صحيفة المثقف

حوار مفتوح مع الكاتب والأديب سلام كاظم فرج (1)

 

س1: المثقف:كيف يقدم الكاتب والأديب الاستاذ سلام كاظم فرج نفسه لقراء صحيفة المثقف؟

ج1: بدءا لابد من توجيه الشكر والامتنان للمثقف الغراء ولاخوة الروح والقلم زميلاتي وزملائي أدباء المثقف.. على دعم ملف النقد الأدبي ورفده بالكتابات النقدية والمداخلات القيمة خلال عام من الجهد المشترك.

لا أجيد الكتابة عن نفسي. كل ما استطيع قوله. أنني مواطن عراقي بسيط. وهذا في ملتي واعتقادي شرف لا يدانيه شرف. فتربة العراق.. تحمل ما يحمله المقدس ...

 ولدت في البصرة في محلة (بريهة) على ضفاف نهر العشار الذي كان جميلا ورومانسيا بكل معنى الكلمة. وأضحى اليوم أرضا بلقعا..  فأنا بصري عتيد رغم أن جذوري تنحدر (انحدر في لهجة الفلاحين صعد بقاربه الى المدينة) قليلا لتقف عند مشارف الفرات الأوسط..

 والدي رحمه الله كان من معلمي اللغة الانكليزية المرموقين في البصرة، وإجادته الانكليزية أتت من تتلمذه على يد الرحالة الشهير (جون فانيس) أول أميركي يدخل العراق ومدير مدرسة الرجاء العالية الأميركية.

 تخرجت في كلية العلوم السياسية وكنت اطمح  إلى دراسة الدكتوراه في القانون الدولي وكان  معدل درجاتي  يؤهلني  وظروفي المادية  أيضا ..لكن ظروف السياسة حالت دون ذلك. فلم أكن من أتباع نظام الحكم آنذاك. بل كنت محسوبا على اليسار (للأسف الشديد.. أبتسم)..

 نلت من الأذى ما يكفي لكتابة مجلدات. لكني أفضل نصيحة أمي رحمها الله (انس..). (انس فعل أمر مضارعه ينسى وماضيه نسي!!) ..  رغم أنني لا التزم بها دائما  فترى في بعض نصوصي صدى لتلك الأيام الموجعة..

 بدأت علاقتي بالنشر عام 1970حين حزت على الجائزة الأولى في النقد الأدبي عن بحثي الموسوم بـ (الشخصية الثورية في أدب نجيب محفوظ.) نشرت بعدها قصصا قصيرة في الصحف البصرية اذكر منها صحيفة الأيام الثقافية والتي صدرت على هامش مهرجان المربد الثاني..ونشرت نصوصا شعرية وسردية في جريدة الجمهورية البغدادية. والعجيب إني جازفت ونشرت قصيدة في رثاء صديقي الشاعر خليل المعاضيدي الذي غيبته السلطات. بالطبع لم اذكر اسمه.. حينذاك..

 لكنني أتذكر أبياتا من القصيدة  قلت فيها.

 لاتنبش الأسرار فذات الضفائر

 عبرت رصيف الاماني..

 أنا مابعت قرآني. أضاعني ياسادتي زماني.

 انا لاانكر........ أني قد شربت .

 في ليلة ظلماء........... بيد أني ما سكرت.

 أنا ما كسرت أقداحي..

 لكني انكسرت.

 شاهدا كنت.

 وبعد جريمة القتل.. صمت..

 وفيها إشارة الى ذات الضفائر (حركة اليسار) .. وإشارة  الى التخلي عن الفكر اضطرارا لا رغبة .. والقتل الذي يوجب الصمت .. فالكلام هنا يعني انتفاء الحياة. وأنا أحب الحياة. وإن كانت على قذى.. فالقادم ربما سيكون أجمل.

 وبالفعل. لقد. عشت حياة عريضة وتزوجت وأنجبت بنتين جميلتين وولدين وسيمين. ورحل الطاغية. وبقيت لأوثق بكتابة نقدية مهمة تراث صديقي الشاعر المعاضيدي والتي اعتمدتها مؤسسة البابطين في توثيق شعراء القرن العشرين العرب.. وكتبت عن تجربته الشعرية في مقالة نشرتها صحيفة الحضارة. تحت عنوان (حين يصدع الشعر بالنبوءة).. وفي مقالة نشرت على صفحات طريق الشعب وموقع اتحاد الأدباء والكتاب بعنوان. (بورتريت لخليل المعاضيدي في شبابه) وكتبت عن جانب من سيرة الروائي العراقي الكبير  محيي الدين زنكنة.. أستاذي ومعلمي الذي عشت قريبا منه وحظيت بصداقته لأكثر من خمسة أعوام وتعلمت منه التواضع والمثابرة وحب الناس. كل الناس.. وكتبت عن  تجربتي  مع اتحاد الطلبة العام  في السبعينات.. وكتبت قصة طويلة فيها بعضا من جوانب سيرة أسرتي نالت الجائزة الأولى في مسابقة جعفر الخليلي. للقصة عام 2009. وفي المجال الاجتماعي كان لي شرف المساهمة في تأسيس أول منتدى لأدباء ومثقفي المسيب برعاية الشهيد الأديب قاسم عبد الأمير عجام... وفي الجانب السياسي تشرفت بتشكيل اول لجنة للتنسيق بين الأحزاب الوطنية الديمقراطية والدينية. مع نخبة من السادة ممثلي تلك الأحزاب .. وكنت وما زلت ضيفا مرغوبا فيه عندما أزور أي حزب أو حركة سياسية..!!

 وقد رشحتني قواعد احد الأحزاب الوطنية لخوض الانتخابات النيابية الأخيرة فشكرتهم واعتذرت منطلقا من القول  المأثور رحم الله امرءا عرف قدر نفسه. فأنا اعرف (شعبيتي) لن تتجاوز في أفضل الأحوال  ما حصل عليه  أقل المرشحين حظا في الفوز!!! ولي أصدقاء كثر من الأدباء الشباب. والشيوخ..أيضا..

 وكتبت عشرات القصص القصيرة نشرت أغلبها في الصحف والمجلات المحلية كالتآخي وطريق الشعب والبينة والمستشار والشرارة.. والنصوص الشعرية  أيضا ونشرت في ذات الصحف.. ولي مع المواقع الالكترونية  الرصينة علاقات محبة أتاحت لي أن أكون صديقا لعشرات الأدباء والأديبات..

 وكنت ضيفا على منتديات كثيرة أقرأ عند منصاتها بعضا من كتاباتي.. واساهم في إدارة الحوارات النقدية مستمعا ومتداخلا..

 وكتبت.

 وكتبت..

 ألا يكفي هذا؟؟..

 

س2: يحيى السماوي: شاعر وكاتب عراقي / استراليا

أعرف أن في سؤالي بعض الحساسية ، لكنني أراه ضروريا ولابد أن تكون الإجابة عنه مشروع كتابة دراسة نقدية جادة ... سؤالي هو : متى تضع الحساسية جانبا فتكتب دراسة ضافية عن المنجز الإبداعي لسيدتي الأخت القاصة القديرة سنية ؟ إن مسألة كونها زوجتك يجب أن تكون حافزا لكتابة دراسة عنها لأن ذلك يعني أنك أكثر القراء معرفة بعالمها القصصي وبهمومها وانشغالاتها والينابيع التي كوّنت نهرها الثقافي والمعرفي ... إن أفضل مَن كتب عن أدونيس هي زوجته لأنها أكثر الناس التصاقا به ومعايشة له ، فليكن سلام دليل رحلتنا في عالم سنية طالما هو الأعرف منا بتضاريس عالما الذي هو بالضرورة عالمهما المشترك .

أجبني بدراسة موسعة ياسلام فتجاهلك لهذا الأمر يفضي إلى قول الشاعر طرفة:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

على المرء من وقع الحسام المهند

لقد ظلمها النقد قلا تكن من الظالمين .

ج2: الشاعر الأستاذ السماوي الكبير..

لك شكري الجزيل وأنت تشرف نافذتي بسؤالك المهم والذي يثير مسألة حيوية تطرح نفسها في الأدب والسياسة والاجتماع..

 لقد كتب كثيرون عن أحبتهم الأدباء.كتبت عبلة الرويني عن أمل دنقل. وابن همنغواي عن أبيه. وابن أزرا باوند. دون أن يسبب ذلك امتعاضا لأحد. بل كانت كتاباتهم وشهاداتهم ممتعة إلى حد كبير.. كل ذلك بعد أن رحل أولئك  عن الدنيا..

 اليوم وفي عراق الداخل.. (على وجه الخصوص) تستشري ظاهرة مقيتة جدا. وهي تقريب ذوي القربى في المناصب وعند منح الامتيازات.. وإذا كانت هذه الظاهرة تؤذيني في السياسة والاجتماع فأنها تؤذيني أكثر في مضمار الأدب والثقافة.

 والكاتبة سنية عبد عون تستحق كتاباتها الوقوف عندها طويلا.. وتبهرني بعض كتاباتها .. وفكرت أحيانا بالكتابة عن بعض نصوصها.. لكن التردد كان سيد الموقف..

 كتب الأخ الناقد كاظم الشويلي عن بعض قصصها . وكتبت الشاعرة القديرة رسمية محيبس مقالة نقدية عن إحدى قصصها..   لكنني ما زلت مترددا في  الكتابة .. وإكراما لقامتك السامقة ورأيك السديد أيها الشاعر الأستاذ.

 سأكتب إن شاء الله.. في الأيام القادمة مقالة نقدية.. عن أفضل قصصها التي أثارت اهتمامي عند نشرها قبل شهور..

  كلي امتنان للشاعر السماوي الكبير..

 

صالح الطائي: كاتب وباحث في الفكر الاسلامي / العراق

أخي الحبيب الأستاذ سلام كاظم فرج

كانت واحة (المثقف) الرحبة ميدانا لتعارف ثلة من الكتاب والمفكرين والأدباء والفنانين، فكونوا مجموعة مائزة من أسرة المثقفين العرب بكل هوياتهم ورؤاهم، ومع نمو (المثقف) وتطورها نمت وتطورت علاقاتهم فرقت وارتفعت إلى درجة الصداقة الحقة والحقيقية في زمن عز به الأصدقاء وضمرت فيه الطيبة وتربع الشك والتوجس على العلاقات العربية العامة. ومن هذا الدوح الغناء جاءت علاقتي الفريدة بك لتكون نقطة مضيئة في حياتي لا يمكن أن أغفلها مهما حييت.

خلال ثلاث سنين أو أقل قليلا كنت أتابعك ثقافيا فأراك تحبو ثم تمشي ثم تركض ثم تقود، وكنت أراك اتخذت لنفسك منهجا يعتمد الكشف التدريجي عن مكنون روحك وكأنك لا تريد مفاجئة الآخرين بما ينضوي عليه تفكيرك من رؤى يرقى بعضها إلى درجة الحكمة،

تابعتك تتداخل باقتضاب على مواضيعنا، ورغم حرصك وتكتمك كانت الحكمة تفلت من عقال عقلك في غفلة منك لتطبع صورتها على مضمون الموضوع فتكشف عن طيب معدنك وجوهر خلقك، ثم لما كشفت الغطاء وسمحت للشمس بالدخول إلى فناء روحك وجدتك شاعرا كاتبا ناقدا سياسيا مصلحا تجاهد لتقريب الآراء، كل ذلك بتواضع قل نظيره، فلله درك أيها الصديق الحبيب

لا أخفيك أني كنت أتمنى منذ زمن طويل أن يبادر ( المثقف) لفتح ملف تكريم لك وليس مجرد  حوار مفتوح، ولكن الظاهر أن للموقع شروطه الخاصة التي يعمل ويهتدي بها وفق سياسته المرسومة ولا اعتراض لنا على ذلك. يكفي أنهم ومن خلال فتح هذا الحوار سوف يسمحون لنا بالإطلاع على ما رفضت أن تطلعنا عليه من قبل، وهذه فضيلة تحسب لهم، موفق أخي الطيب وعمرا مديدا وعيشا رغيدا:

 

س3: صالح الطائي:من سلام كاظم فرج؟

ج3: الباحث الجليل الأستاذ صالح الطائي..

يغمرني فضلك  أستاذي الجليل صالح الطائي.

 لقد أجبت على هذا السؤال في ردي للأستاذ الجليل ماجد الغرباوي عند اقتراحه تنظيم حوار مفتوح.. وقلت أني قد أجيد الخوض في أحاديث السياسة والاجتماع والتأريخ والأدب والأديان. لكني لا أجيد أبدا الحديث عن نفسي.

 باختصار استطيع أن أقول أن ضمير سلام كاظم فرج ووجدانه هو مزيج من  الرؤى المتقاطعة أحيانا إلى حد القطيعة. والمتناغمة أحيانا إلى حد  قد تؤلف سلما موسيقيا.

 في داخلي على مستوى القيم مثلا  أفكار علي وأبي ذر.. تجاورها أطروحات كل الاشتراكيين الطوباويين والواقعيين الغربيين.. في داخلي نزوع إلى الدين..يجاوره نزوع إلى الحرية بما تعنيه الحرية من قيم الغرب والشرق معا..

 

س4: صالح الطائي:كنت بداية تكتب اسمك (فرج، سلام كاظم) ثم غيرته، لماذا وما سبب ذلك؟

ج4: كنت حديث عهد في الكتابة في المواقع الالكترونية..وكنت أظن أن من الأفضل أن أقدم   اسم جدي على اسمي عملا بما يفعله مفهرسو المكتبات.. في  السبعينات و الثمانينات كنت انشر باسم سلام كاظم آل ياسر في الصحف الورقية..

 

س5: صالح الطائي:ما الموانع التي منعتك من الكتابة لأكثر من سنة والاكتفاء بالقصائد الشعرية؟

ج5: ما زلت أتذكر انك أول من  حث قلمي على الخوض في شؤون السياسة والفكر. رغم إعجابك بما كنت اكتب من نصوص سردية وشعرية..

 في الشعر والقصة استطيع أن اهرب من كل إشكالات السياسة وإشكالات الطائفية التي أضحت قاتلة بكل معنى الكلمة.. وخانقة..

 في الشعر. أتنفس. لكن في السياسة والاجتماع اختنق.

 هذا كل ما في الأمر..

 لكن دعوتك الكريمة لي . حفزت بعض مواطن القوة والأمل في إمكانية تقديم شيء نافع للإنسانية بعد أن عز الرجاء..

 استشهد دائما بعجز بيت للشاعر .  الحطيئة.. رغم انه جاء من باب الهجاء. ولكني أسقطه على نفسي دائما بعد أكثر من عشرين عاما من صمت الاضطرار (جاء يحدو آخر الناس..) واستعير دائما بيت شعر للبياتي(وقطاراتنا أبدا تفوت..)

 هو إحساس شخصي أن كل القطارات قد فاتت. ولم يبق سوى هذا الإحساس الجميل (أني صديق لرجل نبيل هو  الباحث الإسلامي الجليل صالح الطائي)..

 

س6: صالح الطائي:حينما أستمع إلى آرائك أراها خليطا من الدين / السياسة / الثقافة العامة / الفكر اليساري، فهل أن هذا التوفيق بين المتناقضات من نتاج تعريف: المثقف، أم لأنك تؤمن بكل هذه الحزمة دفعة واحدة؟ وكيف استطعت التوفيق بين إيمانك اليساري واليميني (السياسي والديني)

ج6: لقد شخصت سيدي فأجدت التشخيص..ووضعت يدك على مكونات تفكيري..صفة (مثقف) واسعة بما يكفي لكي تشمل الجميع..وضيقة بما يكفي لكي يتواضع المرء فلا يجرؤ على الادعاء بحيازتها..

 لكن الأكيد أن المثقف الحقيقي هو من يرنو لغد أفضل له ولبلده وللبشرية جمعاء..تبدأ من البحث عن رغيف خبز نظيف للجميع ولا تنتهي بالبحث عن قطعة موسيقية يؤلفها فنان عبقري بقامة بيتهوفن مثلا. ثمة مفكر ايطالي اسمه انطونيو غرامشي يتوسع في مفهوم مفردة مثقف لتشمل الجميع وإذا أسقطنا نظريته على مجتمعنا نجدها تشمل العامل الفني الكهربائي مثلا. أو صانع الخبز. آو مشغل المولدة الكهربائية.. وصولا إلى الأستاذ الجامعي. ومن ضمن هؤلاء تجد مؤذن الجامع. وقاريء القرآن. وخطيب الجمعة. الشاعر. والمغني..الكتاب. من كاتب العرائض.. إلى كاتب بمستوى علي الوردي رحمه الله.. كل هؤلاء يمكن أن ندخلهم في خانة المثقفين..

 وكل هؤلاء في حالة صيرورة (بعضهم يكتبها سيرورة).. وحراك متطور تعكسه التطورات المجتمعية الناتجة عن التطورات على مستوى الإنتاج الاقتصادي وعلى مستوى الاتصالات التي نشهد ثورتها الكبرى الآن..

 والمثقف وفق غرامشي نوعان. المثقف العضوي الذي يبذل جهده ليصل أحيانا حد التضحية بصحته وراحته ومستقبله الشخصي (كأن يسجن بسبب مواقفه ومبدئيته)..  في سبيل الارتقاء بمجتمعه صوب قيم العدالة الاجتماعية وتأسيس ذائقة إنسانية متقدمة تنشد الرفاه للجميع وتؤسس للتقدم الاجتماعي على مستوى الصحة والعلم والذوق العام. ونشر قيم الحرية والإخاء وقبول الآخر المختلف واحترام وجهة نظره مهما كان الاختلاف. ألا يذكرك ذلك أستاذي العزيز بقول علي بن أبي طالب عليه السلام(أحب لغيرك ما تحب لنفسك. واكره له ما تكره لها..). اين نحن من علي اليوم؟؟ آو من غرامشي؟؟.

 والنوع الثاني المثقف القمعي المتخلف الذي يوظف ثقافته لتكبيل المجتمع برؤى متخلفة قمعية طاردة للآخر.. متعصبة. قميئة.. متقوقعة على نفسها. نستطيع أن نعتبر كل منظري الفاشية والتعصب بكل أنواعه بما فيهم بعض ممن يسمون بماركسيين وهم ليسوا بماركسيين. نستطيع أن نصنفهم أيضا في خانة المثقف اللاعضوي. ويشمل ذلك كل مثقف يدعو للكراهية والتعصب الاجوف لطائفة أو قومية آو عنصر.

 مسألة الإيمان الديني وفق رؤيتي مسألة شخصية بحتة بعد هذه التطورات الهائلة على مستوى التقارب بين الشعوب وتلاقح الثقافات بحيث لم يعد هنالك متسع لنبذ الملحد المختلف وبالعكس..

 في أيام الرسول (ص). كان طموح المثقفين (المسلمين الأوائل). نشر ثقافة التوحيد بين كل الناس وفق قيم محددة وبسيطة.(الإيمان بالله واليوم الآخر وبالحساب. الصدق. الشرف. المروءة..الجهاد في سبيل الدين القيم.) هذه القيم لايمكن أن يرفضها إلا جاحد..وقد أنجبت نخبة فذة من الرجالات والنساء يستحقون أن يكونوا أمثلة للفكر النير على مدى العصور.. أذكر فقط شخصيتين. (زينب بنت علي (ع) )حين وقفت بمواجهة طاغية عصره..وأبا ذر الغفاري. حين رفض كل مغريات السلطة مقابل الالتزام بقضية الكادحين والمهمشين ملتزما بوصايا  أستاذه علي..

 طبعا. أن المثقف المعاصر لايمكن أن يظل يدور في فلك تلك الأيام المجيدة.. فالأيام تطرح معطيات ماكانت لتمر بخاطر المسلمين في العصر العباسي(حيث كانت بغداد والأندلس قطب الثقافة العالمية)..

 والصراع في حقيقته اليوم ليس بين المؤمنين والملحدين. أو بين الرؤية المختلفة لاجتماع السقيفة.. أو بين تنظيرات ابن تيمية وأطروحات ألمجلسي.. فهنالك أكثر من ثلاث مليارات إنسان لايعرفون شيئا عن كل ذلك.ورسالتنا ليست إيصال تلك التقاطعات... ومهمتنا أن نعرف كيف نتفاعل مع الجميع دون أن نفقد هويتنا. ولكي تتفاعل مع الجميع لابد أن تحترم الجميع. لكي يحترموك ويستمعوا إليك.. هذه أمور شائكة. ..

 لي صديق ملحد احترمه جدا ( !!). لماذا؟؟ لأنه يجيد الاستماع.. ويتفاعل. ويحترم الرأي الرصين. أخبرته في حوار خاص.. أنني اعتبر الملحد الصرف لايقل جهلا وسطحية عن المؤمن الجاهل الساذج الذي قال عنه علي عليه السلام (قصم ظهري اثنان. مؤمن جاهل.. وعالم فاسق..). فمسألة البحث عن سر الوجود ينبغي أن تظل مفتوحة ومحترمة. وإذا كانت محسومة عند فلان. فليس بالضرورة أن تكون محسومة عند شقيقه الآخر في الإنسانية.. وينبغي أن تنحصر على مستوى الفكر لا أن تنزل إلى مستوى التصفيات الجسدية والاجتثاثات الجماعية من سبي وبهذلة.. وقمع الهويات المختلفة.. أقول قولي هذا وفي  الرأس صور دامية لجثث فتية من المسلمين قتلوا على يد فتية من المسلمين اختلفوا على مسألة فقهية أو تاريخية..

كل هذا يدعونا إلى نشر ثقافة التسامح بكل أطرها المتاحة بما فيها قبول غير المؤمنين.

هذه نظرة قد تبدو طوباوية. لكنها تشكل جوهر فكر صديقك سلام لذلك تراه تدمع عيناه حين يستعيد خطبة زينب عليها السلام. وتدمع عيناه أيضا حين يشاهد فلما أوربيا. مرتفعات وذرنج مثلا. أو بؤساء هيجو.. أو..حين يقرأ رواية الوضع البشري لأندريه مالرو الماركسي الذي كسبه ديغول..

 كل أولئك أساتذتي فماذا افعل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

 

س7: صالح الطائي:أراك في الآونة الأخيرة اتجهت إلى النقد الأدبي واتخذته تخصصا، فهل أن ذاك جاء من كونك المشرف على قسم النقد في (المثقف) أم لانك تجد نفسك في هذا النوع من الأدب؟

ج7:  كما أخبرتك أستاذي العزيز.. إنني اعتبر نفسي ألعب في الوقت الضائع. .. وماعدت أطيق الالتزام بفن كتابي محدد. أحيانا أجد نفسي في باب التعليقات. وأجد متعة في مشاكسة بعض ممن أحبهم فاصطنع الخلاف وأستبسل في الدفاع عن وجهة النظر المضادة وهدفي نشر ثقافة الاختلاف والتسامح. دون التفكير بخلود هذا الأثر الكتابي. فمتعتي أن أتحاور.

 وحين كلفني الأستاذ الجليل بإدارة ملف النقد وجدتها مهمة نبيلة تستحق العناء فانصرفت لها.. علما أنني كنت اكتب مقالات انطباعية عن مجاميع شعرية وقصصية وانشرها في الصحف والمجلات المحلية. ولي كتابات في النقد التلفزيوني منشورة في الصحف المحلية. ..

 

س8: صالح الطائي:ما تقييمك للمواضيع التي تنشر في المثقف؟

هل تؤيد تخصص (المثقف) بجانب واحد كأن يكون الجانب الأدبي أم تؤيد انفتاحه على كافة المواضيع؟

 ج8:  تقييمي للمواضيع التي تنشر في المثقف يعكسه التصاقي بالمثقف. فلولا احترامي لرصانة المواضيع المنشورة لما وجدتني قابعا أمام حاسوبي لعامين متتالين من اجل عيني المثقف وكتابها.

 بالطبع أن التنوع هو الهدف الأسمى..  المثقف كما أريد لها. وهي كذلك ..تشبه الحديقة الغناء التي تجمع كل أنواع ورود الله المتاحة ..

 

س9: صالح الطائي:هل تعتقد بجدوى ملفات التكريم التي ينظمها المثقف، ولماذا؟

ج9:  نعم..  الاحتفاء بالكبار ضرورة اجتماعية  تعكس تحضر المجتمع..  أطمح أن تحتفي الدوائر الثقافية في بلدي بكل رموز الأدب والثقافة والعلم.. وتعرف بجهودهم للجيل الحالي.. لا من اجل رضى أولئك الكبار فأغلبهم وقد بلغ من العمر ما يكفي لكي يردد قول الشاعر( لا أبالك يسأم..). لكن من اجل أن يفهم الجميع أن الدول المتحضرة لا تنسى مبدعيها..

 

س10: صالح الطائي:من طريقتك بالكتابة عرفت أن بعض المواضيع التي نشرت في (المثقف) بأسماء وهمية تعود لك، وأسأل:

1-   ما معنى ذلك؟

2-   هل تخشى أن تصرح ببعض الآراء، ولماذا؟

3-   ما رأيك بالكتابة بأسماء مستعارة، وهل تشجع على ذلك؟

4-   من جانبي نشرت في (المثقف) أكثر من أربع مواضيع باسم مستعار، هل اكتشفت أنها تعود لي؟

 ج10:  نعم أنا  انشر  أحيانا في المثقف وبعض المواقع بأسماء مستعارة تجنبا لاستفزاز بعض الجهلة (آسف على هذا التعبير). فكما تعرف سيدي..   لكي تكتب باعلى درجات الحرية ينبغي إن تتخلى عن أية مخاوف محتملة وهذا غير متاح في مجتمع تختلط فيه الأوراق وتكال الاتهامات يمينا ويسارا وأشدها بؤسا اتهامات العمالة !!. الاسم المستعار يمنحك حرية في التعبير. لكنه قد يؤذي محاورك الآخر..لأنك  ستكون محميا وهو مكشوف..

مرت بخاطري بعض الكتابات وقلت لعلها لصاحبي الطائي ولكني لا استطيع التأكد تماما فربما اختيارك للأسماء كان مموها بما فيه الكفاية..

 

س11: صالح الطائي:حرق المكتبة الخاصة حالة تعرضت لها أنت وتعرضت لها أنا ويشاركنا في هذا الهم مجموعة كبيرة من العراقيين، هل ترى أن زمن حرق المكتبات الخاصة ممكن أن يعود؟

 ج11:  حرق المكتبات الخاصة يذكرني بقول  ضرار وقد سألوه عن قتل علي..

 والله يا صديقي العزيز.. كل شيء جائز.. فما أراه في الأفق.. لايبشر بخير فالفرقة والتناحر والتكسب بالشعارات  تغلب على  لغة التصافي والنزاهة والموضوعية.... كل ذلك يدعو للخوف.

 لكن أملنا بحكماء الأمة.. هل يستطيعون أن يتفوقوا على لصوص الأمة.

 ؟؟ ذلك أمر بظهر الغيب ياسيدي..

 

س12: صالح الطائي:سؤال أخير، أراه يقض مضجعي ويحيرني ويقلقني وأريد أن اسمع آراء الآخرين فيه ولاسيما من هم بوزنك وحكمتك ورجاحة عقلك

إلى أين ترى سفينة العراق سائرة، وهل سترسو في ميناء آمن، أم أن الرياح ستمزق أشرعتها؟

ج12:  ليس المسئول بأعلم من السائل. (ابتسم).

 هناك فرق بين حديث الأماني وحديث الواقع الصلب.. بعض الإخوة الزملاء الذي اعتز بصداقته.. يتهمني باني سيد المحبطين والمؤسسين لثقافة الإحباط..  اليوم مثلا كتب مقالة عني في الموقع دون أن يسميني يحيل فيها كل عذابات غزة والعراق لي ولأمثالي دون أن يسميني..

 قلت له ذات يوم ياسيدي انك لاتستطيع أن تجبر مذيع النشرة الجوية أن يقول أن رياحا عاصفة ستأتي. وما بين يديه من معطيات يؤكد سكون الأنواء.. وبالعكس.. هاهي العواصف قد جاءت. ولكن بعد حين....... فهل يستحق المذيع الرجم؟؟

 العراق مفتوح على احتمالات شتى.. لكن سفينة البعث غرقت وانتهت ولن تعود.. مخاوفي تكمن في هذا الجشع الرهيب والمتاجرة بالشعار.. لابد من دعم ثقافة الخدمات لا ثقافة الحروب.. لقد شبعنا من الحروب وارتوينا من دمنا بما يكفي.. علينا أن نتعلم كيف نخلق الأصدقاء.. لا الأعداء. علينا أن نؤسس لثقافة الدبلوماسية وفهم الآخر. وزرع المحبة.

 رغم كل ما قلت أستاذي الجليل انأ متفائل بما يكفي لكي اخرج في الشارع لأقول أعطونا خدمات نعطيكم شعبا مثقفا محبا مسالما ياحكومات..

 

ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاوَر عن طريق اميل المثقف

[email protected]

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1774 الثلاثاء 31 /05  /2011)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم