صحيفة المثقف

محمد الشاوي: إستبانة الأستاذ عبد الله العروي ورهان التاريخانية

mohamad-alshawiإن المتأمل في مجمل الأعمال التي قدمها الأستاذ عبد الله العروي لا بد وأن يتساءل عن طبيعة النصوص التي يقدمها لقرائه؛ لا سيما تداخل التاريخي مع السياسي والإقتصادي في قالب نوعي اختص به هذا الرجل الذي مثل ذاكرة تاريخية لكل باحث في حقل التاريخ وفي فلسفته التي تؤثث هذه النصوص لكي تتصف بالفكر المركب،  بدءا من أطروحته عن الحركة الوطنية وانتقالا إلى نواة أبحاثه: الإيديولوجيا العربية المعاصرة، العرب والفكر التاريخي،مفهوم الدولة، الحرية...،

السنة والإصلاح، ديوان السياسة...

ناهيك عن كتاباته الروائية التاريخية ويومياته...

وإن الخيط الرفيع الذي ينظم جل هذه النصوص يمكن بسطه على الشكل الآتي:

كيف يتحدد التاريخ ؟ وأي وجهة يتخذ في عملية تبلوره؟ وما السبيل إلى إعادة بناء الماضي الذي انقضى وانتهى لكي يصير معرفة تؤسس للحاضر وتتنبأ للمستقبل؟

جواب ذلك يوجد في المسعى التاريخاني الذي اتخذه الأستاذ العروي من خلال مرجعية تنطلق من مسلمة أساس وهي أن السابق يؤسس للاحق وفق سيروة تقدمية تبتغي التطور نحو الأمام بدون عودة للوراء أو بقطيعة معه إن صح التعبير، وهي قطيعة مع تاريخية التاريخ وتأريخه الجاف نحو ضخ دماء جديدة في شرايين التاريخ نفسه.

يبدأ كتاب عبد الله العروي المعنون بـ:

 " إستابانة" ب الإسم الذي يدل على صاحبه  العروي بفَتح ثم سُكون، فمن منا أيها السادة لا يتضايق من تحريف إسمه سواء بقصد أو عن غير قصد. شخصيا يصعب علي تصحيح إسمي وشكله شكلا صحيحا لكل الناس، مادمت لم أكلف نفسي عناء البحث الجينيالوجي عن دلالته وأصله ليس من زاوية الشرف كما يبتغي بعضهم أن ينسب إسمه لسلالة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بل نحو شرف الأصل الإنساني الذي يسكن بدواخلنا، وهو أصل له فروع تفرعت عنه، فمنها ما بقي يحافظ على الأصل، ومنها من زاوية مغايرة  ما تغير وفق دعوة سياسية أو ما شابه ذلك بغية السيادة والتحكم ...

 يقول: " كلما سمعت اسمي محرفا تضايقت من ذلك كغالب الناس فيما أعتقد ... أتصور، وهذا مجرد تخمين ، أن النسبة لا تعود إلى المفرد عروة بل إلى الجمع عراوة أي أولاد عروة(...) أندهشت عندما قرأت أن أول من أرّخ للأندلس يحمل اسم العروي.عقلي يقول هذه مصادفة والوجدان يصرّ على الإعتقاد أن كل شيئ مسطّر. كيف حصل أني توجهت، رغم ميولي، إلى إمتهان صناعة التاريخ؟(...) "

 

إن هاجس البحث عن الأصل وملامسة قيمته هي أعظم غاية للجينيالوجيا، وكما يقول الفيلسوف الفرنسي دولوز محددا لها:

" هي قيمة الأصل، وأصل القيمة ."

وفي هذا التحديد بحث عن مايميز الأصل، وما يضفي  على القيمة طابع التميز بالنظر إلى الدلالة الأخلاقية لهذا التميز.

ولعل عبد الله العروي يخاطب خبايا الذات المفكرة والمؤرخة لنفسها ولغيرها في قالب سردي مؤداه البحث عن معنى المعنى وقيمة القيمة باستحضار أصل النسب ودلالته التي توصلنا إلى بر لم يتوقع هو  نفسه أنه سيحط الرحال بناصيته، ألا وهو رابط القرابة الجينيالوجي بينه وبين أول من أرخ للأندلس.

وفي آخر الكتاب يطالعنا  عبد الله العروي عن الوطنية المغربية في علاقتها بالدول المجاورة قائلاً :

"على مدى أقرب قد يحتفظ المغرب بوطنيته المتميزة، الضيقة الأفق في عين البعض، لسبب بسيط وهو معاكسة الجيران والإخوة له.

ستستمر الوطنية المغربية باستمرار الوضع الذي نشأت وترعرعت فيه" ص: 142

كيف يمكن للوطنية المغربية أن تستمر باستمرارية الوضع؟ أهو  وضع كنا نعيشه وما زال يلاحقنا؟ لماذا سؤال الوطنية مافتئ يطرق أبوابنا ويدعوننا إلى إعادة النظر إليه من جديد؟

وفي الفقرة 109 يتساءل عن وعي الشباب المغربي رابطا إياه بسؤال التاريخ من جهة وبالتقنية وتطورها من جهة ثانية .

يستطرد قائلا: " ماهو مستوى وعي الشباب المغربي  اليوم؟"

يجيب: " - عال من الوجهة التقنية، واطئ من الوجهة التاريخية والسياسية . وقد تكون هذه سمية كل النخب الحاكمة حاليا . الإجتماعيات ضغطت على التاريخ، في حين أن العلاقة معكوسة عند الوطني الصرف.

في هذه النقطة  بالذات حقق الحسن الثاني مبتغاه.

لو كان الشباب المغربي - هذا خيال عاطل- على هذا المستوى وبهذه الذهنية أيام إريك لابون انجح مشروعه، وانتج عنه مغرب مغاير للذي نعيش فيه اليوم ، ولنشأت وطنية مغربية مخالفة للتي نحاول رصد مميزاتها."

ص:138

فهل إستطاع الشباب المغربي أن يحدد وجهته التاريخية بالنظر إلى تطور المرحلة وتغير التخصصات والمعارف لا سيما في جانبها التقني؟

وهل إستطاعت  أيضا بقايا الحركة الوطنية أن تنجز مشروعها الذي لم يكتمل بعد؟

 

(*) أستاذ فلسفة وفنان تشكيلي مغربي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم