صحيفة المثقف

الجواهـري في استذكارغائب طعمة فرمان:

rawaa jasaniطوت العصور ألف بساط وبساط من اسمار السلاطين والفراعين والمترفين، ولكنها لم تقدر، ولن تقدر، أن تسحب بساطاً واحداً من تحت أقدام فنان أصيل

 بعد رحيل الروائي المتألق، والشخصية الثقافية العراقية البارعة، غائب طعمة فرمان، خريف عام 1989 بعث الجواهري الكبير، رسالة صميمية، لتلقى نيابة عنه في ندوة متميزة اقيمت بالمناسبة، في العاصمة السورية – دمشق، وقد كان قد املاها شفاها على احد المقربين، ليكتبها تحريرياً، اذ كان الشاعر الخالد يعاني أنذاك من ضعف البصر- لا البصيرة- وهو في تسعيناته الحافلة .. وفي التالي النص الجواهري:

 

أخي الحبيب أبا سمير

لو تعلم كم أنا حزين عليك، أسيفٌ على فقدانك حتى لأكادُ استميحك العذر في ان استبق في هذا كل الحزينين عليك، بلدك الحبيب الشاخص أمامك حتى الرمق الأخير، وكلّ الموهوبين والملهمين الذين يشاركون اليوم في ندوة تكريمك، ومن هنا وهناك، وممن تعرفوا عليك، خلال ابداعاتك وانجازاتك وألواحك الملونة والأصيلة ومنها (نخلتُكَ وجيرانُكَ) ولا أدري من منّا كان قد استبق الآخر، فلربما قد ذكَّرتني ولربما ذكَّرتُكَ، وأنا أناغي أيضاً نخلتي وجيراني. عندما أقول:

وسدرة نضدها خضر – وساقيةٌ وباسقُ (النخل) معقوف العراجين

حبيبي الغائب

يا أبا سمير هذه لوعة من القلب وعلى الورق، لم أردها أن تكون برقية يتاكَّل البرق من الخاطب، الكثير من وهجها وحرارتها. وانما أردت منها مجرد الاشارة إلى انني انتظر بلهفة اليوم، بل الساعة التي يسعفني بها الزمن وأنا غير مرهق ولا مثقل بالهموم وغيابك في الصميم منها، بل ولا أنا عاجزٌ، لأن أضع القاريء في الصورة منها، من بعضها، من واحدة منها.

وفي ذلك اليوم وفي تلك الساعة سأكون سعيداً أنني عرفتك فناناً وانساناً وطفلاً بريئاً، وهذه (الماسات) الثلاث المقدسة التي أعرف، ويعرف كل قاريء كم هي الكثرة الكاثرة التي تحمل المزيف منها والمصنوع والمقلَّد، ولكنني لا أعرف ولا المنجِّم يعرف، من هم وكم هم الذين يجرؤون ان يقول الواحد للآخر أو الآخر إنني احملها إنني امتلكها، إنني استحقها، إنني أنا الفنان، أنا الانسان، أنا الطفل البريء.

يا أبا سمير، لقد طوت العصور ألف بساط وبساط من اسمار السلاطين والفراعين والمترفين، ولكنها لم تقدر ولن تقدر أن تسحب بساطاً واحداً من تحت أقدام فنان أصيل. ولا أن تمحو اسماءهم وسمارهم ولا فرحهم ومرحهم (وهم يحملون همومهم على منكب، وهمّ سواهم على منكب) ولا "انهم" يستعجلون الموت حباً منهم بالحياة، وبساطك الأخضر الساهر والسامر واحداً منها.

أخي غائب

ان مدى حبي لك هو قصوري وتقصيري معاً في أن أعبر عنه، أما مدى حبك لي فهو نفس من أنفاسك الكريمة والأثيرة والأخيرة.

 

أخوك: محمد مهدي الجواهري

 

- توثيق: رواء الجصاني

.........................

هوامش واحالات:

- نُشر النص اعلاه في عدد مجلة "البديل" المزدوج (16-17) الصادر عام 1991عن"رابطة المثقفين الديمقراطيين العراقيين" .

- شارك في الندوة التابينية – الاستذكارية، للفقيد غائب طعمة فرمان، كل من: يمني العيد، عبد الرحمن منيف، سعد الله ونوس، فيصل دراج، خيري الذهبي.. وزهير الجزائري، وقدمها الكاتب السوري: سعيد حورانيه.

- الصورة المرفقة مع هذه المادة: الجواهري وغائب طعمة فرمان، في فعالية ببراغ عام 1986.. وهي من ارشيف مركز الجواهري في براغ.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم