صحيفة المثقف

مدريد .. عمارة وتاريخ (2) / كاظم شمهود

الذي يحتله اليوم البلاط الملكي . و بعد احتلال المدينة من قبل النصارى سنة 1083  حدثت تغيرات  في القصر العربي في زمن النصارى كانت قد استهدفت ازالة البرج العربي الكبير المسمى برج القلعة او الطلائع (Torre Atalaya) حيث كان يستخدم لمراقبة المضايق الجبلية في وادي الرمل Guadarrama خوفاً من تسلل النصارى الى الاراضي الاسلامية ومهاجمة طليطلة.

وقد كان قصر الحاكم العربي في مدريد ضخماً وقد شيد ليكون مركزاً للادارة والحكم في المنطقة الوسطى وكانت عمارتهُ تمتاز بالمواصفات الموجودة في القصور العربية التي نراها في مدن الاندلس.  غير أنه قلما يذكر عن تخطيط عمارة هذا القصر وشكله ولكن حسب ما يعتقد ومن خلال المصادر القشتالية بإنه كان مستطيلاً وله فناءً كبيراً يحتل وسطه ويسمى   (ساحة السلاح) ويحيط به أقسام ادارية وسكنية كما تحيط بالقصر عدد من الابراج الشاهقة منها ثلاثة نصف دائرية الشكل تقع الجانب الغربي وبرج رابع مربع الشكل يقع في الزاوية الشمالية الغربية يسمى – برج الذهب – Torre Dorado- وفي الزاوية الشمالية الشرقية يقع برج خامس مربع الشكل أيضاً يسمى برج الملكة – Torre de la Reina- وهناك برج سادس مربع الشكل يقع في الزاوية الجنوبية الشرقية ويسمى برج – Torre Bastimento وقد اخذت هذه الابراج اسمائها بعد احتلال المدينة من قبل النصارى ..

كما يذكر كثير من المؤرخين  ان اول الوثائق التي يمكن الاعتماد عليها في معرفة تطورات القصر وشكله وعمارته وما يحيط به هو ما حدث من التوسع والترميم في زمن الملك بدرو الاول المعروف بالقاسي (El Cruel) في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي.

أما ليون الخامس سيد مدريد فقد جدد بناء الابراج في الثلث الاخير من القرن الرابع عشر وبعد فترة من الزمن تعرض القصر للحريق ، فأمر انريكي الثالث (Enrique III) سنة 1405 بترميم وتصليح ما تهدم وأتلف منهُ.

وفي زمن اخوان الثاني سنة 1434 اجريت تغيرات مهمة في داخل القصر منها اقامة مصلى.. وفي سنة 1466 حدث زلزال في المنطقة مما ادى الى تهدم جزء كبير من القصر ، وفي زمن الملك انريكي الرابع –Enrique IV- تم اعادة بناء ما تهدم من القصر . و في زمن كارلوس الاول – Carlos 1 – تحول القصر الى بلاط ملكي للاقامة الدائمة  سنة 1536 .  ويذكر بأن الملك كان عليلاً فنصحوه بالاقامة في مدريد لطيب هوائها وجمال مناظرها ..

ويذكر بأن الفنان فيلاسكى قد شغل احد صلات القصر العربي  ليكون له مرسماً وظهر ذلك  في لوحته المشهور (الاميرات) –Las Meninas – التي رسمها سنة 1656 ,  حيث  يظهر في العمق جزء من القصر القديم . كما يذكر انه كان في القصر ثروة هائلة تعتبر من أنفس التحف الفنية في البلاد منها 200 بساطا فريدا  في نوعه و 300 لوحىة لفنانين مشهورين مثل تيثيانو وروبنز وفيلاسكى وسانجث كويو وغيرهم وقد جمعت هذه التحف في زمن الملكين كارلوس الأول وفيليب الثاني..

في ليلة عيد الميلاد في سنة 1734 وفي الساعة الثانية عشر ليلاً شب حريق في الواجهة الغربية من البلاط وامتد بشكل سريع الى البرج الذهبي ثم الى الداخل حيث فناء الملك . والمشكلة الكبيرة التي واجهت المسؤلين هو عدم وجود مياه كافية لاخماد النيران الهائلة التي عجت بالقصر . وكانت المحاولة الوحيدة التي قاموا بها هي انقاذ ما في القصر من التحف الفنية والذهب والدنانير حيث كانت تلقى من النوافذ الى ساحة القصر . وقد أنقذت عشرات اللوحات الفنية من خلال قلعها من اطاراتها ورميها من الشبابيك الى الخارج . ومنها لوحات لفنانيين معروفين مثل فيلاسكس وروبنز وتيثيانو وغيرهم .

ويذكر المؤرخون الاسبان بان الملك كان وراء حادث الحريق ..

و يبدو ان الملك فيليب الخامس اراد القضاء على القصر العربي القديم ومسح آثره وان هذه الحملة للقضاء على التراث الاسلامي بدأت سنة 1606 يوم أصبحت مدريد عاصمة ,  وانتقال البلاط الملكي من بلد الوليد اليها . حيث ازيلت الاسوار والحمامات والمساجد ومعالم الاحياء السكنية وغيرها ولا نعرف الدوافع الكامنة وراء هذه الاعمال هل هو جهلا بالتراث وتاريخ الامة او هو نوع من التعصب والغاء الرأي الاخر.؟. ولحد هذا اليوم لم تجرى اي  تنقيبات من قبل علماء الآثار في ارض القصر الذي يحتله اليوم البلاط الملكي . ولو قدر ان تقوم عمليات حفر و تنقيب لظهرت كثير من المعلومات الجديدة و الآثار الاسلامية و التي ستزود علماء الآثار بمزيد من المعلومات , ومنها شكل و تخطيط القصر العربي . وبالتالي  قد تغير من تاريخ المدبنة و مكانتها الحضارية ...

 

اسوار مدريد العربية

كانت مدريد محاطة بسورين  . الأول كان يحيط بالمدينة او القصبة والتي تحتوي على القلعة وإدارة الحكومة والعسكر والمخازن العسكرية والمسجد وحي لعوائل المحاربين وغيرها من متطلبات الدفاع .  والسور الثاني يحيط بالسور الأول من جهة الشرق وفيه الاحياء السكنية و الاسواق و الورشات الصناعية  . ولهذين السورين عدد من الابواب والحصون  و التي تكون عادة مسيطرة على حركة الناس والاحياء والحفاظ عليها , وفي نفس الوقت على الاراضي المحيطة بالمدينة خوفاً من هجوم الاعداء . وهذا الطراز و الاسلوب من التحصينات نجده في كل المدن الاسلامية الاندلسية .  ولهذا فليس من المعقول ان يكون هناك سور واحد لمدريد كما يذكر بعض المؤرخين الاسبان وينسبون الثاني الى النصارى بعد احتلالهم للمدينة.       وفي القرن الحادي عشر لا زالت مدريد مدينة صغيرة فكانت شوارعها ضيقة وملتوية ومظلمة وهي على تقاليد البناء العربي تجنباً لحرارة الشمس . وبين المناطق النادرة المكشوفة هي ساحة الاسلحة المقابلة لباب البقاع اليوم . ويمكن ملاحظة شوارع مدريد القديمة من خلال الحي الاسلامي (La Moreria) الذي يقع اليوم قرب شارع شقوبية (C/Segovia).

وقد أسس المسلمون مسجداً كبيراً في المدينة وكان يقع في المكان الذي يحتل حالياً رقم 88 من شارع مايور C/Mayor . وبعد احتلال النصارى

للمدينة هدم هذا المسجد وبنيَّ عليه كنيسة سانتا ماريه Santa Maria وهو المعبد الوحيد الذي أنشأه النصارى في أول الامر ,  وقد أشرف على تحويل المسجد الى كنيسة قس طليطلة - برناردو – Bernardo- وهو فرنسي الاصل. ثم اختفت هذه الكنيسة ولا زالت بقايا جدران المسجد ظاهرة في حفرة عميقة وقد سورت وغطت بقطع زجاجية من قبل بلدية مدريد. وتقع هذه الاثار في الوقت الحاضر في شارع مايور C/Mayor رقم 88 وزاوية شارع بايلين C/Bailen .

هذه الشوارع الغير المنتظمة والمتقاطعة والأسوار العالية الخالية من النوافذ نجدها هي نفسها في التخطيط الجغرافي لمدن الأندلس مثل طليطلة واشبيلية .        ويمكن ان نقترب الى صورة احياء مدريد من خلال منطقة سان نيكولاس – San Nicolas- وسان خويسه – San Jose- وسان بدرو – San Pedro  – وحي المسلمين – La Moreria – وقد استمرت احياء مدريد القديمة على حالها مع تغيرات طفيفة حتى القرن التاسع عشر.

 

بلاثا مايور / ساحة الربض

تقع هذه الساحة خارج السورر العربي القديم قرب باب وادي الحجارة الى جهة الشرق وكانت تسمى ساحة الربض حيث تباع فيها المواشي والمنتجات الزراعية . واصبحت بعد ذلك في زمن النصارى مركزاً تجارياً . ففي سنة 1593 توسعت وبنيت فيها المحلات التجارية. وفي سنة 1618 في زمن الملك فيليب الثالث قام المعماري البارز خوان كومث دي مورا- ويعتقد انه موريسكي - Juan Gomez de Mora بتوسيع و تطوير للساحة .. وكانت من أهم اسواق مدريد في زمن العرب  وفيها  تباع منتجات الفلاحين الزراعية والصناعية وكذلك الحيوانات. والى جانب هذه الساحة يقع شارع وادي الحجارة الذي  يسمى حالياً شارع مايور C/Mayor حيث كان يكتظ بالمحلات التجارية واصحاب الحرف والصناعة . وعلى هذا الشارع يقع ايضا المسجد الكبير الذي لا زالت بعض احجاره ظاهرة في حفرة صغيرة.  ..                                                                                  و اصبحت هذه الساحة اليوم من اهم المراكز السياحية حيث تنتشر فيها الكافيتيريات الحديثة و المحلات التجارية التي تباع فيها مختلف التحف الفنية ذات النكهة و  التقاليد المدريدية . كما تحيط بها الماسونات (حانات) التي تقدم مختلف انواع الشرب و اللهو و التسلية و منها الموسيقى و رقص الفلامنكو ذو التقاليد العربية الاصيلة ....

المتحف الوطني للاثار.

يحتوي هذا المتحف على مجاميع كبيرة من الاثار الاندلسية معظمها يعود الى القرون التاسع والعاشر والحادي عشر ميلادي وتتألف من اواني فخارية متنوعة الاشكال والاستعمال ومزينة بأنواع الزخارف النباتية والحيوانية والهندسية . حيث توجد قطعتين فخاريتين يصل ارتفاعهما حوالي 1.5 متر وعليهما زخارف وكتابات عربية بألوان مختلفة وتعتبر من اجمل القطع الاسلامية في هذا   المتحف ..

 

المتحف الحربي

توجد في هذا المتحف صالة معمولة على طراز قاعات قصر الحمراء وقد فتحها الملك الفنسو الثالث عشر سنة 1912 وتحتوي على بعض الاثار الاسلامية الاندلسية واهمها وابرزها هي بعض ادوات وملابس الملك عبد الله الصغير اخر ملوك غرناطة وهي:

عباءة قرمزية اللون مطرزة باشكال نباتية ذات لون اصفر.

سيف مصنوع من الفولاذ وله مقبض منقوش عليه اسم الله وبعض الايات القرأنية ونجوم مثمنة ومطرزة بالفضة ومطلى بالمينا ومعمول من العاج كما يوجد له غمد معمول من قطعتي خشب محاطة بجلد ومقبضين وايضاً مزخرف بنجوم مثمنة واشكال هندسية اخرى .

ويوجد سيف آخر يذكر انه يعود الى غلام العطار الثائر المدريدي الذي شق عصى الطاعة على الخليفة الاموي محمد المستكفي بالله سنة 1009 ميلادية ويذكر ان احد شوارع مدريد القديمة كانت تسمى العطار ولو قدر لهذا القائد ان تنجح ثورته لرأينا ان مدريد اصبحت عاصمة للخلافة الاموية ولطال عمرها.

كما توجد قلنسوة وحذاء للملك عبد الله الصغيرة يضاف الى ذلك وجود عدد من العملات الاسلامية من القرن العاشر ومجموعة من الطاولات وأسرة الخيل وبعض البنادق الافريقية التي تعود الى سنة 1859.

 

متحف البرادو ( Museo  del Prado)

وهو من الطراز المعماري الكلاسيكي الحديث . من عمل المعماري خوان دي بيّانويبا – Juan de Viuanueva سنة 1785 وكان سابقاً متحف للعلوم الطبيعية . شكله مستطيل وينتهي من طرفيه بشكل مربع ومغطات بقبب مضيئة وسقف منحني مضئ على طول البناء.

ويعتبر هذا المتحف من المتاحف الكبيرة في العالم ويضم مجموعة كبيرة من اعمال اشهر الفنانيين في العالم حتى القرن التاسع عشر مثل فيلاسكي ، غويا ، موريّو ، ريبيرا ، الغريكو ، روبنز ، رمبرانت ، دافنشي ، مايكل أنجلو وغيرهم .

 

متحف صوفيا للفنون

يقع هذا البناء في شارع – Santa Isabel- وكان سابقاً مستشفى وهو من عمارة عصر الكلاسيكية  الحديثة , وبدأ كمتحف في الثمانينات ويحتوي على مجموعة كبيرة من الاعمال الفنية الحديثة لأشهر الفنانين العالميين . وفيها لوحة بيكاسو الشهيرة ( El Guernica) وقد نقلت اليه الاعمال الفنية الحديثة التي كانت موجودة في المتحف الوطني الحديث الواقع في المدينة الجامعية ( Muncolua).

ويضم هذا المتحف على مكتبة فنية جيدة . وتقام فيه باستمرار المعارض الفنية لمشاهير الفنانيين ويضم عدة طوابق وعدد كبير من القاعات والمرافق الاخرى . وفي الفترة الاخيرة حدث توسع لهذا المتحف وذلك بانشاء بناية حديثة جميلة واسعة  تضم قاعات جديدة للعرض و مكتبة كبيرة  و كافيتيرية 

 

باب الشمس ( Puerta del Sol).

يذكر بأن  باب وادي الحجارة القديم تقدم بضع مئات من الامتار نحو الشرق عند توسع المدينة في نهاية القرن الثالث عشر فظهر باب جديد يدعي باب الشمس  وكان صغيراً ويجهل عنه الكثير من ناحية شكله وعمارته وطرازه  وله ساحة اصغر من الساحة الحالية . ويذكر بأن اسمه يعود أما كونه يقع باتجاه مطلع الشمس او انه يعود الى تلك المنحوتة التي وضعت على واجهته وهي تمثل الشمس.

كما يذكر بأن هذا الباب قد اختفى في مطلع القرن السادس عشر ويعتبر هذا المكان اليوم مركز المدينة القديمة وشريانها الاقتصادي والسياحي المهم وتقام فيه الاحتفالات خاصة في اعياد الميلاد كما انه ملتقى طرق المواصلات المدريدية ..

 

ساحة مصارعة الثيران – بنتاس Ventas .

في القرن العشرين وفي أوج التقدم الحضاري يبرز طراز المدجنين الاسلامي   الحديث متمثلاً في احد العمائر المدريديه المشهورة وهي ساحة مصارعة الثيران الواقعة في منطقة بنتاس Ventas ، وقد شيدت سنة 1929 م من قبل المهندس والمعماري خوسيه ايسبيليو Jose Espeliu وهي مبنيه من مادة الاجر الاحمر المدريدي وقد عرفت مدريد بصلابه وجودت طينتها التي كانت تستعمل منها الاواني الفخارية .

ان التنوع في التعامل مع العناصر المعمارية مثل اقواس حدوة الحصان والاقواس المفصصة والمدببة والنصف دائرية والافاريز التي تظهر على شكل منشار قد خلقت نوع من الايقاعات والتضادات في الضوء والظلال جداً مؤثرة ومثيرة للتأمل والاعجاب. وتتكون هذه العمارة من ثلاثة طوابق دائرية الشكل ومدخل رئيسي ...

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2181 السبت 14/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم