صحيفة المثقف

دعوة إلى إنشاء رابطة عربية صُوفيّة تتولـَّى مُناقشَة الفـِكـْر الصُّوفِي والطـّـُرُقِ الصُّوفـِيَّةِ والزَّوَايــَا / علجية عيش

حيث يفوق عدد الزوايا المتواجدة بالجماهيرية العربية الليبية 738 زاوية، 400 زاوية وحدها تابعة للعيساويين، بخلاف الجزائر أين وجدت هذه الزوايا نفسها محاصرة من طرف الجماعات السلفية الوهابية التي استغلتها وضيقت المجال عليها، ولم تتمكن أي جهة في الدولة من التصدي لها خشية من الدخول في مواجهة جديدة مثلما حدث في العشرية السوداء، الأمر الذي استوجب إنشاء رابطة عربية صوفية لمناقشة الفكر الصوفي في العالم العربي والإسلامي  

التدخل في المباحثات الصوفية لا شك أنه يتطلب دراية كبيرة وتوسعا في فهم حقيقة الصوفية والصوفيين من جانب الأصل والمذهب ومريديهم والطقوس التي يمارسونها، ودورهم أيضا في تنوير المجتمع وهدايته إلى الصواب وطريق الحق، وهذا يعني وجود أناس ذوي اختصاص في الفكر الصوفي ولهم باع طويل في البحث العلمي الأكاديمي، حتى لا يتعرض أصحاب هذه المباحثات لمصاعب وأخطار وهم يخوضون في قضايا حساسة جدا يستقرأون أصولها وفروعها ويتبينوا ما يشتمل عليه العقل في إدراك الدين الحق..

فقضية الصوفية والتصوف يحتلان أهمية كبرى في الحياة الفكرية المعاصرة، كونها من القضايا الشائكة والمعقدة في التاريخ الثقافي والديني، ولطالما دار حول هذه المسألة جدال كبير وأسالت الكثير من الحبر، خاصة بعد ظهور الحركات الإسلامية والسلفية على الخصوص، فقد كان ينظر إلى المتصوف ذلك الإنسان "الزاهد" الذي طـَلـَّقَ الدنيا وتركها كلية وتعلق قلبه وعقله بالخالق وحده، مقتديا في ذلك بالرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال في حديثه "كن في الدنيا كأنكَ غريبٌ أو عابـِرَ سبيلٍ"، والداعي إلى تحرر النفس من الشهوات والملذات وتطهيرها غير آبه بما يحدث في العالم من تغير وتطور، ويجعل من التأمل الدائم في ملكوت الله مسلكه حتى يصل إلى حالة من الذهول، كل هذا بحثا عن الكمال، الذي يتمثل كما يقول أهل الاختصاص في التأمل الروحاني يوصل صاحبه إلى مستوى وجداني قد يجعله يتحد مع ربه بعدما يصفي باطنه من الرذائل ويحليها بأنواع الفضائل، ولو أن البعض ذهب إلى التفريق بين (التصوف والزهد) ونفوا وجود الزهد في الإسلام نفياً قاطعاً، واعتبروه بـِدْعَةً دخيلة على الدين.

ولأن الصوفية مشتقة من الصفاء فلعل أول فرقة نشأت هي فرقة "إخوان الصفاء" كمذهب فلسفي في حوالي القرن الرابع الهجري بعد ظهور الحركة الصوفية، وكما قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: إن عصرنا هذا عصر حضارة ذكية الفكر عارمة الهوى وليس يجدي في تقويمها إلا أصحاب بصائر نيّرة وقلوب عامرة لهم من رحابة ألإطلاع والأفق ما يسدد حُكـْمَهُمْ ويـُقـْنِعُ خُصُومَهُم " وقبل هذا أشار الشيخ محمد الغزالي إلى أصناف الناس وكان ما يُشْعِرُهُ بالضيق صنفان من الناس: (صنف حار العاطفة قليل الدراية، وصنف ظاهر الجحود لا يدري شيئا أو يدري الأمور على نحو بعيد من الحقيقة)، وربما هو نفس الشعور الذي انتاب بعض الذين حضروا "الملتقى الدولي حول الفكر الصوفي ودور الزوايا في التحرر الوطني " الذي نظم وللمرة الأولى بدار الثقافة محمد العيد آل خليفة لولاية قسنطينة..

الذي تابع الملتقى يقف من دون شك على حقيقة واحدة هو أن ملتقى الفكر الصوفي الدولي قد أُخْرِجَ من مُحْتواهُ ومن مضمونه الحقيقي فكانت نهايته "الفشل"، وذلك لأسباب عديدة أولها غياب المختصين في الفكر الصوفي من العلماء والأئمة وكبار الدعاة وأصحاب الدراسات ومنهم الدكتور مفتاح عبد الله بن مسعودة من الجماهيرية العربية الليبية والدكتور زعيم خنشلاوي من جامعة الجزائر الذين كانوا مدعوين إلى المشاركة وإلقاء محاضرة في الملتقى، باستثناء الدكتور محمود العقيل من سوريا، كذلك غياب شيوخ الزوايا وأهل الطريقة، فالذي نشطك الملتقى بعض المهتمين بالطرق الصوفية وإعلاميين، كما شهد الملتقى غياب كلي لشيوخ الزوايا، وعزوف الجمهور المتعطش للفكر الصوفي، لأسباب مجهولة

ما جاء في الملتقى الدولي حول الفكر الصوفي لم يكن ضمن إطار البحث العلمي وهذا ربما راجع لقلة الدراسات الإسلامية أو عدم الإطلاع عليها، فمعظم الكتابات التي نوقشت في هذا المجال (الفكر الصوفي والطرق الصوفية والزوايا) تعود إلى المستشرقين، وقام باحثون بترجمتها والتحقيق فيها، لاسيما والكتابات حول الطرق الصوفية ما زال يلفها الغموض لاختلاف الأفكار والميول والمذاهب، ووقع الباحثون في تضارب وتناقضٍ انقسموا إلى مُؤيد ومُعارضٍ، المتدخلون عدلوا عنوان مداخلاتهم وركزوا الحديث عن دور الزوايا في محاربة الاستعمار دون التطرق إلى لب الموضوع وهو الفكر الصوفي كفر له قواعده وأسسه وفلسفته، ماعدا الأستاذ محمد محمد الجرذم من ليبيا، إذا قلنا أن الفكر الصوفي مسالة تتعلق بالقضايا الروحانية والوجودية وعلاقتها بالباطنية والمذاهب الإسلامية الأخرى وأمور أخرى تتعلق بالحلول والارتقاء بالذات فوق الجسد والعثور على الذات الإلهية وهي طقوس تمارسها الطرق الصوفية ومنها العيساوة، تصل بها إلى درجة الهيجان أو ما يسمى بالوجدان الإلهي.

 

الفكر الصوفي منهجا ومسلكا لا يمكنه الخروج عن السنة

 

الدكتور محمود العقيل من سوريا باحث في الدراسات القرآنية والإسلامية وخبير في الأعشاب وصاحب دراسات معمقة في الطب الشرعي مطبوعة في 14 مؤلفا عرج في مداخلته إلى جملة من القضايا المتعلقة بالزوايا ودورها في التحرر الوطني والتي اتسمت وتمحورت حولها الصوفية في كل أبعادها الفكرية الثقافية والمنهجية، معتبرا أن الفكر الصوفي من حيث المنهج والمسلك لا يمكنه أبدا أن يخرج عن السنة المحمدية، باعتباره الجامع بين تركيبتي الجسد وبين المادة والروح، وهو جانب أغفل عنه الكثيرون، لقد عرف الدكتور محمود العقيل الصوفية بأنها انعتاق روحاني متجليا في الجماليات الكمالية مسترشدا في ذلك بكلام معروف الكرفي أحد علماء الصوفية في الشرق في شرحه معنى الإنعتاق الروحي بالقول: " من عرف أحدًا لم يعرف الله "، ويقول المحاضر أن الزوايا والطرق الصوفية من القضايا المعقدة والشائكة لدرجة أن الباحثين فيها انقسموا إلى مؤيد ومعارض، ليعرج بالحديث إلى تاريخ ظهور الصوفية وظروف نشأتها بعد سقوط دولة الموحدين، وكيف تطورت وامتدت إلى أن أصبح لها شان عظيم في الحياة الاجتماعية، إلى أن جاء الاستعمار الإسباني والفرنسي هبّت فيه الزوايا لمواجهة العدو، والتاريخ يشهد على الدور الذي قدمه المرابطون وأصحاب الزوايا، لقد كان للزوايا دورا سياسيا أكثر ما هو ديني، هكذا يقول الأستاذ محمد غديرة من تونس الذي أشار إلى أن الزوايا استطاعت أن تقوم بما لم تقم به الأحزاب السياسية والجمعيات من خلال تأثيرها الكبير على من التفوا حولها..

 

الخطاب السلفي "الوهابي" هو الذي أنتج العنف

 

ويقف إلى جانب الأستاذ محمد غديرة الإعلامي والباحث في الطرق الصوفية سعيد جاب الخير بأن الزوايا اعتمدت على الجانب التعليمي التربوي، الاجتماعي، الأمني وكذلك الجانب الروحي ويعني به التسليك أو التلقين أي تدريب المريدين لإيصالهم إلى مراتب معينة من التحرر والتوحد الروحاني، ويذكر جاب الخير وقوف الطريقة الدرقاوية في وجه الاستعمار في مصر عند احتلال نابليون مصر، وتصديها للسلطة المنحرفة والمستبدة على طول تاريخها، كاشفا ما قام به الاحتلال الفرنسي في الجزائر من خلال اختراعه بعض المقاديم وشيوخ لا صلة ولا علاقة لهم بالزوايا، وهذا لتشويه صورة الطرق الصوفية، ومحارب مصالي الحاج لبن غبريط وكيف تلقى هذا الرجل بذور الوعي الوطني الثوري في الزاوية الدرقاوية بتلمسان، وهي إشارة منه إلى أن مصالي الحاج ابن زاوية وأنه من أتباع العلويين، ونظرا لهذا الدور الذي قامت به الزوايا فقد حاول الاستعمار التضييق عليها ومصادرة أوقافها بل تهديم البعض منها، مما أدى إلى دخولها في عزلة تامة، ويمكن للملاحظ أو المتأمل أن يقف إلى جانب هذا الرأي بأن الزوايا حققت معجزات هائلة في كسر شوكة الاحتلال الفرنسي وبالخصوص في الجزائر، لكن هذا الرأي يجر إلى التساؤل : أين كانت الزوايا عندما كان الشعب الجزائري يغرق في دمائه، وأبناء الجزائر يتقاتلون فيما بينهم طيلة العشرية السوداء، دون اتخاذ أي موقف في تهدئتهم وغرس السكينة والمودة في قلوبهم؟ وبالتالي تعتبر الزوايا كذلك مسؤولة ولو بجزء صغير في عملية التقتيل؟..

يقول جاب الخير في رده على سؤال "المثقف" بأن التضييق على الزوايا بقي مستمرا إلى ما بعد الاستقلال وكان الخطاب السلفي الوهابي قد زاد في التضييق عليها وأن السلفيون الوهابيون هم الذين أنتجوا العنف، محذرا في ذلك من الاختراق السلفي وتبني فكره، وهو بهذا يبرئ الزوايا من تحملها مسؤولية العنف في الجزائر وصمتها عما حدث طيلة العشرية ويرفع عنها الملام وهي الظاهرة (الإرهاب) التي قصمت ظهر الدولة وبددت قواها بسبب الخصومات المذهبية التي لا طائل منها، ويمكننا القول أن الوقوف مع جانب دون آخر يخلق نوعا من "العصبية" القبلية التي كانت سببا في إسالة الدماء وهتك الأعراض وكرامة الأمة وحياتها كما يقول في ذلك الشيخ محمد الغزالي رحمه الله.

لقد أطلقت الجماعات السلفية العديد من الفتاوى وحرمت الكثير من ألأمور خاصة ما تعلق بالتسميات، وقد سبق وأن أصدرت هذه الجماعات في مدينة قسنطينة فتوى تحريم مناداة الأشخاص بكلمة "سيدي" وقامت بنزع كل لائحة معلقة بمدخل المساجد مكتوب عليها مسجد سيدي فلان، وقد أشار المتدخل في رده على سؤال "المثقف" إلى إبطال هذه الفتوى بحجة أن كلمة التـّسْيِيد واردة في السنة وهي كلمة غير مبتدعة طالما تتعلق بجانب التكريم وأن ظاهرة التسييد ظاهرة قديمة وهي من باب التكريم وليس التأليه، ضاربا بذلك مثالا عندما أمر الله الملائكة بالسجود إلى آدم، وإن كانت مسالة سجود الملائكة لآدم تحتاج إلى موضع خاص ومختصين في التفسير غير أن الآية قد يكون لها تفسير آخر لأن الله خلق الكون بما يحتويه من نبات وحيوان قبل خلقه سيدنا آدم عليه السلام، وهذا لما يتميز به البشر عن باقي المخلوقات وهي "العقل" ويبين الله أنه ميز البشر على جميع مخلوقاته لأنهم سيكونون خليفته في الأرض..، كما تجدر الإشارة كذلك أن الجماعات السلفية الوهابية عرفت انتشارا قويا في الجزائر وكانت المجال الأرحب لتوسعها وظهر ما يسمى بالإسلام السلفي من خلال إطلاق اللجة وتقصير السروال، ولبس "التشادور" بالنسبة للمرأة، وبدأت فتاوى التحريم والتحليل تسقط كالمطر في العديد من قضايا المجتمع الجزائري..

هل هي دعوة إلى العَـصَبـِيّة الصُّوفِيَّة؟

 

ما يمكن استنتاجه في الملتقى الدولي حول الفكر الصوفي أن المحاضرين في تدخلاتهم حاول كل منهم أن يدافع عن الطريقة التي يؤمن بها أو يتبعها، مثلما ذهب إليه الأستاذ سعيد جاب الخير الذي كما يبدو أنه ذو الانتماء العلاوي، حيث غاص المتحدث في الحديث عن العلاوية وراح بقوة وحماس يدافع عن الطريقة العلاوية والعلاويين وكيف ذاع صيتهم في كل بقاع العالم، ولم يقف عند هذا الحد بل طالب بطبع آثار الشيخ العلوي ومناقشة أفكاره نقاشا علميا أكاديميا، وربما المتحدث لا يعلم أن أصحاب هذه الطريقة متوفر لديهم كل إمكانيات الطبع والنشر من خلال امتلاكهم مطبعة خاصة بهم وحدهم في تلمسان تسمى "المطبعة العلاوية"، وقد سبق وأن نشر العلاويون كتب عديدة لشيوخهم نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ("رسالة الناصر معروف في الذب عن مجد النصوص" تأليف الحاج احمد بن مصطفى العلوي المستغانمي، الطبعة الثانية 1990، وكتاب بعنوان: " دراسات في الخطاب الصوفي عند أقطاب الطريقة العلاوية" للدكتور يحي بعيطيش الطبعة الأولى 2009، وهو إحدى منشورات جمعية الشيخ العلاوي للتربية والثقافة الصوفية، كذلك كتاب " الحلل المرضية على الرسالة العلاوية " للأستاذ محمد بن الصالح التمسماسي، كما نقف على " الدرة البهيّة " في أوراد وسند الطريقة العلاوية لجامعه الشيخ عد بن تونس صدرت طبعته الرابعة بالمطبعة العلاوية)..، وما يؤكد على هذا الانتماء هو تركيزه على الطريقة الدرقاوية، التي هي في الأصل الطريقة العلاوية وذلك بشهادة الشيخ عدة بن تونس عندما أكد أن الطريقة العلاوية كانت تعرف من قبل بالدرقاوية غربا والشاذلية شرقا.

من جهة أخرى أشار المحاضر إلى أن العلامة عبد العميد ابن باديس ابن زاوية وإن كان ذلك صحيحا كون الشيخ ابن باديس عندما بلغ سن الخامسة من عمره (1894) أرسله والده إلى احد الكتاتيب القرآنية وتعلم القرآن على يد الشيخ المداسي بإحدى زوايا القادرية بالمدينة العتيقة السويقة قسنطينة، لأن أسرة ابن باديس كانت من أتباع الطريقة القادرية، وكان معلمه الشيخ المداسي من أتباعها كذلك، وقد ذكر الدكتور عبد الكريم بوصفصاف أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة منتوري قسنطينة أن "التبعية" لإحدى الطرق الصوفية في الجزائر إبان العهد الاستعماري كانت ظاهرة شائعة بل "موضة" مرغوب فيها، ويشير بوصفصاف إلى الدراسات التي أجريت حول الحركة الوطنية الجزائرية والتي أثبتت أن ابن باديس ومن معه من المصلحين استطاعوا أن يكشفوا فئة انتهازية من المرابطين الذين استغلوا سذاجة العامة وجهلهم..

و لو أن الأستاذ جاب الخير وقف على هذه الحقيقة عندما أكد على عدم المزج بين الدولة المرابطية التي أسسها ابن تاشفين وبين المرابطين، عندما تكلم عن الحالة المرابطية، موضحا أن المرابطون هم من أشراف - آل البيت- وهم من أسّسوا الحالة المرابطية، وربما يقصد المحاضر بآل البيت - الشيعة - من خلال قوله أن أقدم ضريح هو ضريح الولي الصالح سيدي سليمان ابن عبد الله الكامل في تلمسان، وأن بينه وبين علي بن أبي طالب ثلاثة أجداد أي قريب الأصل منهم، أما مسالة " الأشراف" فقد ذكر الشريف كمال دحومان الحسني في دراسته المعمقة التي أجراها حول "أشراف الجزائر" أنهم قدموا من الغرب إلى بلاد القبائل لتعليم الناس في بداية القرن الخامس عشر، كحكام وقضاة ومنهم سيدي محمد الشريف وسماهم بـ: "المرابطين" نظرا للدور الذي قاموا به في تحرير منطقة القبائل من سيطرة العائلات الإقطاعية ..

و يفرق صاحب الكتاب بين الطرق الصوفية والمرابطين بالقول في الصفحة 61 منه: " وقد عايش رجال الطرق الصوفية في بداية أمرهم مع المرابطين مظهرين احترامهم لما اكتسبوه من نفوذ ثم أخذوا يحلون محلهم حتى أدمجوا فيهم كلية "، ثم اخلت كلمة "المرابط" كما يقول في الصفحة 67 وأصبحت تطلق حتى على الدراويش والشيوخ ورجال التصوف والمشعوذين والمرضى عقليا، وشيئا فشيئا ابتعد المرابطون عن العمل والعلم واتخذوا من التدجيل والخرافة سنّة لهم متبوعة بتحضير الوعدة والحضرة والرقص والشعوذة من أجل الحصول على المال واستغلال العامة، وهو ما نشاهده اليوم باتخاذ المرابطين مقرات سكناهم " قُرَّابَة " للزوار بدلا من "الزاوية" ونسمع البعض يقولون (لازم نزوروا قرابة سيدي الشيخ) ونذكر هنا تورط بعض المرابطين في بعض القضايا ومتابعتهم في العدالة بسبب انحرافهم (المرابط عاشوري بتلاغمة) بحيث لم تنفعهم دروشتهم أو صوفيتهم من الإفلات من قبضة القانون أو فك القيود عنهم، وربما ذلك ما قصده جاب الخير بقوله أن المرابطين عندنا في الجزائر هم المعروفون بـ: (الـمْرَابْطِينْ) (بسكون الميم) أي الدجالين والمشعوذين..

لابد من التفرقة بين المرابط والشيخ

كما يفرق صاحب الدراسة كذلك بين المرابط وشيخ الطريقة، الأول حسبه يكون في الغالب جدا حقيقيا للقبيلة أو بالولاء، (كما يلاحظ عن المرابط عاشوري فقد انتقلت بركة أبيه المرابط معمر إليه)، والشيخ لا تربطه علاقة بها، كما أن الرئاسة عند المرابطين تعود إلى ذريتهم من بعدهم بحكم انتقال التركة إليهم أبا عن جد بينما يتولى رئاسة الطريقة أصبح تلاميذ الشيخ، ويفرق بعض الباحثين في مجال الصوفية الفرق بين الشيخ والمرابط، من خلال أضرحتهم، الأول يكون ضريحه مغطى بقماش ملون باللون الأخضر وبجانبه الشموع والحنـّة وما إلى ذلك، في حين يبقى ضريح الشيخ كما هو دون غطاء، وهو الجانب الذي أهمله الأستاذ جاب الخير في تطرقه إلى الشيخ عبد الحميد ابن باديس وهو الجانب الأهم، كون الشيخ ابن باديس في نطاق الدين لعب دورا هاما في تطهير الإسلام من الشوائب التي علقت به من بعض رجال " الزاويا " المشعوذين الذين استفادوا من الاستعمار وخدموا فرنسا بإخلاص كبير وحافظوا على مصالحهم الخاصة،و هذا يعني أن الشيخ ابن باديس لم يتأثر بالمعتقدات الباطلة والخرافات التي كان يمارسها الطرقييون، وربما المحاضر تجاهل أن ابن باديس كان شديد التأثير بعقلانية جمال الدين الأفغاني ومنهجية محمد عبده..، لقد كان الشيخ عبد الحميد ابن باديس رائدا للنهضة والإصلاح في الجزائر بلا منازع رفقة الشيخ الإبراهيمي والعربي التبسي والشيخ أمبارك الميلي مقدما في ذلك قيم الإسلام وروح الحضارة لعلاج أمراض المجتمع الإسلامي، وكانت الحلول التي يقدمها بعيدة كل البعد عن البدع والخرافات والطرق الصوفية المنحرفة، كما قاوم الشيخ ابن باديس بعض الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالدين كتقديس الأولياء والتبرك بهم والتمسح بقبورهم بعد وفاتهم لدرجة أنه تعرض لمحاولة الاغتيال من طرف العلاويين أنفسهم.

وصل عدد الزوايا بها 738 زاوية

 

ربما انتشار الطرق الصوفية في العالم العربي والإسلامي لاسيما المنحرفة منها، قد يشكل خطرا على المجتمع كون تواجدهم قد فساد أخلاق المجتمع وإيمانهم ببعض الأمور الخرافية وربما تشكيكهم في الدين، فمن خلال المحاضرة التي ألقاها الدكتور محمد محمد المهدي الجذرم من الجماهيرية العربية الليبية، نقف على أن الطريقة العيساوية في ليبيا كان لها الحظ الأوفر لاسيما في فترة السبعينيات وخروج بعض الظواهر والكرامات على السالكين، وحسب المحاضر فقد ظهر عن طريقها سندان هما: سند لأبناء السباعي الإدريسي، وآخر لبي مسعود..

من خلال إحصائيات 90/1999 يقول الأستاذ محمد محمد المهدي الجذرم أن عدد الزوايا في الجماهيرية العربية الليبية تجاوز 738 زاوية، 400 منها كلها عيساوية، وتكاد كل مدينة بل قرية توجد فيها زاوية، وتلقى هذه الزوايا إقبالا كبيرا للزوار الذين يقبلون من أجل علاج "السموم" وتعلم اللغة العربية، وكان لها دور في محافظة الليبيين على اللباس التقليدي المحتشم، وربط اللحمة الاجتماعية، ومن أشهر شيوخ العيساوية في ليبيا يذكر المحاضر الشيخ مختار السباعي الذي تولى مشيخة العيسوية، علي المهدي عزاوي في الجنوب الليبي وهو شيخ طريقة كانت له جولات في تونس، الجزائر والمغرب في إطار إحياء المناسبات وذكر سيرته الرسول صلى الله عليه وسلم، أسلم على يديه عدد كبير من غير المسلمين، ونشير في هذا الشأن ما كتبته الأقلام الليبية حول التصوف مثل أبي عبد الله محمد بن علي الخروبي، ومنها شروح على الصلوات المشيشية، وحكم ابن عطاء الله، والأنس في شرح عيوب النفس، وحكم الخروبي نفسهوشرحها وتراجم شيوخه وغيرها ..

و نظرا لأهمية الموضوع وخطورته في الآن نفسه، دعا الدكتور محمد محمد المهدي الجرذم في مداخلته إلى ضرورة إخراج الصوفية من الخلوات إلى الجلوات، وتحولهم من صالحين إلى مُصْلحين، كما دعاهم إلى تواصل العلماء للطرق الصوفية والمشاركة الفعلية في دعم دور النشر الصوفي، وإنشاء مكتب علمي لرابطة علماء المسلمين وإنشاء كذلك رابطة عربية صوفية تتولى مناقشة الفكر الصوفي والطرق والصوفية والزوايا، وهي مبادرة سبقه في ذلك رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة من خلال زياراته المتكررة لعدد من أضرحة الأولياء والزوايا لإعطاء هذه المؤسسات القديمة دورها الذي كانت تلعبه، ويعيد لها مكانتها.

 

تغطية وتحقيق علجية عيش

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1511 الخميس 09/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم