صحيفة المثقف

مبارك يرتدي بدلة السجن الزرقاء / وديع شامخ

بناءً على لائحة الإتهام الموجهة إليه لمسؤوليته المباشرة في إراقة دماء المصريين أبان أحداث " ثورة الميدان"، والتي تمخضت عن تنحي مبارك عن السلطة . وبين مصدق ومكذب، وبين مؤيد و معارض ..
أثبت القضاء المصري كلمته أزاء هذا الفرعون الأخير .. وبطريقة حضارية، رحل الرئيس السابق الى مقره في سجن " طره المركزي" بإلزام قانوني لترك مقره السياحي السابق في أحد المصحات الطبية والتي تقارب في رفاهيتها، أجمل المنتجعات السياحية .
فقرار القضاء المصري له نتائج ملموسة على ارض الواقع، فبعد نقل مبارك الى سجن حقيقي، مارست الجهة التنفيذية صلاحيتها في إجبار مبارك على إرتداء زي السجن الرسمي، وهو عبارة عن بدلة زرقاء وإعطائه رقما خاصا كسجين دائم .. بعدما كان مبارك يتميز عن جميع المتهمين في قفص العدالة بلباسه المدني .. ولو بحثنا للقضاء المصري عن عذر في تمييز حسني مبارك عن الآخرين، هو أنه متهم فقط، والمتهم برىء حتى تثبت إدانته، وهذا محض دلال لمبارك يُحسب ضد القضاء.. ولكن صدور الحكم المناسب بحق الرجل الفرعوني الاخير قد أزاح كل لغط عن دلال الريس، فهو الآن يرتدي بدلة السجناء وينفذ عقوبة السجن المؤبد .. وهذا بحد ذاته انتصار لارادة الشعب المصري، وشجاعة القضاء في الابتعاد عن التأثيرات الداخلية والخارجية .. العاطفية أو غيرها .
ومع وجود مبارك في السجن الجديد " او في مستشفى السجن الجديد تحديدا " والذي أعد بشكل مناسب لاستقبال شخصية كانت مهمة " مثل مبارك" فان الشعب المصري أثبت انه شعب لا يريد التشفي وقتل مبارك أو التمثيل بجثته .. كما فعلت شعوب أخرى .. رغم التظاهرات التي عمت ساحة الميدان والتي تطالب بإنزال اقسى العقوبات عن مرتكبي الجريمة بحق الثوار في ساحة الميدان .
ربما سيكون للمصرين الحق في تسويق فرعونهم السابق بطريقة لا تخلو من صناعة النجم المصري، حتى ولو كان برتبة مجرم ..
ولكن الأكيد أن مبارك الذي صحا متأخرا من لعنة الفراعنة قد واجه القضاء المصري دون رد فعل ابدا .
وكعادة الرجل في تقبل الصدمات فقد أجهش مبارك بنوبة بكاء وهو يردد " حسبي الله حسبي الله .. لقد خدمت هذا البلد كثيرا" ولكن خدمة البلد لا تعفي مبارك أوغيره من الإمتثال الى القانون عند قيامهم بجرم ُمثبت .

................................

من سير محاكمات الرئيس مبارك سنجد أن المحكمة لا تحمل صفة " محاكمة القرن الواحد العشرين" كما وصفت إعلاميا .. وهي محض فقاعات مصرية ..لاننا لم نشهد غير رجل
ممدّد على السرير لم ينطق بكلمة واحدة سوى تأكيد وجوده في المرافعة أو نفيه للتهم ..
رجل مصر وآخر فراعنتها، لم يتفوه بكلمة ابدا، وهو الذي كان ملء العين والسمع .. هو شاغل الدنيا واللاعب رقم واحد في قضية الشرق الأوسط من فلسطين الى شط العرب .. الرئيس مبارك الذي أسقط عتاة القادة العرب بقمم عربية ليس آخرها قمة القاهرة، وكان عرّاب خلاص الكويت من إحتلال صدام حسين ..
مبارك الذي لم يناقش ولم يعترض ابدا على سير المحكمة، وهو ايضا رضخ لقبول الحكم بوجه صارم وعينين تتخفيان خلف نظارات سوداء .. كأن يراد له ان يكون مومياء حقا .
مبارك المستلقي الآن في مستشفى السجن، والصامت الأبدي والذي يرتدي البدلة الزقاء، يذكرني تماما بقضية مهمة .. وهو ان الرئيس كاسترو قد علّق على إرتدائه الزي الزيتوني العسكري دون سواه .. بالقول : الزي العسكري يضمن لي الكثير من الوقت والذي أصرفه للبحث عن ربطة العنق وتناسق الالوان ..
ذهب كاسترو من السلطة بطريقة توافقية وتحرر من اللباس الاوحد .. وهو يمارس الكتابة الحرة بشهية ممتازة .
ولكن مبارك  على إرتداء زي السجن الأزرق بعد أن كان يلبس ويخلع ما يطيب له ويشتهي ..
سيكون عند مبارك المتسع من الوقت لكتابة مذكراته وكشف اسراره وأسرار سواه .!! إذ ليس من المعقول ان لا يكون له ما يقوله للتاريخ ..
....................................


في هذا المقام ومن حالات الهستيريا التي تصيب الرئيس السابق مبارك في تلقيه الأنباء غير السارة، نستطيع قراءة درس الطغاة، الذين لا يقرأون التاريخ و عبره وصيرورته وحتميته، ولا يتمثلونه درسا خلاّقا . رغم ان مبارك لا يمكن ان يقارن بصدام حسين في وحشيته مثلا أو القذافي وغيره ولكن مبارك هو نتاج النسيج المصري المتنور، وبالتالي فأنني اناقش مبارك كديكتاتور مصري .
يتشابه الطغاة في قراءة الجانب الذي يزكيهم ويجعلهم غير قادرين على فهم جدلية التاريخ والامتثال الحضاري للدستور .. وفي مصر خصوصا هناك قضاء يتميز بأستقلال معقول، وهناك حرية نسبية للمجتمع وللصحافة والمعارضة .. لكن مبارك لم يقرأ التاريخ جديا وخصوصا ان حركة التغيير والثورات العربية قد طالت المنطقة واقصت طغاة وهدمت عروش.. ولو كان لمبارك ان يستعجل الاستجابة للمطاليب الشعبية المشروعة في تنصيب نائب له والخروج من السلطة مبكرا لما حصل له هذا المصير .. وهو الذي إعترف بأنه أخطأ في عدم قبول دعوة دولة خليجية لترك الحكم والعيش هناك مرفها ومكرما ..
ولكن والحق يقال ان حسني مبارك رغم تنازله المتأخر عن السلطة لم يحاول الهروب هو وعائلته وتجنب هكذا مصير، وربما يعود إصراره على البقاء، هو جزء من هيمنة العقلية القديمة في العودة الى السلطة ثانية !! لاسيما ان جولة الانتخابات الرئاسية المصرية والتي سبقت النطق بالحكم قد حملت مفاجأة من العيار الثقيل وهي صعود المشير أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق وزميل مبارك الى المستوى النهائي لحسم الرئاسة مع مرشح الاخوان المسلمين !.
الطغاة لا بد ان يذهبوا لانهم خارج حركة التاريخ .. خارج مفهوم العدالة الانسانية .. وعلى مصر أن تستعد لحقبة

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2142 الثلاثاء  05 / 06 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم