرجانات دولية ومشاركات بعض الافلام في هذه المهرجانات قد يأتي للعرض التجاري كما يحدث في مهرجان كان  السينمائي، وليس داخل المسابقة الرسمية ورغم الاحساس بالمشكلة و وجودها الا ان  الامر يتكرر مع كل منتج جديد.

 

هناك ظاهرة ايجابية لبعض المهرجان السينمائية الخليجية بتخصيص جوائز  للسيناريو ودعم افلام جديدة ولكن للاسف تظل الدائرة ضيقة بشروط عديدة صعبة مثل تحديد العمر او الجنسية، وهناك مؤسسات قليلة جدا تخصص جانب لدعم اعمال جديدة وهو دعم متواضع مثل مؤسسة المورد الثقافي وصندوق دعم الابداع  العربي ولكن الجزء المخصص لسينما يظل بسيطا ومتواضع و لا يوجد للاسف برامج تدريبية كثيرة لدعم التدريب في مجال السيناريو، والمؤسسات الاكاديمية المهتمة بالفن السينمائي بعالمنا العربي قليلة جدا وتفتقر للكثير من المستلزمات مثل  قاعت العرض و الاستديوهات والمكتبات.

 

وخلال السنوات العشر الاخيرة لم نسمع عن اصدارات سينمائية جيدة ولا تراجم لكتب سينمائية و نعاني من نقص فادح في الناحية الاكاديمية والبعض يزاول هذه المهنة دون الاعتماد على اي اساس علمي و فني واكاديمي لتصبح السينما والفن مهنة من لا مهنة له.

 

نعيش في عالمنا العربي حالة من التدهور السينمائي وابرز دليل هو انهيار قاعات  العرض السينمائية وانحصارها وتردي اوضاعها وتخلفها، ولو قمنا بعد قاعات  العرض النموذجية الحديثة في عالمنا العربي سنجدها بعدد الاصابع، وهناك دول عربية مثل  اليمن والسودان والصومال والعراق وغيرها تم اغلاق معظم القاعات.

 

وفي بعض الدول الاخرى نجد انحصار للجمهور وظهور ثقافة غريبة تجعل من  الذهاب للسينما امر معيب ومخجل ويتنافى مع العادات والتقاليد، واتذكر في  الثمانينات كان باليمن مثلا اكثر من مئة قاعة عرض واليوم لا توجد سوى ست او  سبع  في حالة بائسة يصعب لنا وصفها وربما يتم اغلاقها هي الاخرى لتصبح  اليمن مثلا اول دولة في العالم  بدون قاعات عرض سينمائي.

 

مشكلة ضعف السيناريو في السينما العربية هي مشكلة مرتبطة جدا بهذه العناصر، فاذا كان لدي كاتب السيناريو احساس بان فيلمه ضعيف ولن يشاهده الكثير وان عليه حشوه ببعض المشاهد المغرية وبعض الاحداث الكوميدية الساخرة، وانا لست  ضد الاغراء الجنسي ولا المشاهد الساخنة ولا الكوميديا ولا ارى اي خط احمر  يجب ان يعيق الابداع، لكننا علينا النظر الى الفن السينمائي باعتبارة لغة بصرية  مؤثرة وجدانيا و روحيا وليس خطبة  ومواعظ و لا اسفاف و بذائة.

 

لدى البعض شعور و احساس بان المتفرج العربي بليد وساذج ولن يفهم اللغة  السينمائية التي تعتمد على الاستعارة و الرمز والتورية والحذف وغيرها من  العناصر الفنية التي لا يخلو منها اي فيلم سواء تجاري او فني ويبرر البعض  سطحية السيناريو والمباشرة بالطرح انه نزول الى مستوى المتفرج العربي ولعل  هذا الفهم الخاطئ  لدى صناع السينما في عالمنا العربي هو سبب المشكلة ولو ان  المتفرج العربي  جاهل وساذج لهذه الدرجة لماذا اذن يقبل على مشاهدة افلام  سينمائية اجنبية امريكية اوفرنسية اوهندية وغيرها ?

 

يظهر ان المشكلة ان البعض لا يفرق بين اللغة السينمائية واللغة التلفزيونية ويرى  من السينما اداة حكائية وليس فن له خصوصيته ولغته ووسائلة التعبيرية الخاصة و المهمة، ومتى تخلصنا من هذه الفكرة يمكننا ان ننتج اعمالا سينمائية ذات قيمة.

 

وانا هنا لا اريد القول بان اي عمل يجب ان يكون سورياليا  وشعريا او على النمط  الغربي، السينما اداة تعبير علينا ان نتفق مع هذه النقطة وهي وسيلة اعلامية للترويج عن قيم او افكار وهي اداة حضارية وانسانية لعكس واظهار روح الثقافة و روعة التراث وهموم الانسان والسفر بدواخله لاكتشافه من جديد والبحث عن  الحقائق ومناقشتها واثارة الجدل حول هموم اجتماعية ونفسية وفلسفية.

 

ومتى ما تم مسح العنصر الفكري والفلسفي من اي فيلم والغائه يعني سقوط وانهيار  الفيلم كعمل فني ابداعي ومهما  استخدمنا العناصر التكميلية الاخرى التقنية فانها  لن تنقذ الفيلم.

 

هناك عنصر مهم جدا بالتاكيد ساهم في  تدهور السينما كفن تعبيري في عالمنا  العربي وهو عنصر الحرية سطوة الرقابة، فنحن نعيش تحت سطوة انظمة  ديكتاتورية مرعبة حاصرت وقتلت  الكثير من الفنون والابداعات التي تحمل رؤية  انسانية متحررة وفكر منفتح حضاري، وانساني.

 

واصبحت بعض السيناريوهات يتم طبخها في مراكز المخابرات وتمريرها وربما  احداث نوع من الزوبعة الاعلامية حول بعض الافلام العربية، وللاسف عندما  يتحول الفنان الى مخبر و عميل للانظمة الديكتاتورية فهذه  كارثة الكوارث وهي  لعلها العنصر المهم الذي دمر رسالة السينما كفن انساني حر ليصبح فن دعائي  للسلطات الديكتاتورية وبوق دعائي رخيص وتافه شكلا ومضمونا.

 

في  احدى  المؤتمرات إلتقيت بمخرج سينمائي مصري كبير هو احمد فؤاد وقال  لي بالحرف الواحد: لقد تم تدمير السينما العربية عن عمد  وتم شراء الشركات  السينمائية الناجحة والسيطرة عليها باموال رأسمالية  تابعة لسلطات، كي تحد من  الفكر الحر و تدمره، وهي اجندة مدروسة  ومخطط لها  وليس صدفة ومانراه اليوم  من  تفاهة وانحطاط هو انعكاس لوضعنا السياسي  ولا يمكن ان يكون هناك فن  سينمائي في ظل  ديكتاتوريات لا  تعترف بحقوق الانسان وادميته.

 

إن سينما عربية ناضجة  وسيناريو جيد  وابداع سينمائي او فني لا يمكن ان يتحقق   في ظل هذه  الظروف  و للاسف سنظل على هامش الفن والحضارة الانسانية  بسبب انظمتنا الرجعية والديكتاتورية ومتى تخلصنا من هذا الهم يمكننا ان نكون   في مصاف الدول المتحضرة ليس فقط  سينمائيا بل واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا،  هذا حلم لعله يتحقق عن قريب.

 

باريس- حميد عقبي*

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1348 الخميس 18/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم