صحيفة المثقف

الكلاب وبقر الوحش في الشعر الجاهلي شعراء هذيل انموذجا ً

sadam alasadiان اكثر الحوار الشعري الذي استخدمه الشعراء يعتمد التجريد ويخلقه الشاعر ليؤكد حالة وصفة في نفسه فعندما يحاور الفرس ويؤكد شجاعته وعندما يحاور الذئب ويؤكد كرمه وعندما يحاور المرأة ويؤكد بطولته .

قول حاتم الطائي:

و قائلة اهلكت بالجود مالنا    ونفسك حتى ضر نفسك جودها

فقلت دعيني انما تلك عادتي    لكل كريم عادة يستعيدها

و مثله تأخذ شخصية أمرئ القيس هذا التجريد وتقديم الحوار ابعادا قصصية تتجلى من خلالها قدرته ويبرز تمكنه الشعري فقد جرد امرأة فنهض يسعى اليها برفق ومهل لئلا يشعر بمكانه احد بعدما نام اهلها:

و يوم دخلت الخدر خدر عنيزة    فقالت لك الويلات انك مرجلي

تقول وقد مال الغبيط بنا معا    عقرت بعيري يا أمرأ القيس فانزل

 

فقلت لها سيري وارخي زمامه   ولا تبعديني من جناك المعلل

فقد اصبحت هذه التقليدية في الحوار تقليدا معروفا سار عليه الشعراء والسؤال هل ان صورة الحوار التي استخدمها الشاعر وقفت عند حدود الصفات؟ والجواب لا لان الشاعر يذكر نوازع النفس الانسانية .

جاء في كتاب الدكتور شوقي ضيف (العصر الجاهلي) ص223

تفيض قصائد الجاهلية بحركة واسعة فهي اساسه وقد يدخلون هذه الحركة في المقدمة نفسها ولا يكتفي الشاعر بالوقوف على الاطلال وبكاء الديار بل يصور ظعن حبيبته وقد خرجت تطلب المرعى وتنتقل من موضع لأخر وعين الشاعر تسجل هذه الرحلة تسجيلا بديعا وقد اتاحت هذه الحركة لشعرهم ضربا من الروح القصصية في وصف الحيوان الوحشي ووصف مغامراتهم الاخرى .

فان معانيهم يسودها ضرب من الروح القصصية وهي روح لم تتسع عندهم فقد اضعفتها حركتهم وميلهم الى السرعة والميل الى الايجاز فلم يظهر عندهم ضرب من ضروب الشعر القصصي بل ظل شعرهم غنائيا ذاتيا يتغنى فيه الشاعر بأهوائه وعواطفه غير محاول صنع قصة يجمع لها الاشخاص والمقومات القصصية ويرتبها ترتيبا دقيقا وان شيئا من ذلك لم يخطر بباله اذ كان مشغولا بنفسه ولا يهمه الا ان يتغنى بها وبمشاعره .

القصة عند الهذليين: قد تقف القصة عند هذيل على ركنين اولهما مذهب عام يلجأ اليه الشاعر وهو عامد وثانيهما تخيل الحادثة بوعي وتفصيل وهم يميلون دائما الى عدم الاطالة ويبتعدون عن سرد الموضوعات بسبب ميلهم الى المقطعات القصيرة .

و قد تبتعد قصتهم عن الغنائية وقد تقف على اركانها الاربعة:

1-  الوقائع: تقف القصة على حوادث مرتبطة بواقع الحياة وقد تأتي عن طريق الخيال فالواقعية في قول ساعدة بن جوية:

و تالله ما ان شهلة ام واحد    بأوجد مني ان يهان صغيرها

رأته على يأس وقد شاب رأسها   وحين تصدى للهوان عشيرها

فشب لها مثل السنان مبرءاً     امام لفادي دارها واميرها

و قد تتشابه الافكار والوقائع وتختلف القافية في قصيدة اخرى .

فهو يحكي عن ولد مبرأ خال من المرض اتت به امه من بعد يأس طويل وبعد ان ذاقت الامرين ورزقت به بعد كبرها وهي لا تريد الا زوج ثم كان يعولها:

رأته على فوت الشباب وانها   تراجع بعلا مرة وتئيم

فشب لها مثل السنان مبرءا    اشم طوال الساعدين جسيم

و الزمها من معشر يبغضونها    نوافل تأتيها به وغنوم

فاصبح يوما في ثلاثة فتية    من الشعث كل خلة ونديم

فقد ذهب فتاها مع ثلاثة من الغزاة وكلهم خل ونديم وكلهم لا يدرون من الغيب امرا حتى احاط بظهره عدداً من الرجال كانهم سرب جراد ماذا يفعل الفتى؟ هل يستسلم؟ حمل سيفا ووقف امام الاعداء وتنتهي المعركة فيسقط الفتى مغلوبا على امره ويسرع صاحباه الى امه:

و لم ينتبه حتى احاط بظهره    حساب وسرب كالجراد يسوم

فألهاهم بأثنين منهم كلاهما     به قارب منه النجيع ذميم

و جاء خليلاه اليها كلاهما    يفيض دموعا غربهن سموم

فقامت بسبت يلعج الجلد وقفه    يقيض احشاء الفؤاد اليم

اذا انزفت من عبرت يممتهم    تسائلهم عن حبها وتلوم

فلما استفاقت فجت الناس دونه    وناشت بأطراف الرداء تعوم

تنتهي القصة بواقعة ومتابعة شخصيته وتحليل الحوادث انها ربما تدور على هدف واحد وهو عنت الدهر وقسوته فان الحياة لا تحمل الا الحزن والالم .

لعل الهذليين لم يعرفوا الاستقرار ولما جاء الاسلام زرع عندهم التفاؤل بالحياة وهكذا في قصص اخرى نجد نفس الوقائع متشابهة فقصيدة ابي ذؤيب الهذلي (خويلد بن خالد) تحكي رثائية رائعة ذلك التسلسل القصصي الذي تتوفر فيه عناصر القصة الاربعة – الوقائع – الزمن – المكان – الحدث مع الشخصية .

ان الحدث يقدم على مظهرين اولهما غير مرئي يوحي به الشاعر ويتعلق بشخصيته قريبة اليه فقد يشخص ابو ذؤيب في ثمانية عشر بيتا هذا الحدث ويغطي ملامحه بواسطة السرد (الخلاصة) فالنقد لا يتعامل مع الافتتاحية التراجيدية والمظهر الثاني الفني ما نلمسه في قصة ثور الوحش والصياد / صراع الحيوان والصياد وقد يقوم هذا الصراع على لوحة وصفية تقوم على التوازن ثم تغييره ثم انعدامه ثم اعادة التوازن فالتوازن في حالة سعي الصياد لفريسته والفريسة تبدأ بالخروج وعملية التغيير تحصل بانطباق الليل على الفريسة ثم تظهر حالة انعدام التوازن التي تظهر فيها كلاب الصيد وعملية الاعادة تتعلق بمن يغلب؟ اما التوازن الجيد فهو الحبكة القصصية وقد يتوقف صلب الحدث القصصي عن وحدتين:

أ‌- الوحدة الاساسية ترتبط بوصف الصراع .

ب‌- الوحدة العضوية: احداث لا تغير المجرى العام بل تكون سلسلة مترابطة تصور اوضاع الاشخاص .

و الهذلي يتحدث عن الحيوان كثيرا ويعنى بوصف حركاته وهو يؤثر الدقة وان بعضهم ارتبطوا بالحيوان ارتباطا شديدا كما نرى وصف البقرة الوحشية عند عمرو بن الداخل:

وهادئة توجس كل غيب         لها نفس اذا سامت نشيج

تصيخ الى دوي الارض تهوي   بمسمعها كما نطف الشجيج

وابو ذؤيب الهذلي يصف الحمار الوحشي:

مستقبل الريح تجري فوق منسجه    اذا يراح اقشعر الكشح والصفد

يرمي الغيوب بعينيه ومطرفه   مغض كما كسف المستأخذ الرمد

 

ولو عدت الى قصيدة ابو ذؤيب الهذلي:

امن المنون وريبها تتوجع    والدهر ليس بمعتب من يجزع

قالت اميمة ما لجسمك شاحبا   منذ ابتذلت ومثل حالك ينفع

ويستمر في مقدمته حتى يأتي الى البيت الثالث عشر:

فشرعن في جمرات عذب بارد   حصب البطاح تغيب فيه الاكرع

فشربن ثم سمعن حسا دونه   شرف الحجاب وريب قرع يقرع

بل همها من قانص متلبلب   في كفه جشء اجش واقطع

فنكرنه فنفرن وافترشت به    عوجاء هادية وهاد خرشع

فرمى فانفذ من نحوس حائط   سهما فخر وريشه متصمع

والدهر لا يبقي على حداثنه      شبب افزته الكلاب مروع

شعف الضراء الداجنات فؤاده   فاذا يرى الصبح المصدق يفزع

 

انه يذكر هجوم الكلاب على الوحش ثم يستمر:

يرمي بعينيه الغيوب وطرفه   مغض يصدق طرفه ما يسمع

و يلوذ بالأرض اذا ما شفه      قطر ورائحة بليل زعزع

فغدا يشرق متنه فبدا له   اولى سوابقها قريبا توزع

ينهنه ويذودهن ويحتمي    عيل الثوى بالطرفين مولع

حتى اذا ارتدت واقصد عصبة    منها وقام شريدها يتضرع

فكبا كما يكبو فتيق تارز            بالجنب الا انه هو ابرع

و الدهر لا يبقي على حداثنه      جون السرات له حدائد اربع

حميت عليه الدرع حتى وجهه   من حرها يوم الكريهة اسفع

و كلاهما ق عاش عيشة ماجد    وخب العلا لو ان شيئا ينفع

فعفت ذيول الريح بعد عليهما   والدهر يحصد ريبة ما يزرع

ان في هذه القصة نبأ قد يقف على عناصره الاساسية ويبدو ان السرد كان ثريا لهذا اصبحت القصيدة بعملها الفني مميزة .

ان الحيوان قد يموت في نهاية القصة وهذا هو المنطلق الذي يشعر به الهذليون وهو عنت الدهر وصورة التشاؤم التي يحملونها دائما وعدم الامان من الدهر وريبة .

و كما اعتاد الشعراء عليه كما يقول الجاحظ (ان الشعراء من عادتهم اذا كان الشعر مرثية او موعظة ان تكون الكلاب هي التي تقتل بقر الوحش واذا كان الشعر مديحا ان تكون الكلاب هي المقتولة) .

و هنا في القصة الهذلية قد انتصرت الكلاب ومات بقر الوحش الذي يرمز به الى الناقة المتعبة وهي وحيدة لا يمتلك الشاعر غيرها وهو يندب حظه وقدره بانتقادها .

فلعل الهذليين لم يعرفوا الاستقرار ولما جاء الاسلام زرع عندهم التفاؤل بالحياة وهكذا في قصص اخرى نجد نفس الوقائع المتشابهة فماذا في قصيدة ابي ذؤيب (خويلد بن خالد) تحكي رثائية رائعة تتوفر فيها كل عناصر القصة والحدث يقوم على مظهرين الاول غير مرئي يوحي به الشاعر ويتعلق بشخصية قريبة اليه فقد يشخص ابو ذؤيب ثمانية عشر بيتا فكرة الموت ويغطي ملامحه بواسطة السرد فالنقد لا يتعامل مع الانتاجية التراجيدية (المؤلمة) والمظهر الثاني الفني ما نلمسه في قصة ثور الوحش والصياد / صراع الحيوان والصياد وقد يقوم هذا الصراع على لوحة وصفية تقوم على التوازن ثم تغييره ثم انعدامه ثم اعادة التوازن فالتوازن في حالة سعي الصياد ولفريسته فالفريسة تبدأ بالخروج وعملية التغيير تحصل بانطباق الليل على الفريسة ثم تظهر حالة انعدام التوازن التي تظهر فيها كلاب الصيد وعملية الصيد تتعلق بالاعادة لمن يغلب اما التوازن الرائع فهو الحبكة القصصية وقد يتوقف صلب الحدث القصصي على وحدتين:

 

أ‌- الوحدة الاساسية ترتبط بوصف الصراع

ب‌- الوحدة الثانوية احداث لا تغير لمجرى العام بل تكون متسلسلة مترابطة تصور اوضاع الاشخاص والهذلي يتحدث عن الحيوان كثيرا ويعني بوصف حركاته وهو يؤثر الدقة وان بعضهم ارتبطوا بالحيوان ارتباطا شديدا كما نرى وصف البقرة الوحشية عند عمرو بن الداخل:

و هاوية توجس كل غيب    لها نفس اذا سامت نشيج

تصيخ الى دوي الارض تهوي    بمسمعها كما نطف الشجيج

و ابو ذؤيب الهذلي يصف الحمار الوحشي

مستقبل الريح تجري فوق منسجه    اذا يراح اقشعر الكشح والعضد

يرمي الغيوب بعينيه وبطرفه       فغض كما كف المستأخذ الرمد

و لو عدنا الى قصيدة ابي ذؤيب الهذلي والمرثية المعروفة:

امن المنون وريبها تتوجع    والدهر ليس بمعتب من مفزعي

قالت اميمة ما لجسمك شاحبا   منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع

اودى ببني فاعقبوني حسرة     بعد الرقاد وعبرة لا تقلع

و اذا المنية انشبت اظفارها    الفيت كل تميمة لا تنفع

و يستألف كلامه حتى يصل الى سرد قصة الثور مع الكلاب وصراعها في البيت 13:

فوردن والعيوق مجلس رابئئً     الضرباء فوق النجم لا يتتلع

فتسرعن في حجرات عذب بارد    حصب البطاح تغيب فيه الاكرع

فشربن ثمن سمعن حسا دونه    شرف الحجاب وريب فزع شرع

و هماهما من قانص متلبب       في كفه جشء اجش واقطع

فنكرنه فنفرن وافترشت به    عوجاء هادية وهاد خرشع

هنا تبدأ لحظة التحدي بين الثور والكلاب:

فرى فانفد من غوص عائط     سهما فخر وريشه متصمع

و الدهر لا يبقي على حداثته     شبب انزعته الكلاب مروع

شف الضراء الداجنات فؤاده    فاذا يرى الصبح المصدق يفزع

يرمي بعينيه الغيوب وطرفه   مغض يصدق طرفه ما يسمع

و يلوذ بالأرض اذا ما شفه    قطر ورائحة بليل زعزع

فغدا يشرق متنه فبدا له        اول سوابقها قريبا توزع

نهنهه ويذودهن ويحتمي    عيل الشوى بالطرتين مولع

حتى اذا ارتدت واقصد عصبة     منها وقام شريدها يتضرع

فكبا كما يكبو فتيق تارز         بالجنب الا انه هو ابرع

و الدهر لا يبقي على حداثته        فتشعر حلق الحديد مقنع

حميت عليه الدرع حتى وجهه   من حرها يوم الكريهة يسفع

و كلاهما قد عاش عيشة ماجد   وجنى العلا لو ان شيئا ينفع

فعفت ذيول الريح بعد عليها   والدهر يحصد ريبه ما يزرع

هذه نهاية القصة فهي متميزة لان سردها كان قويا ...

و ان الحيوان قد يموت في نهاية القصة وهذا المنطلق الذي يشعر به الهذليون وهو عنت الدهر والحزن التي يحملونها وعدم الامان عندهم وكما يقول الجاحظ ( الشعراء من عاداتهم اذا كانت مرثية او موعظة تكون الكلاب هي التي تقتل بقر الوحش واذا كان الشعر مديحا تكون في الغالب هي المقتولة ) وفي القصة الهذلية تنتصر الكلاب ويموت ثور الوحش والذي يرمز له بالناقة المتعبة والوحيدة التي تمثل حظ الشاعر وقدره وحياته فعندما تموت مات عنده كل شيء .

و اي تصوير رائع لثور الوحش عند النابغة وهو يصفه حائرا بعد ليلة ما طرق يبحث عن مكان فينهال عليه التراب وعند طلوع الفجر يسمع صياح الكلاب وهي علامة الموت فتهجم على فؤاده وهو يهب لقتلها ...

كان رحل وقد زال النهار بنا     يوم الجليل الى مستأنس وحد

من وحش وجرة موشي اكارعه   طاوي المصير كسيف الصقيل الفرد

اسرت عليه من الجوزاء سارية    تزجي الشمال عليه جامد البرد

فارتاع من صوت كلاب فبات له   طوع الشوامت من خوف ومن صرد

فبثهن عليه واستمر به      صمع الكعوب بريئات من الحرد

شك الفريصة بالمدري فانقذها   طعن المبيطر اذ يشفى من العضد

كانه خارجا من جنب صفحته   سفود شرب فوه عند مفتأد

فظل يعجم عن الروق منقبضا ً  في حالك اللون صدق غير ذي اود

ان الحوار الذي يكتنف القصيدة في الشعر الجاهلي قد يكون بسيطا قد لا يخرج عن نطاق المساجلة الانية والفكرة المغلقة والتأثر الذاتي وربما يكون طويلا تنبعث منه فلسفة الشاعر وتبرز من ملامحه القدرة وقد يحسب البعض ان هذا الحوار حقيقي .. ولدي بعض الاراء التي استخلصتها من الكتب التي اهتمت بهذا الموضوع .

فالدكتور نوري القيسي في كتابه ( في الادب الجاهلي ) يؤكد بان الحوار الشعري الذي استخدمه الشعراء يعتمد على التجريد فالشاعر يختلق الحوار ليصفه في نفسه فعندما يحاور الفرس يؤكد شجاعته وعندما يحاور الذئب يؤكد كرمه وعندما يحاور المرأة يؤكد بطولته .

قول حاتم الطائي:

و قائلة اهلكت بالجود مالنا      ونفسك حتى ضر نفسك جودها

فقلت دعيني انما تلك عادتي     لكل كريم عادة يستعيدها

و مقله تأخذ شخصية أمرئ القيس هذا التجريد وتقديم الحوار ابعادا قصصية تتجلى من خلالها قدرة ويبرز تمكنه الشعري فقد جرد امرأة فنهض يسعى اليها برفق ومهل لئلا يشعر بمكانه احد بعدما نام اهلها:

سموت اليها بعدما نام اهلها   سمو حباب الماء حالا على حال

فقالت سباك الله انك فاضحي   الست ترى السمار والناس احوالي

فقلت يمين الله ابرح قاعدا   ولو قطعوا رأسي لديك واوصالي

حلفت لها بالله حلفة فاجر     لناموا فما ان من حديث ولا صال

و في لاميته يخاطب عنيزة:

و يوم دخلت الخدر خدر عنيزة   فقالت لك الويلات انك مرجلي

تقول وقد مال الغبيط بنا معا   عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل

فقلت لها سيري وارخي زمامه   ولا تبعديني من جناك المعلل

فقد اصبحت هذه التقليدية معروفة سار عليها الشعراء ولكن هل ان صورة الحوار التي استخدمها الشاعر وقفت عند حدود الصفات؟ والجواب لا لان الشاعر يذكر نوازع النفس الانسانية .

الدكتور شوقي ضيف (العصر الجاهلي ص233) يطرح رأيا بان القصائد الجاهلية ذات حركة واسعة فهي اساس لها وقد يدخلون هذه الحركة في المقدمة نفسها ولا يكتفي الشاعر بالوقوف على الاطلال وبكاء الديار بل يصور ظعن حبيبته وهي تخرج طالبة المرعى وهي تنتقل من موضع لاخر وان عين الشاعر تسجل هذه الرحلة تسجيلا بديعا وقد اتاحت هذه الحركة لشعرهم ضربا من الروح القصصية في وصف الحيوان ومغامراتهم الاخرى فان معانيهم يسودها ضرب من القصة وظل شعرهم غنائيا ذاتيا يتغنى الشاعر بأهوائه وعواطفه غير محاول ان يضع قصة يجمع لها الاشخاص والزمان والمكان والحدث وان يرتبها ترتيبا دقيقا وربما هذا لا يخطر بباله لأنه مشغول بنفسه ومشاعره .

القصة الهذلية: تقف على ركنين الاول المذهب العام الذي يلجأ اليه الشاعر عامدا والثاني تخيل الحادثة بوعي وتفصيل وهم يميلون لعدم الاطالة ويبتعدون عن تعدد الموضوعات ويميلون للمقطعات القصيرة.

و قد تتوفر عناصر القصة بأركانها فالشاعر يترجم حوادث مرتبطة بواقع الحياة وقد تأتي عن طريق خياله الخصب بواقع يعيشه فهذا ساعدة بن جؤية:

و تالله ما ان شهلة ام واحد   بأوجد مني ان يهان صغيرها

رأته على يأس وقد شاب رأسها   وحين تصدى للهوان عشيرها

فشب له مثل السنان مبرءا       امام لنادي دارها واميرها

و قد تتشابه الافكار والوقائع وتختلف القافية في قصيدة اخرى فهو يحكي لنا قصة وحيد امه بوقائع متسلسلة وشخصيات هي الابن والاصحاب والام وبهذه الافكار الواقعية فيقول:

رأته على فوت الشباب وانها    تراجع بعلا مرة وتئيم

فشب لها مثل السنان مبرءا   اشم طوال الساعدين جسيم

و الزمها من معشر يبغضونها   نوافل تأتيها به وغنوم

فاصبح يوما في ثلاثة فتية    من الشغب كل خلة ونديم

فقد ذهب مع اثنين من صحابته وهناك فاجأهم الغزاة وهم لا يدرون بالقدر حتى احاط بظهره عدد منهم فرماهم ولم يستسلم فرجع الصاحبان لامهما يبكيان

و لم ينتبه حتى احاط بظهره   حساب وسرب كالجراد يوؤم

فورد الينا لا يشمثم نصله    اذا صاب اوساط النظام صميم

فألهاهم باثنين فهما كلاهما    به قارب من النجيع ذميم

و جاء خليلاه اليها كلاهما    يفيض دموعا غربهن سجوم

فقالوا عهدنا القوم قد حصروا به   فلا ريب انى كان ثم لحيم

ماذا فعلت ضربت نفسها بالسبت وعندما تستيقظ تعاتبها بشوق وتنتهي القصة بسرد دقيق ونهايتها تدور على عنت الدهر وقسوته مع هذه الام فالحياة لا تحمل الا الحزن والالم واليأس .

 

بحث من اعداد الاستاذ الدكتور صدام فهد الاسدي

قراءته عندما كان طالبا في كلية التربية سنة 1979

مستفيدا ً من محاضرة استاذي الدكتور اياد عبد المجيد ابراهيم استاذ الادب الجاهلي لسنة 1979

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم