صحيفة المثقف

لا تلوموني عن بيع احد اولادي

dawd alkabiتعرضت في حياتي الى هزتين قاتلتين، نفسية ومالية، بلغتا تسع درجات على مقياس ريختر، كادتا أن تفقدني صوابي، والصحيح بالفعل فقدتني صوابي . ذلك قرار بيع اثمن كنز امتلكه في حياتي الفانية، وهي مكتبتي، حديقتي الغنّاء . المرة الاولى في سنوات الحصار الاقتصادي الظالم على العراق بسبب السياسة الرعناء التي جثمت على صدر البلد حتى قادته الى مستقبل مجهول، وهي التي جاءتنا اليوم بهذه الحثالات التي تدير دفة البلد بعد انهيار النظام الشمولي السابق . فلولا ذلك النظام لم تتجرأ الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها بدخول العراق عن طريق غير شرعي فتحتله، لتقول لنا بعدها انها جلبت معها (الديمقراطية) مع عدد من المتسيسين، ولا اقول السياسيين، على ظهور الدبابات لغرض انتخابهم حتى يكونوا (شرعيين) ليتسنموا الحكم، فكانت النتيجة فساد في كل شيء انهك الشعب واقعده على بساط الفقر والضنك، اذ ارتقى الجهلة والاميون وانصاف المثقفين والوصوليين الى مناصب مرموقة في الدولة وانفردوا بالقرار .

واما الوطنيون والمثقفون واصحاب الشهادات، فالذي ركن منهم ركن، والذي هاجر البلد هاجر، والذي طالته التصفية صفوه، والهدف واضح والطريقة مفهومة، وكل شيء مرسوم على وفق خطط واستراتيجية كتبت مسبقا، واعدت لها السيناريو قبل عدة اعوام من احتلال العراق، واكبر دليل على مانذهب اليه هو حل الجيش العراقي العظيم الذي كان اكبر قوة في المنطقة، ويهابه الجميع .

واما الهزة، او قل النكسة الثانية فهي في منتصف عام 2015، سنوات الدواعش ومن جاء بهم من الاولين والآخرين، عندما عصفت بي الظروف المالية والقت بظلالها على اجواء محنتي، فسلمتني للايام ريشة في مهب الريح . وهنا وجب عليّ أن الوذ بركنٍ شديد، او أن ارتقي الى جهة ما، لكن لا عاصم اليوم من أن اتسلف بعض الاموال لسد حاجتي ودفع محنتي، واما أن ابيع مكتبتي، فخيرت نفسي بين الشرين . مكبتي التي اشتريتها بجهدي وصبري، ومنعت نفسي من اشياء كثيرة لأجل شراء كتاب أنا في امس الحاجة اليه اهديه الى فكري الجائع المتعطش ليسد رمقه ويشفي غليله، وهو تعويض عن الكتب التي بعتها . في حين انظر الى مئات الاشخاص من حولي يمتلكون اموال قارون، لكنهم ليسوا بمستعدين لشراء كراسا واحدا بقيمة الف دينار.

فقررت أن ابيع مكتبتي، وانهي الازمة، ويا له من قرار، انه اصعب من قرار اعلان حرب طاحنة تقضي على الاخضر واليابس، فبعتها بثمن بخس دنانير معدودات وكنت فيها من النادمين، نعم ندمت على فعلي هذا واعتبرت ذلك حماقة، لكنني مجبور على فعلها .

واسمع رأي القارئ يقول: انك لست اول من يبيع مكتبته، فقد فعلها قبلك مئات المثقفين وربما آلاف، اقول هذا صحيح ولا غبار عليه، لكن ذلك يترك جرحا لا يلتأم الى ابد الآبدين . كنت ولا زلت اعتبر مكتبتي هي بمثابة اولادي، وحين بعتها كأنني بعت احدهم، فهل قراري هذا كان جرما تحاسب عليه القوانين الثقافية والاخلاقية والابداعية ؟ .

 

نسخة منه الى:

رئيس الجمهورية اشارة الى مقالي اعلاه ليس للحفظ، وانما للايعاز باتخاذ اجراءاتكم النبيلة. علما قد تم بيع مكتبتي بالمناقصة العلنية، وهذا شر البلاء .

الى رئيس الوزراء المبجل للاحاطة بالعلم .

الى رئيس البرلمان المنظم، لتعضيد ازمتي ورفعها الى الجهات المختصة .

الى وزير الثقافة المعلم على قدر تعلق الامر بكم .

السادة قرائي لا تلوموني على فعلي هذا .

 

داود سلمان الكعبي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم