صحيفة المثقف

المعرفيون وإشكالية الحرية

reebar habonيقول -جان جاك روسو- في مقدمة كتابه العقد الاجتماعي (ولد الإنسان حراً ومع ذلك فهو في القيود بكل مكان)

إذاً لنتساءل قليلاً، ما الحرية؟؟

تساؤل قديم، قدم الملكية والسلطة، وبدء الصراعات الدموية، حيث ترسخت لتصبح مشكلة الحرية، وسيقت في عالم السياسة كمذهب سياسي واقتصادي (الليبرالية) استساغها العبيد، وكذلك الشباب الطالع، عبر دعاية الأحزاب الثورية (اليسارية) من خلال الدعوة للحد من العبودية الرأسمالية، وراحت هذه الدعاية تفتك بالملايين من الناس، من خلال حروب رفعت راية الحرية، وما الحرية إلا إيجاد لسبل الرفاهية المشتركة التي من خلالها يمكن للعقل المعرفي أن يبتكر مقومات السعادة

فمنذ القديم كانت الحروب تأخذ مسوغات عديدة تتلخص في حماية السلطة، أو حماية الأرض، الحرية التي كانت الظل الذي تتفيأ تحته الفئات المقموعة بغية الدفاع، مقابل السلطة التي أخذت الأحلاف تتفيأ تحت ظله بغية السيطرة على المزيد من الأراضي وتوسيع الامبراطورية والتي تطورت لتشمل حالياً بناء الإمبراطورية التكنولوجية والإعلامية، وتجنيد الشبان في المنظمات الإرهابية، عبر توسيع رقعة الأزمات الاقتصادية، التي باتت تنشب مخالبها في أمن الدول واقتصاداتها، فما بين الحرب من أجل الحرية، والحرب من أجل السلطة إشكال حقيقي يقف في مسار تطلعات الأمم نحو الرفاهية وتحقيق القوة المادية والروحية، وهما وجهان متقابلان يحققان .. نتائج متباينة تتمايل مابين توطيد الإيجابيات والسلبيات في وقت وآن الحروب الحديثة التي تغلفت بصبغة الحرية والتحرر الوطني والتي أنتجت أبواقاً قومية وطائفية، انتقلت لمسمى آخر غايته التحرر من تلك الأبواق عبر مرحلة الربيع العربي، الذي هب ليقتلع الأخضر واليابس، ولينقل هذه الشعوب من خندق الدفاع عن السلطة ضد المستعمر، إلى خندق اجتثاث السلطة لكونها المستعمر والمغتصب .. الوحيد لكل حق حيث كانت السلطات الديكتاتورية إنتاجاً عن سبات فكري واغتراب كلي عن ما يحدث ووجوديتها استمرار لرسوخ بطالة التفكير والشعور بضرورة مواجهة الأخطاء الناجمة عن تفكك البنى الاجتماعية وضياع معالمها،، عبر قبول نظرية المؤامرة، أو استبدال لها من خلال اعتناق مذهب الحرية حيث نزعت الحركات الثورية والدينية والقومية عن أتباعها العقل المعرفي، وقادتهم لميادين التصارع كعبيد، ودعتهم للبحث عن الأوهام، مصدرة روح التقديس وعبادة الأشخاص وتشخيص الرأسمالية العقيم وجعلها فزاعة، يحظر فهمها بموضوعية وتجرد، إلا وفق ما ترتأيه ذهنية منظريها الذين كان لهم نصيب من الولاء لها ولذهنية ..القمع وبمنطق مغلف بمثالية جوفاء، أخصت كل عقل أو فكر حر يقول لا كانت تلك الخديعة الاشتراكية التي ألقت بالمجتمعات في كهوف الغيبوبة والعزلة الفكرية عن العالم ومنجزات معرفييه الذين يرون أن خاصية المعرفة تجعلهم القادرين على نزع فتيل الأوهام الإيديولوجية الفظة، والدعوة لعولمة الخلق والنهوض، محل بؤس الشعارات والتقنع بأفكار لا تقل خطورتها عن خطورة التسليم الديني لجملة ، شعائر وطقوس، عبر إطلاقها لشعار الثورة والتغيير الجذري للمجتمع وبالتالي فليست الحرية سوى وهم فرضته السلطات وقامت بتسويقه لأجل إقامة ديكتاتورية أقوى وأشرس من سابقتها، فالحرية بصيغتها الحقيقية مطلب اجتماعي فكري قائم عبر إتاحة المجال لفتح قنوات تواصلية بين كافة شرائح المجتمعات وليس مجرد شعار ترويجي فضفاض المراد به التجنيد والتسليع والاستغلال والقفز فوق المطالب المشروعة، وممارسة الإقصاء الفعلي من خلال أساليب متعددة ومنها التلاعب بالقانون،حيث باتت الحرية في الشرق الأوسط رهينة مصيدة النظم الشمولية التي لم تقدم للشعوب سوى الأوهام عبر عزفها للشعارات التي عطلت دور التفكير النقدي لدى النخب الشابة وذلك بوضع مناهج تجهيلية وإرهاق الشباب بالبطالة ووضعه في خانة الانكفاء عن ممارسة أي جهد إبداعي .من شأنه أن يرفع من مستوى الحياة والمعرفيون غير المنحازون لترهات السلطة التجهيلية،عرفوا الحرية من خلال قدرتهم على التمييز والخلق، وإيجاد بدائل ومعالجات لمختلف الظواهر والعيوب المستشرية داخل شرائح المجتمع بسبب الضغط الاحتكاري، وعبر إيضاح مفهوم الحرية عبر رفع القيد على العقل وكذلك التأكيد على حرية الرجل والمرأة والكف عن تسليع المرأة واستغلالها تحت يافطة تحريرها، ولعل أزمات الشرق الأوسط والعالم العربي تتخلص في جملة المفاهيم المرتبطة بالأعراف والطقوس الدينية التي تأخذ الصبغة السياسية المتعلقة ببقاء نفوذ الحكم الاستبدادي الفئوي، والتي أعطت لقيم الذكورة السيادية الدور الأشمل في طمس معالم النهوض المعرفي وأيضاً تجفيف منابع الحكمة لديها وتأسيس حالة من الغيبوبة والانفصام عن الذاكرة الاجتماعية، حيث سيقت المرأة مع الرجل لعالم الظلام وعبادة السلاح مقحمة الدين والقومية وشعارات العصرنة الزائفة في أتون هذا الصراع السلطوي المحض، خدمة للمنافع الفردية على حساب حاجات العموم من الفئات الاجتماعية لتتشكل أبعاد الحالة الاغترابية، فإشراك المرأة في عملية التغيير والبحث عن الحلول لكافة الإشكالات السيكولوجية هو بداية للخروج من مختلف الأزمات التي تتلخص في سوء التربية والنظام التربوي، تحكم المؤسسة المستبدة به، عملت على تفريخ القادة المرضى والحمقى على الدوام،لذا يتجلى المعرفيون والمعرفيات عبر الحياة، ليثبتوا أنهم قادرون على تشكيل جبهة معرفية شاملة لمواجهة الأمراض المستعصية، ومحاربة التطرف أياً كان شكله والفساد أياً كان نوعه، حيث أن التجهيل يفتح المجال لدوام الاضطهاد والاستغلال، خلاصة الأزمات محصورة في تواطئ رجال السياسة مع رجال الدين والاقتصاد، على تقاسم الموارد العامة التي هي مجموع حاجات الشعوب وقوتها، حيث أن سيطرة رجال المكاسب على أمن المجتمع لأجل صون النفوذ وتحقيق المنافع المادية على حساب حاجات الأكثرية، يبقى القيم الأخلاقية في خطر مزمن، يفتح الباب أمام توافد المآسي والنكبات ما فحينما تتحرر الإرادت من البطش، تتوقف عندها معاناة المجتمع ومن هنا تتجلى ضرورة القوانين المستنبطة عن تجارب المعرفيين الأحرار، في قدرتها على ضبط وردع كافة الأفراد وتفعيل سيادة القانون المدني ووضعه في خدمة كافة الفئات الشعبية على مختلف انتماءاتها وتوجهاتها، لا وضع القانون كسلاح مسلط على رقاب الفئات الفقيرة عبر إرهاقها بالضرائب التي تستنزفها حتماً

فضرورة تشكيل هيئات معرفية مؤسساتية لمواجهة الأمراض السلطوية بات الحاجة القصوى لوقف الحروب والنزاعات الأهلية والتناحر المذهبي والحزبي ووقف للفساد الإداري، فالأمانة الملقاة على كتف المرأة المعرفية في ألا تكون صنيعة وأداة الرجل السلطوي وألا تكون شريكة أخطاءه في تقديس المدنس، ولابد من الإشارة هنا على أن الرأسمالية كنظام تاريخي، لا يمكن الحد من آثارها قطعاً، كي لا تظل محاربتها عباءة يستسيغ لبسها بعض المتوهمين بمحاربتها وتجسيد مساوئها، على العكس، إن المعرفيين يرونها حالة طبيعية تجسد الصراع التاريخي القائم بين أنصار الحياة المعرفية، وأنصار الجشع الربحي، ولكن السيادة الطبيعية، هي سيادة العقل المبدع، وحدته النفسية في مواجهة الكوارث التي تنجم أصلاً جراء التطبيق المريع والرديء لما يتم الإيمان به، حيث أن تباعد المنهج عن العمل، لهو الظاهرة الأكثر بشاعة من القول بأن الرأسمالية باتت الوجه المرعب والتي يمكن أن نلقي كل عيوبنا عليها وحدها، إن مذهب التحامل الإيديولوجي، في كثير من الأحيان يسير في منحى طريق مسدود، يتلخص في التنظير الممل الذي يلخص حالة الالتفاف والمواربة دون حل الإشكال الحقيقي المتجسد في الغطرسة والإقصاء وتدمير مكتسبات الإنسان العاقل وتحت أي ذريعة محاربة الرأسمالية أو مناصرتها، الدفاع عن الدين أو القومية، أو الكفاح لأجل الاشتراكية، كل تلك الذرائع لم تزد الطين إلا ..بللاً، ورسخت السلطة القامعة للمعرفة والمعرفيين عبر العصور

فإلغاء التبعية الأنثوية للرجل هو طريق لتبديد الروح السلطوية لديه، وطرح مبدأ التشاركية في الحياة، هو عودة طبيعية لقيم الحضارة،وصنع القرار المشترك فيما بين الجنسين، هو بمثابة إعادة تفعيل لقيم الحياة انطلاقاً من العائلة ومروراً بمراكز الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، والعسكرية، وهو مؤشر للانتفاضة ضد مخلفات الاحتكار والإقصاء والازدواجية

فصيانة القيم الطبيعية مهمة الرجل والمرأة في تأسيس المجتمع الطبيعي المبني على سيادة القانون المدني

ويتجلى انتصار المرأة المعرفية من خلال استخدامها لسلاح الجمال الطبيعي المتأتي من قدراتها التي وهبتها لها الطبيعة، وسلاح

المستنير في الذود عن نفسها والرجل والأبناء لكيلا يقعوا فريسة الإهمال والخيلاء والاغتراب، وبناء المجتمع المعرفي هو تمجيد للحرية كقيمة طبيعية لا كصناعة تدخرها المنظومة المافيوية بغية تنويم الشعوب وتهويمها وزيادة البطش والعبء المادي عليها والمتجسدين في ترويج العنف والتجهيل

فالحب وجود والوجود معرفة، فلسفة تعد استكمالاً لمسيرة المجتمع الأمومي في مزاياه وخصائصه، وامتداد لعهود الحضارة، حيث كانت المرأة المعرفية تقف فيه أمام جمع غفير من التلامذة، لتلقنهم أكثر النظريات الكونية التي تتحدث عن بطليموس وعلومه عن الكون ودوران الأرض، إنها المعرفية (أغورا) التي راحت ضحية التزمت الكنسي آنذاك والتي في عصرها تم إحراق مكتبة الاسكندرية والتي احتوت آلاف المخطوطات التنويرية،حينذاك، ويقف المعرفيون والمعرفيات اليوم في عصر مشابه للسواد من العصر البائد، حيث باتت المجتمعات الشرق أوسطية بين سندان قمع النظم الديكتاتورية ومطرقة التطرف الإسلاموي والتجهيل المذهبي ونجد بوادر الانتعاش المعرفي المتجسد في رباط المرأة والرجل في تشكيل قوات الحماية الشعبية الكردستانية التي ورغم المخاض العسير الذي تمر به استطاعت تحقيق بعض ملامح النهضة المعرفية في تتويج مرحلة الانتفاضة الذهنية في سوريا وغربي كردستان، حيث يؤمن المعرفيون بأن صناعة المصير هو من صناعة الحرية بصيغتها الشاملة وهو مفتاح تلاقح الشعوب بعضها ببعض على قاعدة معرفية تصون الوجود

 

ريبر هبون*

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم