صحيفة المثقف

أحداث سوريا ألاخيرة وأثرها على الدراما ألعراقية / صلاح حسن الساعدي

كان الهدف منها هو تدمير العراق وسحق ميادين العلم والثقافه لتجعل من بغداد قندهار ألعرب ولتمحي أثر شعب تميز بالادب والفن ليبدل بشعب طائفي فارغ العقل عديم التفكير. العنف الطائفي هذا القى بظلاله على جميع شرائح المجتمع تقريباً ومنها شريحة فناني الدراما العراقية فهاجر الكثير منهم الى خارج العراق وخصوصاً سوريا وأذكر انني في كل مرة أسافر فيها الى سوريا التقي بعدد لا بأس به من الفنانين العراقيين لنترامى اطراف الحديث عن واقع العمل الفني في سوريا ومقارنته بالعراق, وكان دائماً تبريرهم انه من الصعب العمل كممثل والعيش في العراق في آنِ واحدْ ففَضل بعضهم ان لا يكون مصيرهُ كمصير مطشر السوداني أو وليد جعاز - رحمهم الله -

عندما أختار الكثير من العاملين في مجال الدراما العراقية سوريا لم يكن الاختيار محض صدفة, فالدخول اليها والحصول على الاقامة بشكل مؤقت أو دائمي لا يتطلب الكثير من العناء بل تعتبر انها من أسهل البلدان العربية التي يمكن لحامل الجواز العراقي الدخول اليها هذا من جهة أما الجهه الاخرى هو رخص العيش فيها والاهتمام الكبير بالدراما فبلا شك تعتبر سوريا هي أهم بلد عربي على صعيد الدراما التلفزيونية بعد أن أزاحت مصر من هذا المنصب.

فعلى صعيد الدراما السورية كان المشاهد العراقي ينتقي ما يشاهدة من أعمال انتجت في سوريا فكانت أعمال الفنان السوري دريد لحام الكوميدية هي الملهمه له كملح وسكر ومسلسل صح النوم وحمام الهنا للمخرج العراقي فيصل الياسري الى أن جائت القطيعة السياسية بين شطري حزب البعث في بغداد ودمشق منتصف السبعينات وقطعت معها المشاهد العراقي من متابعه الكم الكبير مما كان ينتج في سوريا ناهيك عن تلك الفتره التي لم يكن متوفراً فيها تقنية القنوات الفضائية أو أجهزة الفديو المنزلي, هذا الحال أستمر طيلة فتره الحرب العراقية الايرانية فكانت حينها الدراما والافلام المصرية هي المسيطرة على التلفزيون العراقي بقناتيه الاولى والثانيه. أما في فتره ألتسعينات من القرن الماضي حدث الانفراج على الشقيقة سوريا ففتح السفر وفتحت معها افاقٍ معرفيهً جديدهَ ومنها الاطلاع على الواقع الدرامي وكنظرة بسيطة نجزم بوجود مخرجين سوريين كبار لا تحوي الساحه العراقية امثالهم كاليث حجو و حاتم علي والعملاق نجدت انزور.

يبدو ان الفتره التي تلت سقوط نظام البعث في العراق فتحت باباً اخر وهو كثرة الفضائيات العراقية الجديدة التي دخلت بقوة الى مجال الانتاج التلفزيوني مما اتاح فرصة طيبه الى الممثلين العراقيين للمشاركة في هكذا اعمال فاستعانت هذه القنوات بالعديد من المخرجين السوريين لانتاج اعمال عديدة مشتركه وهذه الاعمال تعتبر علامة فارقه ونقطة تحول في مجال الدراما العراقية فانتجت مسلسل السيدة وبيوت الصفيح والشيخه بالاضافه الى العديد من الاعمال الكبيرة فكانت مدرسة جديده تولد على ارض الدراما العربيه اسمها الدرامه العراقية السورية مما جعل من الدراما العراقية تصل الى المرتبه الثالثه بعد السورية والمصرية (حسب قناعاتي )مما اثار الكثير من النقاد الخليجين بدعواهم المستمر من صعود نجم الدراما العراقية للتتجاوز الدرامه الخليجيه بوصفهم ان الدراما العراقية ترضع من اساتذه الدراما السوريه. لا ننكر ان العديد من مخرجي التلفزيون السوري الكبار لازالوا بعيدين عن هذا التعامل ولا يمكن القول ان فناني العراق قد اثاروا مخيتلهم عدا اشراك نجدت انزور لهناء محمد وغيداء الهاشم في مسلسل( ما ملكت ايمانكم)

بعد هذا الاستقرار النسبي والتوجه الى انتاج اكبر دخلت الاحداث الاخيرة على سوريا لتقطع هذا التوجه ولتضيع فرصه كبيرة للتعلم من اهل الدراما السورية فهجرت هذه الاحداث الفنانين العراقيين مرة اخرى ولكن هذه المره الى بلدهم ولتخسر الدراما العراقية فرصة ذهبيه لتتطور اكثر . هنا لا اريد الانتقاص من امكانياتنا في هذا المجال لكن اجد أننا لا زلنا بحاجه الى الكثير ما دمنا نصارع من اجل تطوير العمل الدرامي العراقي وهذا واضح بشكل جلي ففي السابق كان المشاهد العراقي يشغل نفسه بالمسلسلات المصريه كليالِ الحلمية وغيرها اما الان فحديث الشارع العراقي عن المسلسلات العراقية في تزايد مستمر وزادت معها ثقافه البحث عن كاتب سيناريو المسلسل او المخرج بل اصبحت اسماء كتاب المسلسلات ومخرجيها معروفه ومشهورة كشهره الممثلين وهذه حاله صحيه ومفرحه فقد دفعت هذه الثقافه الجديده بالكثير من الشباب العراقي الطموح للتقديم على دراسه التلفيزيون بشكل اكاديمي في كلية الفنون الجميله.

 حاليا ًانا غير متفائل لما سيحصل في الموسم القادم من شهر رمضان فبعد ان كانت السنوات الخمس الماضيه تزهر بكثرة الاعمال اجد ان موسم شهر رمضان للعام القادم سيكون فقيراً جداً نتيجه الاحداث الاخيره في سوريا

لا استطيع القول ان الدراما العراقية هي فقط من تأثر من جراء هذه الاحداث لكن الدراما السوريه نفسها سوف تتأثر اكثر إن لم تكن اصلاً قد تأثرت بعدم الاستقرار الذي يعصف سوريا مما يحرم المشاهدين العرب من متابعه كنوز الدراما السورية فالانتاج المرئي يحتاج الى الاستقرار اكثر من اي مجال اخر بالامان هي اهم شيء يساعد الكادر الفني للعمل بطريقة صحيحه.

أجد لو ان العراق يفتح ابوابه للكوادر السوريه الفنيه المحترفه للعمل في العراق لتحقيق هدفين اولها هي ديمومة هذه الكوادر العربية كونها ثروة عربية تستحق الحفاظ عليها وثانياً لضمان استمرار الخط التصاعدي للدراما العراقية وأجد ايضاً ان العراق بحاجه الى إنشاء مدينة فنيه عراقية بحته كمدينة الانتاج الاعلامي في مصر لتكون المكان الامن للكوادر العراقية ومكان جذب للكوادر العربية المحترفه التي تبحث عن المكان المناسب لاتمام اعمالها.

 

صلاح حسن الساعدي

ناقد وفنان تشكيلي مقيم في النرويج

 

 تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2209   الجمعة  24/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم