صحيفة المثقف

المشي خلال النار .. إعترافات امرأة اكثر غضبا الآن ..!

رواياتها وقصصها وانعكست على مجمل نشاطها كرائدة لهذه الحركة، التي يمكن لها ان تصبح اكثر راديكالية من ذي قبل ودون ان تفكر بالتخلي عن مبادئها وكفاحها ضد الاضطهاد الذي تتعرض له المرأة العربية في اتون صراعات مستمرة لانهاية لها .

 

لم يكن السجن أو النفي ليثبط من عزيمتها، ولا حتى التهديد بالقتل الذي كان يلوح في طريقها، وبدت اخيرا في قميص مفتوح الصدر قليلا وتدلت من شعرها الابيض النقي ضفيرتان، قالت انها تبدو اكثر تمردا وهي تخطو الى الثمانين من العمر، ومع انها تعمل كطبيبة نفسية ومحاضرة جامعية فقد قامت بنشر ما يقرب من 50 رواية ومسرحية ومجموعات من القصص القصيرة، اجتذب عملها الذي يتناول المشاكل التي تواجهها النساء في مصر وبقية انحاء العالم غضب السلطة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات والمؤسسة الدينية آنذاك لانها واصلت معالجة القضايا المثيرة للجدل كالدعارة، والعنف المنزلي، وحتى التطرق الى الاصولية الدينية في كتاباتها، وقد شهد العام 1972 مع نزول كتابها " المرأة والجنس " الذي تضمن نقدا واضحا لعملية تشويه الاعضاء التناسلية للإناث في مصر والمعروف بختان المرأة فقدانا لوظيفتها كمدير عام للصحة العامة، لكن ذلك لم يوقف بركان غضبها المتفجر بل زاد من صلابتها ونظرا لآرائها السياسية الصريحة وتعكير صفو القوانين النافذة في بلدها والخاصة بالاحوال الشخصية فقد ادى كل ذلك الى اتهامها عام 1981 بارتكابها جرائم ضد الدولة كانت نتيجتها السجن لمدة ثلاثة أشهر، قالت انها كانت تستثمر وقتها هناك لكتابة مذكراتها داخل سجن النساء لكنها دونتها على لفائف ورق التواليت استطاعت ان تهربها الى الخارج .

 

بعد اطلاق سراحها تمكنت من مغادرة مصر عام 1993 هربا الى الولايات المتحدة الأمريكية بعد تلقيها تهديدات حقيقية بالقتل من قبل الجماعات الدينية المتشددة .

 

سنوات طويلة قضتها في الغربة عادت بعدها الى بلدها لكنها وجدت امامها سلسلة من القضايا المرفوعة ضدها أمام المحاكم، بما في ذلك محاولات غير ناجحة قانونيا لتجريدها من جنسيتها، وتطليقها بالقوة، مع مصادرة كتبها من المكتبات على اعتبارها تشكل عامل هدم للمجتمعات العربية الاسلامية، لكن جميع هذه الملفات تم غلقها وعادت نوال السعداوي لممارسة نشاطها الذي قالت عنه في مهرجان نادي القلم الأدبي بالقاهرة عند استضافتها فيه للحديث عن حياتها، انها غير نادمة لكل الذي فعلته وتود ان تفعل اكثر من الذي فعلته وباصرار إذا ساعدتها صحتها على ذلك لأنها تعتقد بصواب كل ما كتبته وقالته وانها على الطريق الصحيح، والذي يفرحها كثيرا ما تتلقاه من الناس الذين يقولون لها ان حياتهم قد تغيرت عن طريق كتاباتها، أحد الشباب جاء اليها مع عروسه وقال لها: (أريد أن أشكرك لأنك بكتبك وآرائك الحرة اشعرتني بأن الزواج ليس فيه عبودية كما يفسرها البعض) .

 

اضطهاد المرأة كان العامل الاساسي الذي دارت عليه رواياتها ولايمكننا فهم هذا الإضطهاد دون أن نعي العلاقة التي تربط هذا الجانب والعدالة المفقودة سواء أكانت اجتماعية أو سياسية وحتى على مستوى العلاقات الجنسية، كما العلاقة بين الطب والأدب والسياسة والاقتصاد وعلم النفس والتاريخ - كما تقول السعداوي - هذه العلائق جميعها ولّدت عندها حراكا تصارعت عليها افكارها عندما بدأت بتناولها خاصة مع رواياتها الأولى .

 

كانت من أنصار الحركة النسائية منذ طفولتها وامتهنت السباحة ضد التيار طوال حياتها - وهو تعبير شديد الخصوصية لمعارضتها واقع المرأة الشائن-

 

عائلتها التي كانت تتألف من ثمانية أخوة وأخوات جميعهن محجبات، لكنها كانت مختلفة عنهن جميعا، البعض منهن يعتقدن بأنها جدا متحررة في حين انها كانت تقول دائما بأن تحررها هو في تغيير النمط البدائي الذي تعيشه المرأة .

 

في سيرتها الذاتية " المشي خلال النار " الصادرة حديثا باللغة الإنكليزية عن دار نشر " زد "التي تتولى نشر كتبها بلندن، تكتب عن رعب ختان الإناث في مصر قائلة: (عندما كنت في السادسة من عمري جاءت الداية " القابلة " لختاني أسوة بباقي فتيات قريتنا " كفر طحلة " وبعد أن أنهت عملها وسط صراخي وزغاريد النسوة اللاتي تحلقن حولي، تركتني اسبح في بركة من الدماء، وبعد بضعة أيام توقف النزيف لكنه لم يتوقف من مخيلتي بعد ان شاهدت الأضرار المادية والنفسية التي تركها هذا الأمر عليّ وعلى باقي الإناث، وقمت بحملة شعواء استغرق فيها الأمر خمسون سنة من أجل ان تكون هذه العادة محظورة في بلادي وتحقق لي ذلك عام 2008، لكنها لازالت تحدث بإيعاز من بعض الزعماء الدينيين) .

 

هذا الأمر لم يكن وحده الذي تصدت له السعداوي بل ذهبت الى ابعد منه حينما تناولت السلبيات الصحية والاجتماعية في زواج الفتيات صغيرات السن وخطر هذا الاستعجال الأسري خاصة لمن كانت أعمارهن تقل عن الخامسة عشرة من العمر كما تقول، واستطاعت أن تكسب هذه الجولة ايضا باستصدار تشريع يحدد السن القانوني للزواج لكن هذا الأمر أصيب بانتكاسة مرة أخرى بسبب الفقر والتطرف الديني كما عبرت عنه .

 

رغبتها في دراسة الطب تقاطعت في بدايتها مع رغبة ذويها بالإنخراط في سلك التعليم، حتى اقتنعوا في نهاية المطاف، من هنا تشكلت وجهة نظرها الراديكالية على الأقل جزئيا من خلال تدربها كطبيبة حيال أمور كثيرة، في هذا الصدد تقول في سيرتها: (عندما بدأت أدرس تشريح الجسم البشري فتحت عيني لأنني عرفت أن الجينات أخذتني بعيدا الى جدتي التي كانت متمردة مثلي بعكس اخواتي واخواني الذين حملوا جينات اخرى).

 

في المدرسة الطبية سقطت في حالة حب مع زميل لها هو أحمد حلمي الذي كان يشارك في الكفاح ضد الإحتلال البريطاني لقناة السويس، لكنها تطلقت منه بعد عودته من القتال لإدمانه المخدرات، وتزوجت في وقت لاحق من محام قال لها بعد زواجهما أن تختار بينه وبين الكتابة فردت عليه انها راضية بكتاباتها، هذا الزواج الثاني جعلها تدخل معركة جديدة كما تصفها في سيرتها، حيث رفض منحها الطلاق مُعلنا ان الرجل هو الذي يقرر الطلاق من عدمه وليس المرأة، في النهاية استطاعت أن تتحرر منه وشهدت المحاكم سجالات واسعة أثبتت فيها حجة قوية لصالح المرأة وهي تصارع من أجل إثبات حق منقوص، زوجها الأخير شريف حتاتة عاشت معه 45 عاما ولازالت فهو روائي وطبيب وسجين سياسي، والذي عمّر هذا الزواج ذلك التفاهم الذي ربط بين قلبيهما وعقلهما وحنانهما تجاه ابناؤها الذين يكنون لحتاتة كل الاحترام والتقدير، ولأمهم حبا لاحدود له، ابنتها منى من زوجها السابق حلمي سارت على خطاها فهي كاتبة وشاعرة اثارت جدلا واسعا عام 2007 حينما كتبت مقالة جميلة في عيد الأم قالت فيها: (ماذا استطيع أن أعطي لأمي، أأعطيها حذاءا جديدا ؟ ثوب؟ هديتها سيكون إسمها أحمله بدلا من إسم أبي)، هذا الكلام جرها الى المحاكم بدعوى انها تريد تثبيت بدعة حمل اسم الأم بدلا عن الأب، وعلى الرغم من كل مالاقته فقد كسبت الدعوى، ولن تكون هذه هي المعركة الأخيرة لأن والدتها علمتها ان هناك المزيد من المعارك طالما ان المرأة لازالت ترزح تحت ظل قوانين جائرة، والمعركة القادمة ستكون من أجل التعليم بمصر وقد تنتقل هذه المعركة الى ساحات اخرى واسعة في أرجاء وطننا العربي ولربما في مناطق اخرى من العالم، التعليم فيه بحاجة الى تغيير شامل لمناهجه ونقله الى آفاق مستقبلية وتخليصه من ذلك الجمود الذي سيطر عليه عدة قرون .

 

أحمد فاضل

.......................

هوامش /

صحيفة / الغارديان اللندنية

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1401 الاربعاء 12/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم