صحيفة المثقف

أسحبوا الوكالات من الدُببة وأمنحوها للنمور

ألم يأن الآوان للحوزة العلميّة في النجف وتجليّاتها القميّة أن تتوقّف عن إنتاج الدُببة؛ لتصنع لنا نموراً قبل أن تنهشنا الذئاب والكلاب؟!

سأتحلّى بالجرأة هذا اليوم، واتجاوز (بعض) الخطوط الحمراء، وأحكي لكم وجعي الذي سيجلّي للقارئ (جزءاً صغيراً) من كواليس صمت بعض المرجعيّات الدينيّة عن تأبين الشهيد النمر والإشادة ببسالته وشهامته، فالتكوين (الثوريّ) والعلميّ للنمر لم يتأتّ من مقفّلات كتاب: كفاية الأصول ولا من إتقان حلول الشبهة العبائيّة، ولا من الجلوس عشرات السنين تحت منابر دروس الخارج (التقليديّة) في حوزتي قم والنجف؛ فهو ـ كما هو واضح لديهم ـ خريّج (حوزة القائم) في طهران، والتي لا تعترف جميع المرجعيّات الدينيّة المتقاطعة: باجتهاد وفقاهة مؤسِّسها، فضلاً عن طلّابها، بل تؤمن بالانحراف العقائدي لبعض مدرِّسيها، ومع هذا كُلّه نجد إن هذه الحوزة ـ بغض النظر عن القناعة الشخصيّة فيها ـ أنتجت (نمراً) أحدث ضجّة إيجابيّة أقليميّة ودوليّة كبيرة؛ من خلال مواقفه البطوليّة ومقارعته للظلم والاستبداد على اختلاف ألوانه وصوره، وسيخلّده التاريخ مع الشهداء شئنا أم أبينا، أبّنّاه بأنفسنا أم أبّنته مكاتبنا، أتقن أسطورة الصناعة الفقهيّة أم لم يتقنها، في الوقت الذي نلحظ فيه إخفاق الحوزات (التقليديّة) في صناعة النمور، بل سعت جاهدة إلى تدجين من يحمل استعداد ذلك؛ لتحوّله إلى دُبٍ أليفٍ يهتم بمصالحه ومصالح مدجنيه فقط.

دعونا عن (بعض) التجارب الثوريّة الحوزويّة وسياقاتها؛ فأنا أعي تحفّظ البعض عليها مهما اختلفنا معهم في أسباب ذلك، لكننا اليوم في مواجهة حقيقيّة بين الوجود والّلا وجود، فعلينا أن نعترف بضرورة إعادة النظر بمناهج حوزاتنا التربويّة والتعليميّة، وأن نعقد مؤتمرات يجتمع فيها علية القوم من حوزة قمّ والنجف ولن يجتمعون؛ تتكفّل تدارس الوضع ومخاطره، لتخرج بنتيجة مفادها: أسحبوا الوكالات من الدُببة في تلك المناطق، وأمنحوها إلى النمور.

إن حركة الشيخ النمر واستشهاده أثبتت للحوزات العلميّة بوضوح: إن من يصنع الغليان الشعبي ويبثّ الوعي الصحيح في العالم الإسلامي لا يُشترط فيه الخروج من رحم الحوزات العلميّة (التقليديّة) حصراً، بل ربّما نجد العكس؛ فهذا هو نمر الحجاز أجبر الحوزات على أن تكون تابعة له ومنساقة، واضطرها لاصدار بيانات تأبينيّة حتّى وإن كانت خجولة، رغم إنّه لم يخرج من رحم مقصلة فقاهتهم وأدواتهم المتعارفة، ونجد في الطرف المقابل: إن (بعض) من خرج من رحم هذه الحوزات ساهم في إذكاء الصراع الشيعي الشيعي في مناطق الخليج، وربّما يكون هو السبب الأساس وراء لوذ بعض المرجعيّات الدينيّة بالصمت والامتناع عن التأبين.

وأخيراً بودّي أن أسجّل ملاحظتين:

الأولى: أكنّ كلّ الاحترام والودّ والاعتزاز والتقدير لكثير من الوكلاء من أهل الفضل والعلم والشهامة في تلك المناطق وغيرها، ولا أهدف من مقالي التعريض بهم لا سمح الله، بل أرنو الحديث عن ظاهرة استفحال الدُببة وفقدان النمور.

الثانية: مدرسة القائم أُسّست من قبل السيّد محمد تقي المدرسي في بداية ثمانينات القرن المنصرم، وقد اُستدعي للتدريس فيها بعد ذلك: أحمد الكاتب، الباحث الشيعيّ المثير للجدل، لذا وجب التنويه؛ لرفع الغموض الذي ربّما يلفّ بعض سطور المقال.

 

ميثاق العسر

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم