صحيفة المثقف

رسالة

faraj yaseenتيارُ الهواء المعفّر بالغبار، القادم من النافذة المفتوحة على الممشى الغربي، هو الذي أزاحني من تحت حافظة الأقلام الأسطوانية الصغيرة، فقفزتُ واستلقيتُ على الأرض تحت منضدة الكتابة، ثم طرتُ ذاهبةً إلى طوار الباب المفتوح. وهناك لم أقوَ على الحركة؛ لأن ارض الممشى الموحلة بفعل المطر ألصقتني بقسوة، وكتمت أنفاسي؛ لكنَّ قطة جائعة عجفاء لم تذق سوى التراب منذ شهور، لعقتني وقضمت أطرافي جارةً إيّاي إلى قائمة الأرجوحة أمام شجرة الليمون، فبقيتُ هناك حتى جففتني شمسُ ظهيرة يوم آخر.

وعلى مدى شهور طوال تجوّلتُ في زوايا ومنعطفات وحجرات البيت، وبين الممرات وفوق النجيل المحروق، كما دخلت أكثر من مرة في سواقي الحديقة العطشى ثم خرجتُ منها .

وذات مساء التصقتُ بنافذة غرفة المكتبة بالقرب من المبردة، وكدتُُ أعبر الحائط إلى الخارج لولا أن دوّامة هواء عابرة أعادتني إلى فضاء الحديقة، فمكثتُ مختبئة تحت أغصان شجرة الزيتون في الجانب الآخر، وكان القنفذ العجوز الذي كنتَ تعدّهُ من سكان البيت الأصليين قد تمرّغ فوقي بفروته الإبرية؛ وهو يطارد جرادة شاردة ضلّت الطريق فسقطت بين أقدامه.

ومع أن باب البيت الخارجي ظل مفتوحاً مثل جميع الأبواب الأخرى، الّا أنني لم أخرج إلى الطريق أبدا، ولم تُمحَ الكلمات التي قمتَ بكتابتها على صفحتي السمراء في اللحظات الأخيرة عند خروجكَ الحزين من البيت قبل احدَ عشرَ شهراً.

 

فرج ياسين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم