صحيفة المثقف

اردوغان لا تتعجل سيقول الشعب التركي كلمته

ali jabaralfatlawiتركيا اليوم على كف (عفريت) بسبب السياسية الرعناء لأردوغان ومجموعته الحزبية التي تشعر انها فوق مستوى البشر، بل ويشعر أردوغان أنه أمبراطور عثماني يجب على الجميع أن يطيعه وينفذ أوامره، وقد جُنّ أردوغان وحزبه أكثر عندما تمّ الاتفاق بين إيران ومجموعة (5 + 1) النووية، الاتفاق الذي سيجعل من إيران دولة أكثر قوة وسيزداد نشاطها في المستقبل لصالح إرادة ومصلحة شعوب المنطقة واستمرار الدعم لمحور المقاومة، وبقاء العراق وسوريا على الخارطة على عكس ما تخطط له إسرائيل وأمريكا، هذه المعطيات دفعت تركيا الأردوغانية للتفكير بمشاريع يخيل لها أنها ستحد من دعم إيران إلى المقاومة ودعم حلفائها في المنطقة.

لا أحد يشك ولا الشعب التركي كذلك، أن أردوغان وحزبه وحكومته قد احتضنوا الإرهابيين من داعش والنصرة ومنظمات التكفير الأخرى تدريبا ودعما لوجستيا ضد سوريا والعراق، وقد كشف زعماء المعارضة التركية والشعب التركي هذه التدخلات للحكومة التركية في شؤون الدول المجاورة ودعمها للإرهاب، والكل يعرف أن الإرهاب نار لا بد وأن تحرق يد من يؤججها في يوم من الأيام، واليوم ظهرت نتائج دعم الحكومة التركية للإرهاب من خلال التفجيرات التي حدثت في مدينة (برسوس) الكردية، وأعمال تخريب أخرى تضرر منها الشعب التركي، وليس أردوغان وحزبه .

يرى بعض المراقبين أن ما حدث في تركيا من أعمال إرهابية خاصة في مدينة (برسوس) هو عمل مخطط له ومحسوب، تريد حكومة أردوغان وأغلو تحقيق غايات منه، منها أن الحكومة التركية تريد أن تظهر أمام الشعب التركي وشعوب العالم أنها أيضا مستهدفة من الأرهاب، سيما بعد افتضاح أمرها في دعمه، إذ تحولت تركيا إلى قاعدة خلفية للإرهابيين، خاصة الأجانب القادمين من دول أخرى، والأمر الآخر الذي تخشاه حكومة أردوغان وأغلو هو فوز الحزب الكردي وبعض اليساريين في الإنتخابات الأخيرة، وبحجة هذه التفجيرات شنت الحكومة التركية حملة اعتقالات في صفوف الأكراد واليساريين المعارضين تحت غطاء التفجيرات الأخيرة، من أجل خلق مبررات لانتخابات جديدة بعد أن خسر أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) الكثير من مقاعده في الانتخابات التي جرت في (7) حزيران من هذا العام (2015)، والغاية الأخرى التي تريد حكومة تركيا تحقيقها من التفجيرات ومن إدعاء عدائها لداعش، الضغط على داعش التي بدأت تتقدم على حساب منظمات الإرهاب الأخرى المدعومة من تركيا كمنظمة النصرة، والهدف المهم الآخرهو اقتطاع جزء من الأراضي السورية المحادية لتركيا كي تكون منطقة عازلة بين سوريا وتركيا، لتستقر فيها منظمات الإرهاب المدعومة من تركيا ودول أخرى كي تكون قاعدة ينطلق منها الإرهاب لاسقاط حكومة الأسد، والملفت أن حكومة تركيا منذ بداية الأزمة السورية لحد ما بعد الانتخابات التركية وهي تدعم داعش وجميع المنظمات الارهابية بقوة، لكن بعد الانتخابات ربما أتت تعليمات الراعي للحكومة التركية وحكومات العرب في المنطقة بتغيير المعادلة من صالح داعش في سوريا لصالح منظمات إرهابية أخرى، لم يتغير شيء سوى تغيير في خطط الأسياد، وما على حكومات المنطقة التابعة لهم إلّا تنفيذ الأوامر، والامر الملفت الآخر أن الحراك التركي الجديد من أهدافه الكرد في سوريا وتركيا، فبعد أن كان أكراد سوريا هدفا للارهابيين فقط، أصبحوا الآن هدفا للإرهابيين وهدفا للحكومة التركية بشكل مباشر، أي أن الحراك التركي ضد داعش مثل ما تدعي جاء لنصرة منظمات الإرهاب الأخرى التي تقاتل الكرد في سوريا، ولكي ينتقم أردوغان من أكراد تركيا بسبب فوزهم في الانتخابات .

إن هدف إسرائيل وتركيا هو إسقاط سوريا وتمزيقها إلى دويلات صغيرة تابعة في النفوذ إلى حكومات المنطقة العميلة إلى أمريكا وإسرائيل، وهذا هو المشروع الصهيوني الجديد لدول المنطقة خاصة سوريا والعراق، لأنهما الدولتان الوحيدتان اللتان تدعمان المقاومة ضد إسرائيل، كذلك اليمن وحزب الله في لبنان، ومن الآن بدأ بعض المسؤولين الامريكان يصرّحون أن العراق وسوريا قد اختفيتا من الخارطة أو في طريقهما للاختفاء، وتتمنى أمريكا والصهيونية أن يكون البديل دويلات صغيرة طائفية وقومية كلها تابعة للنفوذ الأمريكي الصهيوني، وهذا يعني أن الحراك التركي الأمريكي ومعهم بقية الأدوات هدفه (سايكس بيكو) جديد للمنطقة، وزاد الحراك في هذا الاتجاه بعد الاتفاق النووي مع إيران الداعمة لمحور المقاومة، لذا لابد من الهجوم على دول المقاومة في العراق وسوريا واليمن من أجل إنجاح المشروع الصهيوني التقسيمي الجديد، وقد صرح (هايدن) رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق أن (سايكس بيكو 1916) قد انتهى دوره ، وهم بصدد وضع ( سايكس بيكو) جديد، هذه هي الأحلام الأمريكية الصهيونية في الوقت الحاضر، ويتعاون معهم لتنفيذ هذه الأحلام أردوغان وحزبه ومحور الحكام العرب، مستخدمين منظمات التكفير والأحزاب الوهابية السياسية المتطرفة كجماعة الأخوان في تحقيق هذه الأهداف الصهيونية الشيطانية .

حزب (العدالة والتنمية) التركي ينتمي فكريا إلى جماعة الإخوان المسلمين، لكنه يرتدي لباس الليبرالية لهذا يعده البعض حزبا ليبراليا، الحزب لن يعلن عن هويته الدينية المتطرفة خوفا من الشارع التركي الذي تسيطر عليه العلمانية، وفي مراحل سابقة كانت العلمانية المتطرفة هي المتحكمة، وكان أي حزب يحمل سمة دينية يُحل بالقوة من المحكمة العليا أوالجيش، لذا سار أردوغان وحزبه في سياسة ناعمة مع الشعب التركي خاصة في الدورة الأنتخابية الأولى التي فاز فيها الحزب، واستطاع (حزب العدالة والتنمية) خلال الدورة الثانية من طرد الكثير من الضباط الذين يتخوف منهم أردوغان، كذلك طرد قضاة المحكمة العليا وجاء بقضاة يتعاونون معه، وقد شعر الشعب التركي بهذه التغييرات لذا قال كلمته في الانتخابات الأخيرة فخسر الحزب الكثير من المقاعد رغم استخدام الحزب للسلطة في خدمة حراكه الانتخابي، لقد نجح أردوغان في تصفية معارضيه، ونجح في تضليل الشعب التركي وبعض المراقبين، بفكرة أن حزبه المنتمي إلى فكر الإخوان المسلمين العالمي ليبرالي ومعتدل، وإسرائيل وأمريكا مقتنعتان أن الأحزاب المنتمية إلى فكر الإخوان هي الأصلح لخدمة مصالحهما على الأقل في المرحلة الراهنة، في حين إن حزب الأخوان بكل مسمياته في العالم، ومعه الحركة الوهابية يتغذيان من منبع واحد هو فكر وآراء إبن تيمية المنحرفة عن مبادئ الاسلام، ورغم أنهما ينتميان إلى منبع واحد إلا أنهما يختلفان في المصالح وأسلوب العمل، لكنهما يتوافقان ويتفقان على أهداف مشتركة منها العداء للمسلم الآخر المختلف، والعداء للمقاومة ولمن يدعم المقاومة ضد إسرائيل، إن الاسلام السياسي الوهابي يدعو إلى الصلح مع إسرائيل وتحريم قتال اليهود الصهاينة في فلسطين، مع وجوب قتل المسلم المختلف الذي لا يوافقهم في الفكر والرأي سنيا كان أو شيعيا، لقد وصل الصلف الأمريكي وصلف عملائهم من الحكام العرب وحكومة تركيا الاردوغانية أن يعدوا المقاومة إرهابا، والإرهابيين التكفيريين في سوريا والعراق واليمن ثوارا، ووفق هذه المعادلة الظالمة والمضللة قامت السعودية بدعم أمريكي بعدوانها على شعب اليمن .

الكثير من أبناء الشعب التركي عرف حقيقة أردوغان وحزبه ودعمهم للإرهاب وبات الأمر مفضوحا، وقد فضحت المعارضة هذا الدعم، وقبل الانتخابات التركية ضُبطت سيارات تحمل إسلحة إلى الإرهابيين في سوريا، الشعب التركي عرف الحقيقة رغم مسرحيات التمثيل والتضليل التي يقوم بها أردوغان وحزبه لإخفاء هويته الحقيقية في دعم الإرهاب والتكفير، أردوغان يدعم داعش وجميع منظمات الإرهاب الأخرى، وهو يتصرف كامبراطور أو خليفة وربما تراوده الأحلام أن يكون خليفة للمسلمين بديلا عن البغدادي في المستقبل وجميع الأحزاب السياسية الإسلامية الوهابية تراود قادتها هذه الأحلام، ومحمود مرسي في مصر كشفت تصرفاته وسلوكه عن مشاعره وهو يتكلم وكأنه خليفة، لكن الشعب المصري شخّصه بسرعة ورفضه ورفض الأخوان معه، مما أزعج أردوغان كونهما ينتميان إلى نفس الفكر الإسلامي السلفي المتطرف الذي يتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق الأهداف، وما حصل من تفجيرات في تركيا وما يحصل في مصر إنما يقع ضمن هذه المعادلة .

في تقديري إن الشعب التركي لم يتخذ بعد قرارا حاسما بخصوص أردوغان وحزبه الحامل لفكر وثقافة جماعة الإخوان المسلمين والذي يدعي الليبرالية زورا، وجماعة الإخوان في هذه المرحلة على الأقل مدعومة من الحركة الصهيونية وأمريكا، في رأيي إن لم يتخذ شعب تركيا قرارا شجاعا ضد أردوغان وحزبه السلفي فإنه سيقود تركيا بالتدريج إلى عهود الظلام، وعصور الظلام هذه يعدها جماعة الإخوان عصرهم الذهبي الذي يحلمون في تحقيقه في يوم من الأيام، سيما بعد أن حُرموا من السير في هذا الإتجاه في مصر بعد أن ضيعها عليهم الشعب المصري في ثورته ضد محمود مرسي وحزبه، أردوغان لا يختلف عن مرسي في الفكر سوى أن أردوغان يسير في خطوات حذرة ومحسوبة، ولم يندفع في مواقفه التي تستفز الشعب التركي مثل ما فعل مرسي، بل يسير في سياسة الخطوة خطوة، لأن الشعب التركي كان يعيش حياة علمانية لا علاقة لها بالدين، وأردوغان وحزبه حذران في هذا الجانب، فلن يقدم على خطوات كبيرة تستفز مشاعر وثقافة الشعب التركي العلمانية، في حين أن الشعب المصري كان الأسرع في اتخاذ القرار ضد جماعة الإخوان، لأن محمود مرسي استفزهم في كثير من التصريحات والمواقف .

اشترك الشعب التركي في الانتخابات الاخيرة بنسبة عالية، ذكرت التقارير أن نسبة المشاركة بلغت (84 %) حصل حزب أردوغان فيها على (258) مقعدا من أصل (550) مقعدا، وهذا العدد لا يحقق لحزب العدالة والتنمية الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة ألّا بعد أن يأتلف مع أحد الفائزين المعارضين، وأردوغان عنده مشاكل مع المعارضة بكل اتجاهاتها، الأمر الذي دفع أردوغان في خلق المشاكل ومنها التفجيرات من قبل حلفائه الإرهابيين ليخلق مبررات إعادة الانتخابات على أمل أن يحصد حزبه على مقاعد أكثر في الانتخابات المعادة، وقد بدأت الضغوط تزداد بالفعل على المعارضة بعد التفجيرات، خاصة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وعلى السياسيين المحسوبين على اليسار، وفي هذه المرحلة يجب أن يكون الشعب التركي واعيا لهذا اللعب والتضليل المدعوم من أمريكا وإسرائيل .

لقد صُدم أردوغان وحزبه من النتائج المخيبة في الإنتخابات الأخيرة رغم استغلال نفوذ السلطة، وأرى أن طريق الهبوط في سلّم الفشل وانحسار التأييد الشعبي مستمر رغم محاولات أردوغان تزيين الصورة، لكن النوايا المبيتة لأردوغان وحزبه كُشفت للشعب التركي، خاصة دعمهم للإرهاب واتضحت أكثر بعد التفجيرات وحملة الاعتقالات التي أعقبتها، إن خسارة أردوغان في الانتخابات يعني انحسار التأييد والدعم للإرهاب في المنطقة، وخسارة أردوغان تُعد نكسة للإدارة الأمريكية وإسرائيل، اللتان تريدان من جماعة الأخوان حلفاء جدد في تركيا وبقية بلدان المنطقة، إن لم يكونوا بديلا عن السعودية ومحورها، على الأقل شرطيا إضافيا لحماية المصالح الأمريكية والصهيونية .

 

علي جابر الفتلاوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم