صحيفة المثقف

عن بعض مظاهر ازمة المشروع الفكري العربي المعاصر

عند الامة العربية وازمة تخلف وتبعية وازمة علاقة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وتسيطر السلفية على العقل العربي الاسلامي، وثمة مخططات فكرية غربية تستهدف مسخ وتشويه العقل العربي المتنور .كذلك فان مجتمعاتنا في الحضيض والانسان العربي مسجون في وطنه، مطعون في كرامته، محروم من كلمته، والانظمة العربية تمارس عداءها وقمعها لكل نبض حقيقي في الثقافة العربية وتوظف الدين لاضفاء المشروعية على طغيانها واستبدادها، كما يعلو صخب موجات الارهاب الاجرامي ويرتفع دوي القنابل وطلقات الرصاص التي وجهت الى الكتاب والمفكرين والمثقفين العلمانيين المتنورين، ولكنها في الواقع وجهت الى صدر الوطن متعمدة تخريب وتدمير ثقافته وزعزعة امنه واستقراره .هذا اضافة الى الفساد السياسي المتفاقم وغياب الدمقراطية والحرية، ناهيك عن التراجع الثقافي الحاصل والناتج عن الاوضاع السياسية والاجتماعية والتخلف العلمي الذي يسود اوطان العرب وسوء استخدام وسائل الاعلام الجماهيري لانها مسيسة بالدرجة الاولى .

 

ومع ارتفاع اصداء تيارات الاسلام السياسي، بعد اخفاق المشروعين الليبرالي والقومي، اتخذت الايدولوجيا الدينية في خطاب بعض حامليها مشروعية تنظير، وبعض محاولات التنظير تاتي من قبل عدد من المثقفين المتراجعين، امثال الكاتب والمفكر المصري عادل حسين (طارق البشري ) الذي كان محسوبا على التيار الماركسي العلماني التقدمي في السنوات االاؤلى من السبعينات، قبل ان يتحول الى المرجعية الاسلامية .

 

وفي واقع الامر ان صعود التيار الاصولي المتزمت الذي يهيمن على الشارع العربي الاسلامي حاليا ما هو الى احدى نتائج الهزيمة التي مني بها الفكر الفلسفي قبل 850 سنة بتكفير الفلسفة وائمتها، ومشكلة المسلمين منذ عهد ابن رشد وحتى يومنا هذا هي : كيف يمكن التوفيق بين الايمان الديني وبين التفكير المنطقي والعقلاني، وكيف يمكن للمرء ان يكون عقلانيا ومؤمنا دينيا في ان، أي منفتحا على كل مناهج العصر ومستجداته.

 

ومن الظواهر الفكرية التي تنتمي الى ازمة المفاجات، هي ظاهرة تراجع بعض المثقفين عبر مواقعهم الفكرية الموسومة ب"العقلانية"، ليبرالية كانت ام تقدمية ودخولهم في مساحة الفكر الديني السلفي وما تلا ذلك من نقد ذاتي ومراجعة للمواقع الفكرية القديمة تحت العودة الى التراث. ولعل الانطباع الاساسي الذي يثير ظاهرة التراجع هو ان العقل المتراجع لم يكن محصنا ضد الانعطاف والنكوص وذلك لاسباب سياسية وايدولوجية ومعرفية .وللاسف ان حاملي الفكر الماركسي لم يسعوا الى استلهام عناصره المنهجية النقدية .

 

ومن الواضح للعيان ان  الفكر العربي المعاصر لم يستطع ان يقوم بتجنيد الجماهير وحشدها حتى تدخل طرفا في معارك النهضة والتقدم، باستثناء الثورات الوطنية ضد المستعمر الاجنبي والهبات الشعبية من اجل الخبز.

 

ان الاسئلة الانجع هي التي تخترق الممنوعات، والتحرر الفكري يحتاج الى تحرر سياسي واقتصادي، ولذلك لا مفر للامة العربية من ان تنتظم في اطر سياسية فكرية تقدمية من اجل ان تنال حريتها الفكرية والوصول الى مفهوم فكري موحد يحدد شخصيتنا ويجعلنا نصمد امام المخططات الفكرية الرامية للسيطرة على العقل العربي .وقد ان الاوان ان نعيد النظر بجدية في الكثير من رموزنا الثقافية المهيمنين على الساحة العربية، اصحاب الدعوات الفكرية، والقبول بالتعددية وضرورة اعتراف التيارات الفكرية والسياسية ببعضها البعض، وفق ما تقتضيه الاصول الديمقراطية الحقيقية، والتواصل بين الطرح القومي والماركسي والليبرالي وحتى الديني، بمضامينه التراثية دون الوقوع في السلفية، والعمل على تجديد الفكر الديمقراطي الحر والالتزام بمشروع تغييري على اسس عقلانية ودمقراطية .

 

(مصمص)(كاتب وناقد فلسطيني)

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1192 الجمعة 09/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم