صحيفة المثقف

حسين الحُلّي: الأصفهاني لا يصلح للمرجعيّة!!

انزعجَ بعضُ الأخوةِ الكرامِ كثيراً من مقالِنا الأخيرِ، والذي حملَ عنوانَ: "آليّاتُ تثبيتِ مرجعيّةِ السيّدِ أبو الحسن الأصفهانيّ"، والذي نقلتُ فيه كلاماً جريئاً جدّاً للراحلِ محمد رضا المظفّر، يقرّرُ فيه بوضوحٍ: تقدّمَ الميرزا النائينيّ  على السيّدِ أبو الحسن الأصفهاني في العلمِ، وكان هو الأجدرَ بمنصبِ المرجعيّةِ والزعامةِ، ولكنّ من وصفهم بالأبطالِ [أو الفضلاءِ كما يُعبّرُ عنهم في عرفِ الحوزةِ اليوم] التفّوا حولَ الأصفهاني وصنعوا منهُ مرجعاً، مع إن كثيراً من أهلِ العلمِ كان يشكُّ باجتهاده!!

وقد وعدتُ القارئ الكريمَ أن أدعّمَ موقفَ المظفّرِ بكلماتِ أستاذِ المراجع المعاصرين، المغمور: الشيخ حسين الحُلّي المتوفّى سنة: (1974م)، وها قد حانَ وقتُ الوفاءِ بهذا الوعدِ، وسأنقلُ كلامهُ عن طريقِ أحدِ أبرزِ وأهمِّ طلابهِ علماً وتقوىً وهو المرحوم: السيّدُ محمد حسين الطهراني الّلاله زاري، والذي سأتحدثُ عن منجزهِ المعرفيِّ في مقالاتٍ لاحقةٍ؛ فقد نقلَ هذا الرجلُ موقفَ أستاذِهِ من مرجعيّةِ السيّدِ أبو الحسن الأصفهاني، وإليكَ نصَّ عبارتِه التي لا تحتمل التأويلِ:

قالَ في كتابِهِ ولايةِ الفقيهِ في الإسلامِ: «وهذه عبارتهُ [أي حسين الحُلّي] التي قالها في أحدِ دروسهِ قبلَ أن يصبحَ المرحومُ السيّدُ أبو الحسن الأصفهاني مرجعاً ورئيساً: "كنّا قد اتّفقنا معَ أصدقاءنا على أن لا نسمح بصيرورته مرجعاً؛ لأنّهُ #لا #يليقُ #للقيادةِ #الإسلاميّةِ، ولكن: بعدَ أن أصبحَ السيّدُ أبو الحسن رئيساً جمعتُ الأصدقاءَ، وطلبتُ منهمُ التوقّفَ عن إثارةِ الأمرِ؛ لأنّ مخالفةَ السيّدِ أبو الحسن اليومَ هي: معارضةٌ لجعفرَ بن محمدٍ [الصادق] عليهما السلام". وقد كان ملتزماً بهذا الأمرِ عمليّاً». انتهى كلامه، ج2، ص30.

وفي مقامِ التعليقِ على هذا الكلامِ بودّي أن أسجّلَ بعضَ الملاحظاتِ الجادّةِ:

الملاحظةُ الأولى: إنّ "أغلبَ" الأساتذةِ الكبارِ والمتوسّطينَ والصغارِ في داخلِ الحوزةِ العلميّةِ في النجف وقم هذا اليوم: يقلّدونَ الشيخَ حسين الحلّي في فحوى هذا السلوكِ، فهم وإن كانت لدى جميعهمُ ملاحظات "أساسيّةٍ" و" جوهريّةٍ" على من تسنّمَ منصبَ المرجعيّةِ "العليا" في الوقتِ الحاضرِ، [كما كانت للشيخ الحُلّي على السيّد أبو الحسن الأصفهاني]، لكنّهم يحجمونَ عن ذكرِها والترويجِ لها في الوقتِ الحاضرِ، بل ويصطفّونَ خلفَ من تسنّمَ هذا المنصبُ ويدعمونهُ؛ لأنّ مخالفَتهُ في رأيهم مخالفةُ لجعفرَ بن محمدٍ الصادقِ (ع)، ومن يقولُ غيرَ هذا الكلامِ [من هؤلاء الأغلب] فهو: إمّا يمارسُ التقيّةَ أو يمارسُ التوريّةَ أو شيئاً آخر. وأنا مع الشيخِ حسين الحُلّي في هذا السلوكِ أيضاً، ومقلّدٌ لهُ كذلكَ، من هنا فلا تجدوني اتعرّضُ إلا لبعضِ الأمورِ النقديّةِ التي لا تضرُّ بالعنوانِ العامِّ للمرجعيّةِ "العليا"؛ إذ إنّ تضعيفَ هذا العنوان لا يصبُّ في صالحِ المجتمعِ الشيعيّ، فتأمّل وانتبه.

الملاحظة الثانية: بعد أن رأى السيّدِ السيستانيِّ (دام ظلّه) إنّ هناكَ سطواً علميّاً على أفكارِ الشيخِ حسين الحُلّي من قبلِ بعضِ تلاميذهِ، كلّفَ لجنةً تتحمّلُ مسؤوليّةَ طباعةِ تراثِ الشيخِ الحُلّي الأصوليّ، وقد قاموا مشكورين بطباعةِ دورتِهِ الأصوليّة "أصول الفقه"، لكن المؤسفَ إنّ من كلّفه السيّد السيستاني (دام ظلّه) بكتابةِ دراسةٍ عن حياةِ أستاذِهِ الشيخ حسين الحُلّي؛ لتكونَ مقدّمةً إلى هذا الكتاب: حذفَ وغيّبَ وتجاهلَ كثيراً من الحقائقِ ومنها الحقيقةُ أعلاهُ، مع إنّها كانتْ بمرأى من عينيهِ ومسمعهِ، وقد سعى جاهداً إلى تقديمِ تبريراتٍ ماورائيّةٍ خاطئةٍ أيضاً حول السرّ الذي كان وراءَ إحجامِ الشيخُ الحُلّي عن التصدّي للمرجعيّةِ، وليت شعري كيف يثقُ بيتُ السيّد السيستاني بهذهِ الدراسةِ، وهي تصدرُ من شخصٍ دخلَ إلى العراقِ على ظهرِ دباباتِ الاحتلالِ؟!، وبئساً لدستورِ العراقِ وتاريخِ الحوزةِ إذا كتبهُ أمثالُ هؤلاءِ.

الملاحظة الثالثة: في القادمِ من المقالاتِ سأتوقّفُ مع إجازاتِ الاجتهادِ الصادرةِ من الشيخِ حسين الحُلّي، وسأطلُّ من خلالها على شيءٍ من حياتهِ وحياةِ بعضِ من أجازهم بالاجتهادِ أيضاً ومنهم الّلاله زاري، وكان المفروضُ تأجيلَ الحديثِ في هذه الإثارةِ إلى ذلك الحينِ، لكنَ ردودَ الأفعالِ التي جاءتْ إزاءَ المقالَ الذي ذكرتهُ اضطرتني لذلك، فترقّبْ وانتظرْ.

 

ميثاق العسر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم