صحيفة المثقف

إجازات الشيخ الصادقي الطهراني نموذجاً

يمتلك المرحوم الشيخ الصادقي الطهراني المتوفّى سنة: (2011م) منهجاً فقهيّاً يختلف عن المنهج التقليديّ المتداول في عموم حوزاتنا العلميّة، فهو إذا ما أردنا أن نموضعه في المكان الصحيح: «شيخ القرآنيّون الشيعة» [ورفعنا القرآنيّون للحكاية]؛ فلم يكتف سماحته بادّعاء القرآنيّة كما نسمع من هنا وهناك بغية الحصد الجماهيري، بل طبّقها على عموم نتاجاته الدينيّة، وخالف مشهور فقهاء الشيعة في أكثر من: (500) فتوى في عموم الأبواب الفقهيّة... وكيف ما يكون؛ فليس الحديث في هذه الدراسة عن صحّة هذا المنهج وسقمه؛ فهذا الأمر بحاجة إلى دراسة مستأنفة ليس محلّها هنا، ولكن السؤال الذي يعنينا هنا هو التالي:

هل هناك قيمة حوزويّة لإجازات الاجتهاد الصادرة من الشيخ الصادقي الطهراني؛ بحيث يمكن أن نجعلها شهادة شرعيّة يمكن بناء التقليد والمرجعيّة عليها؟!

والجواب: إنّنا إذا أغفلنا جميع الأسباب والدواعي والسياقات التي آلت بالشيخ إلى إصدار الإجازات العلميّة لمن سنذكرهم لاحقاً، وقلنا: إنّها صدرت للتقييم العلمي حصراً ليس إلّا، فإنها في أفضل الأحوال لا تتحدّث عن الاجتهاد الفقهي المعروف والمتداول في الحوزات العلميّة، والذي على أساسه يحرم على الإنسان التقليد ويجوز للغير العمل باستنباطاته إذا ما توفّرت الشروط الأخرى، وإنّما تتحدّث عن منهجه القرآني في استنباط الأحكام الفقهيّة، بل حتّى إذا جاء في هذه الإجازات عبارات للدلالة على ثبوت الاجتهاد الفقهي المتداول في الحوزات العلميّة، فهي ليس لها قيمة أيضاً؛ لأنّها لم تتأتّ من رحم المتابعة اليوميّة للطالب ومعرفة ملكة الاجتهاد الفقهيّ فيه، بل حملت بعض إجازاته (رحمه الله) مفارقة لافتة جدّاً؛ حيث أثبت الاجتهاد القرآني لكتب فقهيّة ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بمنهج هذا الفقه وأدواته، الأمر الذي أغضب "القرآنيّون" من أتباعه كثيراً، وعزوه إلى الخطأ والاشتباه، كلّ هذا يكشف عن التساهل الكبير الذي ينطلق منه المرحوم الصادقي في منح الإجازات؛ بغية تسهيل مهمّة المُجازين وتوفير فرص مستقبليّة لهم.

يقولون: إن الشيخ الصادقي الطهراني أصدر في حياته (5) إجازات اجتهاد فقط، بينها اختلاف مضموني، وتشتمل على صياغات غير دقيقة أيضاً، وبغية الاختصار سأتناول أثنين منها فقط، الأولى: وهي التي تحمل مضموناً أفضل من بينها جميعاً، والثانية: قرّرت الاجتهاد المتجزّئ، وكلا هاتين الإجازتين بالّلغة الفارسيّة، وسنضطر إلى إغفال ذكر الاسماء؛ رعاية واحتراماً لبعض الشرائح المجتمعيّة العراقيّة، ممّن يعودون في التقليد إلى أحد أولئك المجازين الخمسة، ومن يريد الاطّلاع على نفس الإجازات والاسماء الواردة فيها فيمكنه سلوك الرابط الذي سنضعه في أوّل مشاركة.

أمّا النموذجان الّلذان نريد تسليط الضوء عليهما موجزاً فهما:

1ـ الإجازة الأولى صدرت لأحد السادة من أهالي باكستان، الموطن الرئيسي "للقرآنيّون"، ومن مواليد: (1959م)، سافر إلى مدينة قم في سنة: (1983م) لدراسة العلوم الدينيّة، لكنّه وجد ـ والتعبير له ـ إن الدروس فيها بعيدة عن القرآن، فحصل له اليأس الشديد من ذلك، لكن الرحمة الإلهيّة [كما يعبّر أيضاً] حالت دون ذلك، فتعرّف على الشيخ الصادقي الطهراني بعد سنتين، ليلازم دروسه (القرآنيّة) فترة خمس سنين، معتبراً جميع الدروس الحوزويّة الأخرى دروس ثانويّة، وعاد في سنة: (1990م) إلى باكستان، حاملاً مع إجازة اجتهاد فقهي وقرآني من الشيخ الصادقي الطهراني، علماً إن الشيخ المذكور ترجم كثيراً من كتب الشيخ الصادقي إلى الّلغة الأرديّة، ولديه مشروع ترجمة القرآن الكريم إلى الّلغة الأرديّة أيضاً... ولا أدري كيف يمكن تحصيل الاجتهاد الفقهيّ الدارج في حوزاتنا العلميّة بهذه الطريقة وبهذا الوقت؟!

2ـ الإجازة الثانية هي لطالب حوزة من أهل مدينة سمنان الإيرانيّة، وهو صاحب الصورة الثانية من المُجازين، وهناك اتّهامات له بالانحراف العقديّ والفكريّ والسياسي، والميول للأفكار الصوفيّة المنحرفة حسب ما هو متداول، وهناك أحكام قضائيّة صدرت في حقّه أيضاً، لذا أفضّل الابتعاد عن الحديث عنه، واعتقد إن صوره التي نشرها في موقعه خير شاهد على أقول... ولكي لا اُتّهم بالحياد عن الإنصاف في التقييم؛ فليس لنا وصاية على قناعات الناس وخياراتهم الدينيّة والمعرفيّة والسلوكيّة أيضاً؛ فالاجتهاد كملكة ـ كما نوّهنا لذلك في مقال سالف ـ ليس له علاقة بهذه الأمور، لكنّ الظاهر: إن إجازة الاجتهاد التي صدرت للشخص المذكور كانت بعد حضوره درس الشيخ الصادقي الطهراني لثلاث سنوات فقط، ولا أدري كيف تمكّن المُجيز من معرفة اجتهاد المُجاز الفقهيّ في هذه الفترة الوجيزة؟!

لا أريد أن أدخل في تفاصيل أكثر؛ لأن الدخول في ذلك يسبّب لي احراجات كثيرة أجد نفسي في غنى عنها في الوقت الحاضر، بل لم يكن الشيخ الصادقي ضمن سياقات إجازات الاجتهاد النجفيّة التي أردنا الحديث عنها، ولكن لارتباطه بعض الشيء بواقعنا العراقي اضطررت لذلك، محاولاً تنبيه القارئ إلى حقيقة هذه الإجازات، ورأينا من خلال قراءة بعض السياقات كيف إن المرحوم الصادقي الطهراني لم يكن يرتكز في اصدار إجازاته على أساس الموازين العلميّة الدقيقة، ولم يكن يريد من هذه الإجازات الإشارة إلى صلاحيّة من منحهم ذلك للتقليد والمرجعيّة، بل يظهر إنّه (رحمه الله) وجرّاء الوضع (الخاصّ) المحيط به كان يمنحها لأيّ طالب حوزة يطلبها منه إذا ما رأى بعض الاهتمام القرآني والفقهي منه، وهذه هي سيرة كثير من العلماء الذين تقدّم ذكرهم، ومن سنذكرهم لاحقاً.

 

ملاحظة هامّة:

المعلومات والصور التي نشرناها ليست شيئاً مستوراً، كما لم نسترق السمع في سبيل تحصيلها، بل هي متوفّرة على المواقع الشخصيّة لهؤلاء، وبإمكان الجميع متابعتها ومعرفتها وقراءتها من خلال محرّكات البحث ببساطة.

 

ميثاق العسر

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم