صحيفة المثقف

عندما يصبح اللجوء إلى المجتمع الدولي إرهاباً!

jawad albashiتَفْهَم الولايات المتحدة "حل الدولتين"، الذي تبدو نصيرة ومنتصِرَة له، على أنَّه الحل الذي لن يأتي للفلسطينيين بدولة (مجاوِرَة لدولة إسرائيل) إلاَّ من طريق واحدة لا غير هي طريق المفاوضات بين الطرفين، والتي ستطول، وتطول، وتظل متعثِّرةً، متعسِّرةً، عبثيةً، غير مُجْدية، إلى أنْ يستخذي المفاوِض الفلسطيني الضعيف، والمحاصَر، في استمرار، بمزيدٍ من أسباب الضعف، لشروط ومطالب المفاوِض الإسرائيلي القوي، الذي يزداد قوَّةً؛ فإنْ استخذى لها تماماً قد يحصل على دولة هي شكل جديد ليس إلاَّ للاحتلال الإسرائيلي في جوهره وأساسه. وإلى أنْ يستخذي، وحتى يستخذي، يستمر التفاوض؛ لكن بصفة كونه مزيداً من الوقت تكسبه إسرائيل لمزيدٍ من الاستيطان والتهويد، ولمزيدٍ من الهدم والدَّمار لمقوِّمات قيام دولة فلسطينية تشبه، ولو قليلاً، "الدولة"، مفهوماً وواقعاً.

وتَعْلَم الولايات المتحدة أنَّ لدى الفلسطينيين، ولدى "دولتهم" المُعْتَرَف بها دولياً الآن على أنَّها عضو مراقِب في الأمم المتحدة، من "الحقوق المشمولة بالشرعية الدولية" ما يُفْسِد (ولو قليلاً) مساعيها ومساعي إسرائيل للقضاء على البقية الباقية من القوَّة التفاوضية الفلسطينية، فزجَّت (مع إسرائيل) بقواها الدبلوماسية والسياسية والمالية في معركة عَزْل المفاوِض الفلسطيني، وإبقائه معزولاً، عن قواه السياسية والقانونية المُسْتَمَدَّة من الشرعية الدولية التي تتمتَّع بها القضية والحقوق والمطالب الفلسطينية، مُحْبِطَةً كل سعي فلسطيني للزج بمجلس الأمن الدولي في معترك مفاوضات السلام مع إسرائيل، بدعوى أنَّ هذا السعي الفلسطيني يُفْسِد المفاوضات، ويُراد له أنْ يأتي بنتائج ينبغي للمفاوضات نفسها أنْ تأتي بها، ويَخْرِق، من ثمَّ، ما تعتده الولايات المتحدة وإسرائيل "قانون" السلام، ألا وهو "قانون": "لا حلَّ، ولا دولة للفلسطينيين، إلاَّ من طريق المفاوضات، ومن طريقها وحدها".

وفي وقت تبدو الولايات المتحدة محتاجة إلى مزيدٍ من التعاون العربي معها في الحرب (الدولية التي تقودها هي) على "داعش"، رأيناها تتصرَّف وكأنْ لا أهمية تُذْكَر لموقف عربي رادِع لها عن المضي قُدُما في حملتها على الفلسطينيين الذين تجرَّأوا على الاستنجاد بالأمم المتحدة والشرعية الدولية؛ فهدَّدت الفلسطينيين بقطع معونتها المالية السنوية لهم إنْ هُمْ لم يتخلُّوا عن سعيهم لنيل العضوية في محكمة الجنايات الدولية، وإنْ بدت غير راضية عن قرار إسرائيل تجميد تحويل عوائد الضرائب (الشهرية) إلى السلطة الفلسطينية، والذي سيتسبب بأزمة رواتب في القطاع الفلسطيني العام.

الولايات المتحدة تعرف أنَّ الأمم المتحدة قد اعترفت بدولة فلسطين على أنَّها عضو مراقِب فيها، يحقُّ له نَيْل عضوية هذه المحكمة، وتعرف، ايضاً، أنَّ هذا السعي الفلسطيني يتماشى تماماً مع الشرعية الدولية؛ ومع ذلك، قرَّرت أنْ تُعامِل السلطة الفلسطينية كما تُعامِل منظمة إرهابية؛ وكأنَّ الفلسطينيين يزاولون الإرهاب بسعيهم إلى نَيْل حقوقهم الدولية بصفة كونهم عضواً مُراقِباً في الأمم المتحدة!

وتتوقَّع الولايات المتحدة أنْ تُصيب مقتلاً من الإرادة السياسية للفلسطينيين من طريق الضغوط المالية التي تمارسها مع إسرائيل على السلطة الفلسطينية؛ وكأنْ لا خيار لدى الفلسطينيين إلاَّ أنْ يشتروا "الرواتب" بثمنٍ باهظٍ هو عودتهم إلى مفاوضات غير مجدية، وقبولهم استمرار الاستيطان والتهويد في الوقت نفسه؛ أمَّا الدول العربية فلا خيار لديها، على ما تعتقد الولايات المتحدة وإسرائيل، إلاَّ خيار القول والفعل بما يُكْرِه الفلسطينيين على الأخذ بذاك الخيار!

قطاع غزة يُحاصَر بدعوى أنَّ "حماس" المسيطِرَة عليه تمارِس "الإرهاب"؛ والسلطة الفلسطينية تُحاصَر مالياً؛ لأنَّها مارَسَت ما يشبه "الإرهاب" بالتجائها إلى الأمم المتحدة، وتوقيعها معاهدات دولية!

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم