صحيفة المثقف

انحراف آلية التفكير في العقل العربي .. تفجير الجسد البشري أنموذجاً (1-2) / عدنان الحلفي

لان العرب هم الذين صاغوا آلية التفكير هناك على الرغم من اختلاف القوميات والاعراق وحتى الاديان في الشرق.

 العرب تفاعلوا مع قضية الاسلام منذ الضوء الأول لظهور فكرة الدين الجديد في جزيرتهم القاحلة التي هي ليست ذات زرع ولا ذات ماء ؛ و كانت الفكرة مهمة لديهم خصوصاً بعد وفاة النبي محمد (ص)، اذ تحولت الى اجندة سياسية واقتصادية للتمدد خارج تلك الارض المقفرة. ومن هناك بدأ الصراع بين العائلات القوية للسيطرة على ذلك الدين الذي يشكل المواد الاساسية لاجندات التمدد.

ومنذ ذلك التاريخ الى الوقت الحاضر استُعمل الدين الإسلامي لأغراض ومصالح دنيوية ادت به في ظاهره على الاقل الى الانـحراف التام عن فكرة النبي والقرآن الكريم الذي أُريد من خلالها للإسلام أن يكون دين محبة وتسامح وتربية وتعليم.. الا أنه تحول إلى دين سياسة وتصادم مع الاخرين كأي حزب سياسي يناضل من اجل مصالح وافكار وسياسات باسلوب ميكافيلي واتباع سياسة الارض المحروقة والغاية تبرر الوسيلة حتى اصبح هذا الفكر والتوجه الجديد  يهدد الامن والسلم العالميين..!!

وقد توضح ذلك جلياً هنا في ساحة الغرب، اذ مهما حاول الخيرون توضيح فكرة الاسلام الحقيقية وازالة اللبس عنها بقي الخلط واقعا مثل اختلاط حبات السمسم مع حبات الرمل. من هنا وجب ان نمر في محطات البحث على المراحل التي أشاعت انـحراف العقل العربي في محاولة لتشخيص بعض الحقائق التي اوصلت الانـحراف الى مرحلة تفجير الجسد الانساني وهي:ـ

أولاً:  إسقاطات العرف العربي على الدين الإسلامي.

ثانياً:  الوصاية على الاخرين.

ثالثاً:  الحاكمون والاسلام السياسي.

رابعاً:  نمو الدكتاتوريات العائلية.

 

اولاً : اسقاطات العرف العربي على الدين الاسلامي:

 لا أكشف جديداً حين اقول ان شعوب المنطقة العربية والشرق اوسطية عموماً هي محكومة باساليب عرفية اجتماعية طاغية على اي تشريع اسلامي على جميع الاصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهي بطبيعة الحال امتداد لقيم الصحراء التي حاول الاسلام حذفها وتطويرها ومجاراتها احياناً لاعتبارات التدرج السوسيولوجي. ولكن يظهر أن قيم الصحراء مازالت الى الان تشكل الايقاع العام لسير التفاصيل الحياتية في المنطقة، أوتتحول أحياناً إلى فايروسات تهاجم التغيير والتطوير وحتى التدين المعتدل بعيداً عن التفسير ولوي الفهم القرآني بالطريقة التي تناسب الاجندات الاقتصادية والسياسية.  ويستدعي ذلك بطبيعة الحال الابقاء على قيم الصحراء التي تناسب الاجندات المصلحية بشكل عام. وقد استغلت ذلك مجاميع فاسدة ومخططة للابقاء على العرف المنـحرف والحفاظ على مصالحها وفي مقدمتهم الانظمة السياسية والمشيخات الدينية المتطرفة.

 ولتكون الفكرة واضحة نسوق المثل الاتي : جرت العادة الشرق اوسطية على ان تكون المرأة  الجزء الثانوي في المجتمع واحياناً هي الجزء المهمل الذي يُستعمل لدفع الدية في حل النزاعات..وحاولت قوى اجتماعية عديدة محاربة التحرر والمساواة لانها تزعزع سلطة الرجل الشرقي ونظام تعدد الزوجات والخليلات، وكلما زاد اضطهاد المرأة زادت سلطة الرجل وهكذا تحول مجتمع الشرق الى مجتمع ذكوري.. في حين لم يذكر القرأن الكريم مجتمع الرجال الا وذكر الى جانبه مجتمع النساء ، المؤمنون والمؤمنات، الصادقون والصادقات، الزانية والزاني. وجرت العادة ايضاً على أن تُزوج المرأة من دون اخذ رأيها وهو زواج إسلامي باطل لأنه فاقد شرط الايجاب والقبول.

 وجرت العادة ايضاً ان تذبح المرأة لمجرد الاشاعة في تهمة زنا في حين اشترط الاسلام ان كون هناك اربعة شهود رأوا العملية بأكملها وهي من صلاحية الحاكم الشرعي لينفذ او لا ينفذ القصاص المناسب الذي يراه.أي هي دعوة  قرانية صريحة  لسيادة القانون الفيصل الوحيد في المعالجة. في حين نرى ان القانون الامريكي الذي يستند الى اسس وضعية بحتة تراه قريباً جداً من القانون الاسلامي فهو يحرم الخيانة على الزوجين ويمنع استخدام العنف ضد المرأة والطفل (Domestic Violence) بقوة ويعطي للمرأة حق مناصفة الرجل بكل املاكه التي امتلكها اثناء فترة الزواج في حالة الطلاق، وفرض على الرجل حق النفقة على اولاده دون سن الثامنة عشر (1) (Child support) وغيرها من الحقوق التي حافظت على المرأة من الاستغلال والتسلط. واللافت للنظر هنا أن قضايا الأحوال الشخصية وقضايا الزواج والطلاق في الولايات المتحدة الامريكية هي من اسرع القضايا التي يبت فيها في المحاكم على عكس المحاكم في الشرق الاوسط التي تجعل الوقت احد عوامل المظلومية التي تقع على المرأة(2).

الفكرة اذن هي ان القانون الاسلامي او الفكر الاسلامي بشكل عام في الواقع الشرق اوسطي هو طبعة باهتة او منـحرفة عن تعاليم الدين الاسلامي الحقيقي ازاء تنامي قوة العرف الاجتماعي الواضحة المعالم في الشارع العربي. وهناك مجموعة اسباب لظهور هكذا اوضاع مختلفة ليست محل بحثنا منها رسوخ قيم الصحراء في المدن التي هاجر اليها العرب، وعدم وجود ثقافة القانون واحترام سيادته  كذلك ضعف متابعة السلطات التنفيذية وعدم حرصها على تطبيق القوانين القليلة الموجودة يضاف الى ذلك بطبيعة الحال،الفقر والجهل والتخلف الناتج عن غياب برامج التطوير الاقتصادي والثقافي والاجتماعي الاهلي الذي تقوم به مؤسسات غير حكومية محسورة جداً واحياناً ممنوع تشكيلها في الشرق الاوسط.

هذه أزمة بطبيعة الحال شكلت احدى الاليات المنـحرفة للعقل العربي الذي يزن على اساسها كثير من تفصيلات الحياة بشكل يومي تقريباً.

 

ثانياً : الوصاية على الاخرين

تتجلى هذه الالية الخطرة بوضوح في الشرق العربي التي تأكل بالمجتمع منذ الاف السنين، فالذي اغتال الخليفة الثاني عمر والخليفة الثالث عثمان والخليفة الرابع علي كان يعتقد بانه انطلق من النص القائل : من رأى منكم منكراً فليغيره بيده... ولكون الفاعل شخّص المنكر فقد بادر الى تغييره لاصلاح امور الامة وهكذا فرض مشروع اصلاح الامة قتل الحسين بن علي بن ابي طالب ومحمد باقر الصدر ومحمد باقر الحكيم وبائعي الخضرة وطلاب المدارس في العراق من اجل تغيير المنكر وارجاع الجيش الامريكي الى بلاده!!!.

ان الغرابة في الاغتيال السياسي في صدر الرسالة الاسلامية تكمن في كونه مورس بتخطيط وترصد من قبل اصحاب اجندة سياسية ومصلحية وباستغلال النظرية الدينية الجديدة ورؤيتها للدين والاصلاح وحماية تلك النظرية ذاتها ـ كما اعتقدوا ـ من الانـحراف أو على الأقل ذلك ما كان يعلن عنه في حينه. الأدوات العقلية نفسها في الذهن العربي التي فرضت قانون النهي عن المنكر وخططت ونفذت للاغتيال السياسي كانت تدعم مشروع الاجندة السياسية، فقد اشترك في المخطط فريقان:ـ

 الفريق الاول: كان يرى الدين نصوصا ومسلّمات يمكن تطبيقها من دون الرجوع إلى الحاكم الشرعي، وهو الأداة الضاربة بأمر الفريق الثاني.

الفريق الثاني: هو الاذكى وهو صاحب أجندة السيطرة المصلحية التي تستدعي ايجاد ادوات مؤمنة وموقنة بانها تنفذ ارادة الهية وستدخل الجنة، وبذلك تمت المقايضة بصفقة كبيرة بين الفريق الثاني الذي سيحكم الارض ويفرض دين الله على عباده - شعارات ترفع للمحافظة على المصالح -  وبين الفريق الاول الذي سيذهب الى الجنة ويعيش خالداً مع الحور العين.

 الا أن مبدأ الوصاية ينبعث ويتجدد باستمرار بدفع وتشجيع من الفريق الثاني الذي يقوم باحياء الفكر التحريضي عن طريق تضخيم النص الديني مستخدماً الدعم اللوجستي والاموال التي ترصد لهذا الغرض وتستغل الادوات المتوفرة في كل زمان من ازمنة العرب الذي ما انفك ان يفارقه هذان الفريقان.

فاحياء الوصاية عن طريق استخدام الاعلام المعاصر جعل الامور ميسرة امام الفريق الثاني الذي صار يضرب باي مكان يراه منكراً واجب التغيير باليد والمتفجرات وتفخيخ السيارات وتلغيم الاجساد الادمية للتنعم بالخلود مع الحسان. في حين وجد الفريق الثاني (الاكثر خبثاً واستراتيجية) ان الدعم اللوجستي للمعركة الدائرة هو ليس الاموال فحسب بل هي المسلّمات الموجودة بداخل كل مسلم وآلية العقل العربي للتعامل معها.

 ففلسفة الموت في الاسلام مثلاً تتحول الى حياة سعيدة اذا كان الموت بسبب الجهاد في سبيل الله، ولكن من يحدد فكرة الجهاد؟ ومن هو العدو؟؟ هنا جاء دور الفريق الاستراتيجي الثاني ليشخص العدو ويسيطر على زمام الامور والعمل على استخدام تلك المسلّمات وتحويلها الى مادة متفجرة بوجه العدو المفترض!! والعدو الذي يحدده الفريق الثاني:ـ

هو كل من يقف بوجه التوسع للاجندة المصلحية المؤمل استثمارها.  كما هو الحال في استخدام تلك السياسة في تنفيذ الاغتيال السياسي لخلفاء المسلمين ومن ثم سيطرة اصحاب الفريق الثاني على مقاليد الامور بعد تقاسم السلطة بين عوائل النفوذ والقوة في الجزيرة العربية انذاك.

لكن بقيت تلك الالية المنـحرفة في الذهنية العربية تشكل احدى اليات العقل العربي التي تتحكم بمصير الملايين من المسلمين، وانتشرت تلك الالية المنـحرفة في ذهنية الملايين منهم في الوقت الحاضر كإحدى آليات الانـحراف في العقيدة والفكر والعقل العربي والإسلامي والذي لا يمكن التخلص منها طالما يوجد فريق الاستراتيجية الذكية الذي يغذي التطرف وينفخ بالمسلّمات العقيدية كالجهاد ومفهوم الشهادة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفريق التدين المتطرف الذي لا يستند الى العقل والمنطق.

  

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2297 الجمعة 07 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم