صحيفة المثقف

العرب وعام الهجرة الى المجهول!!

نبدأ من هجرة السوريين بعد أن خفّت هجرة اونزوح العراقي من حروبٍ قضمت عمره.. لم يجنِ منها سوى شيخوخة مبكرة، كلّ هذه السنين المملة من الحروب والقتل والدمار، وانتشرعلى خارطة الكون، هرباً من الجحيم، بعد أن عاد العراقي الى بلده المُخرّب بالحروب والمليشيات سابقاً، والإرهاب بجميع أشكاله وألوانه وأجناسه حالياً.

الاتجاه يأخذُ منحىً عكسياً في العراق من حروب الخارج الى الداخل: فـ «بحسب إحصائيات رسمية صادرة عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، فإن 11118 عراقياً، قتلوا وأصيب 18419 آخرون في تفجيرات وأعمال عنف مختلفة»، وأضعافُهم من السوريين، رغم الهجرات والنزوح واللجوء بجميع الاتجاهات من البلدان الأقرب الى الأبعد، وصولاً الى الدول القطبية، إمّا الحُكّام فأنهم يعيشون في كوكبٍ آخر في قصور الذهب والجواري والسحرة والحوات وقارئات الفنجان والمنجمين في الفضاء والأفلاك وسواهم من غير الاسوياء !! وانتقل العرب الى مرحلة جديدة من البحث عن الماء والكلأ في الصحراء الى السياحة الجميلة، ليس بحثاً عن الماء والكلأ، ولكن هرباً من الخوف الذي يجمع الإرهاب والمليشيات والحُكّام ويفرّقهم، فلا يجدون مفراً من الهروب اوالنجاة بأنفسهم،وتسهيل مسألة هروبهم نحو المجهول أو جنان الارض أو الموت!! نحنُ كعرب لا نشعر بأيّة غربة بأي بلد، نجدُ العرب في كل مكان، بعضهم منذُ عقودٍ طويلة في الشوارع والحدائق والأسواق والمطارات أينما نذهب.. وحين يعرفونك، يتطوعون لترجمة رطانة الغرباء الى عربية مفهومة، فنصابُ بالدهشة .. الى هذا الحد وصلت فتوحاتنا وتسولنا الى أقصى البلدان والمطارات والموانىء والأسواق من كل صنف بفضل الإرهاب ونحنُ غير راضين عنه!! واثناء ترجمته رطانة الغرباء، لا ينسى أن يقول لك : لقد فقدت زوجتي أو طفلي وأعيشُ مشرّداً، أنام تحت أي سقفٍ يحميني من البرد بعد خلاصه من معسكرات الخيام والجوع اوتهمة الإرهاب، أو أنني جائع.. لم آكل منذُ يوم أمس، أو قطعوا عني المعونة، لأنني لم ابحث عن عملٍ أو لم ادفع إيجار الشقة الصغيرة التي تؤويني، أو أنت من أي بلد؟ لا أعرفُ اخبار أهلي وما حدث ويحدثُ لهم منذُ أن هاجرتُ هرباً من الإرهاب الذي يلاحقني الآن في هذا البلد كتهمة .

ونحن لا ننسى فلسطين كذلك، وهجرة وتهجير الفلسطيني من وطنه فلسطين بحدّي الإرهاب الصهيوني وخيانة الحُكّام،هُجّر وشُرّد وقُتِل، ومن نجى نجدهُ أو نجد احفاده أينما ذهبنا .. شرقاً وغرباً ينتطرون العودة،ولكن اسرائيل غير متأكدة بعد كل هذه السنين، إن ابناءهم واحفادهم ينتظرون العودة الى فلسطين .. نعم أنا سمعتُ ذلك من جميع الفلسطينيين الذي قابلتهم في البلاد العربية وخارجها .. يودون العودة الى فلسطين.. ويعتبرون أنفسهم غرباء خارج فلسطين، وبعد الفلسطيني تبِعهُ العراقي وجاء دور السوري، وربّما اليمني لاحقاً، اذا تراخى في طرد الغزاة الذين دمّروا بلده والإرهاب الذي جعل اليمنيين اعداءاً، فدمّر الإنسان والحجر !! عن ماذا نكتب ونقول:العراقي، عاد ووجد بلدهُ مُخرّباً، تنهشُ به الذئاب، والسوري الذي اجبرهُ الإرهاب على ترك دياره، وندم بمنتصف الطريق أو اليمني الذي يُخرّبُ بلدهُ تحالفُ الاشقاء، لتوسيع الفقر والأمّية في بلده، الأصيل بشحن الطوائف والمليشيات والحروب ..فهل ينتظرُ العرب هجرات جديدة في الأعوام القادمة ..والى أين؟! لا احد يعلم .

يؤرقنا ما يعانيهُ العرب في بلدانهم من إرهاب وتعسف أو في المهاجر البعيدة والباردة،وحُكّامهم لا يرفُ لهم جفنٌ.. لا على الطير ولا على الشجر !! ويهمنا كعراقيين، العراقي بالدرجة الأولى عانى كثيراً، وقليلون منهم لم يُجرّبوا النزوح داخل العراق أو في المنافي بسبب الإرهاب وبطش الأنظمة والمليشيات والحروب، وطالما هنالك حروب وإرهاب وقمع ستستمرُ الهجرات والنزوح، لا احد يوقفها .. إنّها متعلقة بحياة بشر مسالمين، يبحثون عن ملجأ أو مأوى يحميهم من شرور الحروب والإرهاب والمليشيات والأنطمة الجائرة التي هي اخر من يهتم بشؤونهم وحياتهم، وشؤون أسرهم المشتتة والتائهة في البلدان والقارات .. ومازالت تنتطرنا كعراقيين موجات جديدة من الهجرات والنزوح، ويحتلُ أرضنا الإرهابيون شِمالاً وغرباً .. إنّهُ حقّاً عام الهجرة واللجوء اوالنزوح، ويحق للأنظمة المستبدة والطائفية والمليشيات والإرهابيين أن يفخروا بأنهُ عام الهجرة .. ولكن الى المجهول أو التشرد أو الغربة في المخيمات، وبلدان اللجوء البعيدة .

إمّا ما ننتظرهُ في العام الجديد، فإنّهُ كذلك معلوم أو مجهول لا فرق!! وامام هذه اللوحة البارنومية، نكادُ نصل لقناعة إن المسؤولين العرب، فقدوا رشدهم !! وفي أحسن أحوال لا يعون مسؤوليتهم تجاه مواطنيهم،اوخرج المواطن من حساباتهم من زمنٍ طويل، لأنهُ قد لا يساوي شيئاً عندهم، ومسؤولٌ عن فقره وتشرده وضياعه في المخيمات البائسة، اوبلدان اللجوء وفي أي مكانٍ يصلُ إليه .. وربّما هم منفصلون عن الواقع، لا يعرفون ما يجري لشعوبهم ومجتمعاتهم من مآسي وضياع وتشرد، وهذه تحتاج الى اخصائيين نفسيين، لمعرفة أسباب انفصالهم عن شعوبهم ومواطنيهم،وهذه هي في الأقل حالة مرضية،جديرةٌ بالدراسة،ربما تستدعي العلاج أو التغيير..

انقضى العام 2015 م، عام فجائعي بمعنى الكلمة وبحق، حروب وهجرات وتشرد ونزوح ولجوء، ونتمنى أن تتوقف امتداداتهُ في العام الجديد، العام 2016 .

 

قيس العذاري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم