صحيفة المثقف

ماذا يعني تكريم فرج ياسين؟ / محمد صابر عبيد

فيها مواطنون درجة أولى يمثلونها في سفاراتها عند الممالك الأخرى، وفيها مواطنون من درجات أخرى لكن سعداء، المواطن القصصي مهما كانت درجته فهو يتمتّع بحق الإقامة ولديه سكن مريح وجواز سفر دبلوماسي ومزرعة وامتيازات نوعية لا يتمتع بها مواطنون درجة أولى في عالم الواقع للأسف، فما بالكم إذن بمواطن درجة أولى مثل فرج ياسين، لن أحدثّكم طبعاً عن امتيازاته حتى لا يختلط الأمر لديكم بينها وبين امتيازات الجنة، وأخاف على صديقي فرج من الحسد والغيرة وقلة الضمير والخيانة وعدم الوفاء التي تكثر هذه الأيام .

 طبعاً لست مضطراً أن أقدّم كشفاً بالمبررات والمسوغات والبراهين التي تؤكد هذا الاستحقاق لفرج ياسين، فشهادتي هنا تنهض على مساحة عشرين سنة دائمة الخضرة من الفهم والحب والصداقة التي هي أرقى فنون الاختيار، ولا أسمح لأحد حتى لو كان رئيس حكومة القصة أن يطالبني باعترافات تشرح علاقتي الفاتنة بفرج ياسين، لأنني ببساطة شديدة سأتلكأ وأتعثّر وأرسب حتى في الإملاء، ولعل عذري في ذلك أنني حين أحب بصدق أعود فوراً إلى طفولتي الخجولة التي لا أجيد فيها سوى احتساء الحليب الأبيض الصافي بصمت مجيد .

 وقبل كلّ ذلك فإن فرج ياسين مواطن درجة أولى في مملكة الإنسان، أصغر مملكة في العالم للأسف من حيث عدد السكان وأكبرها مساحة وربيعا ومحبة ومعرفة وصدقاً وإخلاصاً وإبداعاً، وقد اصطحبني في المملكتين وأطلعني بعفوية مقصودة على معنى أن يكون المرء إنساناً وقاصاً، وأعترف أنني تعلمت من ذلك الكثير، وهبني دروساً مجانية علمتني كيف أحب وكيف أكتب وكيف أغامر، لذا فإن لفرج ياسين حصّة في كل وردة زرعتها في الغبار، وكل نجمة دسستها في صدر السماء خفية فتسيدت بعد ذلك قافلة من النجوم، وكل عصفور ملوّن خرج من شفتيّ رغماً عني، وكل لحظة ثرية تكتنز بالعشق والوله والذكريات العجيبة ما زالت تسرح وتمرح في الفضاء الخفيّ في مكتبة كلية التربية للبنات .

 شكراً لكلّ الأيادي البيض التي تتلألأ في خناصرها وبناصرها نور البهجة وفرح الحب حين تلمّست اسمك فوجدت أن هذا التكريم يستحق بسالته، بسالة الاسم (العنوان والعلامة والتاريخ والرؤية والفضاء والكلمة)، ويرتفع بسيميائه إلى السماء السابعة حيث ترقد القصة القصيرة هناك آمنة مطمئنة تفتح ذراعيها لك لتطمئنك بأن اسمك هذا مقيّد في سجلات المبشرين بالإبداع، وبأنك لن تخضع لعذاب النقّاد اللعين المروّع، وسيمرّ طيفك السردي من أمام منصّة التحية خجولاً كوجهك الساحر، لكن حضوره الخلاّب سيمطر رطباً يكاد يتفجّر لفرط حلاوته، ولا يصلح طبعاً إلا للشفاه الكمثرية التي أجادت فن الحب ونجحت في كل امتحاناتها العصيبة، وما أقلها .

 شكرا لك إذ جعلتنا نكرّم أنفسنا وتاريخنا وجغرافيتنا وتجاربنا فيك، فها نحن نحسن الكلام في حضرتك حيث ننساه في مكان آخر، وها نحن نرفع قبعاتنا إجلالاً لكرمك حيث نفتقد هذه القبعات الهدهدية المزركشة في مكان آخر، وها نحن أخيراً نقبّل جبينك حيث لا نجد ما نقبّله في مكان آخر .

 

خاص بالمثقف

.................................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (عدد خاص لمناسبة تكريم القاص المبدع فرج ياسين اعتبارا من 14 / 4 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم