صحيفة المثقف

ملاحظات وانطباعات عن قصيدة "توسد ظلعي يا وطن" لذكرى لعيبي

dikra laybieليس بالعادة أن يُكتب عن قصيدة مفردة، لأنها بكل الاحوال، لا تعكسُ سوى جزء بسيط من عالم الشاعر أو الشاعرة، لكن بعض القصائد المنفردة، تُحفّز على الكتابة عنها، لسببٍ ما وما حفّزني للكتابة عن قصيدة الشاعرة ذكرى لعيبي "توسد ضلعي يا وطن" ارتباك الموسيقى التي بنيت عليها القصيدة بين التقفية والفكاك منها أو تجاوزها، والعودة اليها أو تكثيفها وانتشارهاـ وأحب أن أسمّي الموسيقى في الشعر، نغماً تجاوزاً، بعد وصول الشعر الى العتبة لقصيدة التفعيلة، والدخول في ما يسمى قصيدة النثر، لأن الموسيقى أو أكثر المؤلفات الموسيقية، مأخوذة من الشعر، وخاصة الموسيقى العالمية.. اكثرها مبنية بتوازٍ مع بناء قصائد مشهورة لشعراء مشهورين عالمياً، والأمثلة على ذلك كثيرة ، وبما إن تفعيلات الشعر الحر، تتداخل في بعض الاحيان أو تُبنى القصيدة الحرة على اكثر من تفعيلة واحدة، تصل احياناً الى ثلاث أو اربع تفعيلات في القصيدة الواحدة، يكون النغم فيها أقرب من مفهوم الموسيقى، بالنسبة الى هذا الشعر، ولكننا اعتدنا أن نطلق تسمية الموسيقى الشعرية بشكلٍ عام، بعد اختفاء أو انحسار كتابة القصيدة العمودية، واختفاء تأثير القافية أو التقفية على إدارة الحركة الموسيقية للقصيدة، وانسجامها التي لم تعد ضرورية للشعر،علماً بأن قصيدة الشاعرة مبنية على موسيقى التقفية، فتتغير حال ما تنتقل الى تفعيلة ثانية تُغيّر موسيقى القصيدة بشكلٍ واضح ومثال ذلك:

(لا يعلمون كيف اتناسل في ضلعي .. التقط شُحّ الأعوام واصوغها مهداً لا نفاسٍ من شجر الجنة تأتي.. كيف ابعثر دمعي وانتشر غيمة.. تبلل معراج سنيني الأربعين)

وننتقل الى بداية القصيدة

( يترقب موتي اولئك الميتون.. ويترقب موتي اولئك الاحياء المتصحرون ..هم لا يعلمون كفني سعفٌ مبلل بعرق الروح.. وشذى القاف والنون)..

المقطعان من بداية القصيدة ومن وسطها، تتبدل فيه موسيقى القصيدة، تزداد عملية التقفية في بدايتها، وتقل في وسطها، وتفقد بعض انسجامها وتدفقها، ولكن بإيقاعٍ منسجم ومؤثر ،والحقيقة شعرت بمفاجأة بشاعرة كذكرى لعيبي، لأننا ألفنا في جيلها شعراً ركيكاً، خالياً من المعنى، عبارة عن خواطر تقترب من السذاجة، وليس شعراً منذ ما بعد الجيل الثمانيني للشعراء العراقيين ، واطلقوا على هذه الخواطر المشوشة قصائد نثرية أو شعراً نثرياً، وما الى ذلك من تسميات ليست لها علاقة بالشعر، كنشاطٍ ذهني وابداعيٍ راق، فلا نجد في هذا الشعر أو نكاد لا نعثر على هذا النوع من الشعر، سوى على قصائد قليلة ودواوين أقل يمكن أن نطلق عليها شعراً، بينما قصيدة النثر ابعد ما تكون عن الخواطر المبعثرة، وغير المنسجمة والمرتبكة، كما هي عليه القصائد النثرية التي تكتب في العراق التي تغزو المواقع والجرائد والمجلات، وبعضها على صفحات المجلات الادبية المتخصصة .

الشعر كما يقال: هو الشعر سواءاً كان مقفى أو حراً أو قصائد نثرية، يمكن الاحساس به وتذوقه، بدون الحاجة الى اللجوء لهذه التقسيمات التعسفية، والتسميات التجنيسية في حقل الشعر نفسه، بين مقفى وحر ومنثور الى أخره، لأنهُ يدل بنفسه على هويته إن كان شعراً أم لا ،وذكرى لعيبي شاعرة بامتياز.. نتمنى أن يكون لها حضورٌ شعريٌ مميز، ومتواصلاً، بعد أن اتخمنا من الشعر الركيك والمرتبك والفاقد لهويته، والتسميات التي ما انزل الله بها من سلطان جميعاً، لتبرير الركاكة والتقليد للشعر النثري أو قصيدة النثر الغربية، وبالخصوص قصيدة النثر الفرنسية التي تختلف اختلافاً كلياً عن قصيدة النثر العراقية المقلّدة لها شكلاً ،والفاقدة لشعريتها مضموناً، والتي يمكن تسميتها اي شيء آخر، عدا أن تكون شعراً حقيقياً .. منذ ثمانينات القرن الماضي أو منذ بداية كتابة قصيدة النثر في العراق، تأثرا بالشعر الغربي أو قصيدة النثر الغربية،واعتبارها شكلاً جديداً من أشكال الكتابة الشعرية في عصرنا .

ونختم هذه الملاحظات والانطباعات عن قصيدة الشاعرة، بمقطع من خاتمة القصيدة الذي تتراجع فيه التقفية قليلاً، وتخفت فيه الموسيقى، فتنفتح القصيدة على عوالم منفتحة ومكثفة بشعرية آخاذة بنغمتها الذاتية :

انبت على العمر برعماً اولئك الميتون

غفلوا عن نجمة أغلقت ابوابها منذ ليل

وخُطّت على رمل الروح

لتوقد ثغراً في الصخر

كما نلاحظ، تكررت القافية في هذا المقطع من القصيدة، مرة واحدة، عكس المقطع الأول ودخلت في إيقاعٍ آخر، ورغم ذلك ظلت القصيدة متجانسة باستعمال التقفية أو بدونها .

 

قيس العذاري

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم