صحيفة المثقف

العصافير تنقر نوافذي ديوان جنان الصائغ

abdulelah alsauqتطل علينا جنان الصائغ بقصائد هذا الديوان لتجتذبنا بايقاعاتها الجمالية الى همومها الوجدانية وهي همومنا على نحو ما. القصيدة عندها لوحة كبيرة قوامها صور فنية صغيرة. تهمس بالصراخ وتصرخ بالهمس فكأنها وكأننا في مكان بكر تغني فيه العصافير والسواقي وتومض في اعيننا مخلوقات تخلب فينا ذاكرة العطر. مخلوقات هي كلمات. جمل تتدفق لتمنحنا القصيدة. القصيدة عند صاحبة الديوان ومنذ العنوان مغامرة جمالية تقود الى مساحات جمالية. وما اشق الدخول في التجربة وما ألذه؟ الشعر تجربة الموت تجربة الحياة تجربة فماذا بعد (.. ليْ أنْ اجربَ الكآبة ولي أن أجتنبَ الكتابة.) ففعلا أجرّب وأجتنب مضارعان لكنهما فعلان ماضيان. وهنا يكمن المكر الفني. فالكآبة كتابة والعكس صحيح ايضا. القصائد في هذه المجموعة الشعرية حوارات واسئلة وعناءات حتى لتبدو لنا الشاعرة على حافة الانهيار والاستسلام للتيار. لكن الانهيار معنى ممحو في معجم شاعرة العصافير التي تنقر النوافذ. فهية عصية على الآخر (إن أحرقوا أوراقي لن يحرقوا احتراقي، لو كسروا يراعي لن يكسروا إبداعي) والحروف تتداعى فتناغي المعنيين الاول والثاني اي المعنى المنطوق والمعنى المسكوت عنه. ولنا مثلا ان نلاحظ حرف القاف في سطر شعري قوامه خمس كلمات يتردد اربع مرات. بينا يتضامن حرفا السين والعين في السطر الشعري اللاحق بما يؤسس للقوافي الداخلية والمعاني الثواني. وقفة ميتا جمالية في قصيدة (ممنوعة انا) تقودنا الى وسائل الشاعرة في التصوير والتدبير. مجازها واقع وواقعها مجاز ومن ذا الذي يجد الحدود بين الواقع والمجاز؟ يفكك ابن سينا ت 428 هــ في كتابه اسباب حدوث الحروف طبائع الحروف وفي الصميم ق س ع. القصيدة في روضة جنان الصائغ ليست نصاً للمباهاة ولا تشكيلا للمحاكاة بل هي نتاج صادح في المعاناة. والمعاناة هنا ليست دلالية حسب بل هي معاناة جمالية. هي تبحث في الجمال عنه وله وبه. واكتشافاتها تتوفر على دينامية لن تفلح دون مشاركة المتلقي في صنعها. هي - القصيدة - تشتغل على مخيال المتلقي بعبارة اخرى ان الحوار في القصيدة موح انه استكمال لحوار سابق وللمتلقي ان يسهم في استكمال جمالية الحوار.. ففي قصيدة ارحل اذن او اذاً تبتديء القصيدة ببوح يختزل المقدمة ويترك للمتلقي الاسهام في تشكيلها. فعلان ماضيان يفضيان الى كم من لاءات ناهية : انتظرتك رجوتك النافية وتنثال لا الناهية لا تتركني لاترسم غب لا عطشى لمطر العبق ان لا ترحل ولاتدع لا تروِ. كل ذلك في اطار نت الصور الفنية الحارة الآتية من تفاعل المجاز والواقع وتبلور ادوات التشبيه الظاهرة والمستترة قارن معي : التشخيص (اسباغ طباع الانسان على غير الانسان) فللساعات هواجس وللمسافات قلق (مثلا) وثمة التجسيم (تحسيس المعاني او المجردات) الوهم يرسم والانتظار يحرق والحلم يغادر والذكريات تحاصر والأمل يغرب (مثلا) زد على ذلك تفعيل الاسئلة التي لا تنتظر جوابا. الاسئلة الاسئلة. القصيدة اسئلة تفضي الى اسئلة. قل لي: كيف لي / قل لي: ماذنب النوارس / ماذنب الذكريات / هل..يناديك الخراب .. ويرى ادونيس ان الشعرية وهي مركزية الجمال في النص ليست حاصل تقنيات القصيدة فقط بل هي تماهي الشعر بالشاعر وتماهي الاثنين بالمتلقي. وفي قراءتي لقصائد جنان الصائغ وجدتني داخل تجربة شبابية تمتح من ماهية الموهبة والتجربة الموسومتين باسلوبها في تَخْليق القصيدة. هل قلت الأسلوب؟. نعم الاسلوب في الشعر وغير الشعر هو مزية الانسان كاملة. اسلوب جنان الصائغ في تخليق القصيدة اسلوبها هي وعليه بصماتها هي. القصيدة عند جنان صورة كلية كبرى هي حاصل تكوينات الصور الفنية الصغرى كما لو اننا قبالة لوحة جدارية كبيرة قوامها لويحات او مخلوقات تسهم في تكوينها. كما لو اننا مع سمفونية تتَكَوَّنُ مِنْ عِدَّةِ حَرَكَاتٍ، تحكي لنا مَوْضُوعاً أَوْ حِكَايَةً او تحكينا. وذلك يعني انها شاعرة متميزة عن سواها من الشواعر والشعراء بخصوصيتها. ويمكن اختزال تجربة قصائد العصافير تنقر نوافذي بعبارة قصائد الصورة... قارن معي للمثال ارحل إذاً..

انتظرتك بهاجس الساعة.

وقلق المسافات حتى بكت محطات صبري

رجوتك.. أن لا ترحل يا سندباد الحلم

ولا تدع زهور الدقائق تذبل في أفول نجمك

لا تتركني كأوراق الخريف

يقلبني جمر الانتظار

..

فيتطاير شعري مشتبكا بالريح

لا ترسم على عتباتي وهمك الوردي

الاعذار.. لا تروِ احساسي بالوجد..

وأنت مغادر كحلم فراشة بيضاء

قل لي: كيف لي.. أن أوقظ شمسي بكفيك وأغفو كشهرزاد؟

وأن أحبس في شفتي قبلات ٍ غادرها البحر؟

يا أنتَ.... يا خطيئة القصائد البربئة

قل لي: ماذنب النوارس تتساقط كالشهب

فيهجرها الموج؟؟

ماذنب الذكريات كي يحاصرها نسيانك الوئيد؟؟.

يا بقايا الأمس الجميل والقادم الحالم

يا أيها الناسك في محراب حروفي

المخبوء في وكر ذاتي..

هل..يناديك الخراب في مدني

وملائكة العشق في صدري

تناديك للرحيل.. ؟

ارحل إلي أذاً.. قبل غروب الأمل

 

عبد الاله الصائغ مشيغن المحروسة  التاسع عشر من مايس 2016

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم