صحيفة المثقف

لن تكون نهاية داعش سعيدة لنا ما لم نتخلص ممن ولد لنا أفكارها

abduljabar alobaydiلا أحد يشك ان داعش هو ولادة الاستعمار المحرك والمعتمد على التطرف الديني في مجتمعات الانغلاقية الفكرية في الوطن العربي والعراق اليوم منها، ولا احد يشك ان التطرف الديني هو ولادة المذاهب الدينية المتطرفة، التي لازلنا نتمسك بها دون وعي فكري رصين.

صحيح ان الاسلام كان متفاعلاً مع واقع زمنه من اجل ان يكون دولة، تتمثل فيها السياسة والاقتصاد والمجتمع. وتتفاعل معه الديانات القديمة في محاورة بارعة انطلاقا من النص الذي ورد فيه (لكم دينكم ولي دين).

لكن حين أوجدت العرب في هذا التوجه والديانات الاخرى هذه الانفتاحية بدأ التقارب منه يدب في رؤوس الاخرين، فأيد من أيد وعارض من عارض وخاصة في بداية الدعوة، اي ان الزمنية والواقعية قد تحكمت في هذه التوجهات الجديدة. لكن الزمن اليوم اختلف، فهل يحق لمؤسسة الدين ان تتبنى نفس التوجهات القديمة رغم اختلاف الزمن؟

اذن لا بد من ايجاد القانون الذي يحكم الظاهرة في التطوروالذي يفرض نفسه على كل مجتمع، لذا علينا ان نفعل ما يعمله العالم الطبيعي في دراسة الظاهرة في أنقى اشكالها، تماما كالنظريات الهندسية وتمريناتها في التطبيق..اما ان نبقى نعتمد على الزمن الماضي في خلق الجديد استيحاءً من النص دون تجديد، فذاك موتنا الأكيد، فالعودة عبر الزمن مستحيلة. وهذا ما تريده السلطة في الوطن العربي لتبقى هي المحرك لكل جديد. من هنا استوحت دساتيرها التي تبدأ بفقرة قاتلة للتغيير تقول :

" الاسلام دين الدولة الرسمي، ولايجوزسن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام، ثم يقول لا يتعارض مع مبادىء الديمقراطية. فكيف يكون التناقض اذن؟ بهذه الدساتير يريدون ان يتطور الوطن، هذا مستحيل.ان فاقد الشيء لا يعطيه..؟

اليوم نحن نحتاج عقلا وفهما ومواقفا صالحة للزمن الجديد، تقف من قضايا المصير موقفا انفتاحيا لا يرتبط بالنص، في وقت ان النص يبقى ثابتا لكن المعنى يتغيير بتطور اللغة واختلاف الزمن. هذا التوجه في التطور قد اعترفت به الديانات الاخرى كاليهودية والمسيحية وكونت دولا متقدمة، لكننا نحن بقينا مصرين دون تبديل .

نحن نؤمن بأن منهج التفكير العلمي المبني على المشاهدة والتجربة والأستنتاج هو السبيل الاقوم للوصول الى نتائج صحيحة، تفيد الانسان على كل المستويات وصنوف المعرفة، وهذا مادفع اصحاب الديانات الاخرى ان يعترفوا بنظرية العقل واستبعاد العاطفة، وان تحدد لنفسها أهدافا لا تتصادم مع الواقع ولا تتعالى عليه بنظريات قابلة للتطبيق.

هذا التوجه أحيا فيها الجانب الروحي والمعنوي والاجتماعي وتغذيته، ليظل وجودا متميزاً له بعيدا عن الانجراف نحو الصنمية من جهة، ونحو الأنفتاحية الفكرية من جهة اخرى لايجاد نظريات التوازن في قيادة المجتمع.

من خلال التجارب البعيدة والقريبة يظهر لنا كل يوم ان لعب الدين بالسياسة يهين الدين نفسه، وقيمه العالية، لذا فابتعاد الدين عن السياسة ضرورة لصالح الدين من جهة، ولصالح فكر التطور من جهة اخرى خوفا من ظهور نظريات التصادم الفكري في المجتمع الواحد، وهذا ما ولده التطرف وفكر المذاهب المنغلق فكانت الحركات الدينية المتطرفة تأسيساً لظهور داعش الحالية، وأمثالها في التاريخ كحركة الزندقة والمانوية والصباحية والراوندية وغيرها كثير.

ان اول من عارض هذا التوجه هي فرقة المعتزلة في القرن الثاني الهجري حين قالت: "اذا اختلف النص الديني مع ما يصل اليه العقل من نتائج واحكام، فعلينا ان نأخذ بحكم العقل لا بنص النقل" رأي واصل بن عطاء .لكن اصحاب الحركة النقلية عدوا ذلك خروجا على النص الديني خدمة للسلطة، فرفضوا كل ما جاءت به المعتزلة، فبقيت نظريات التطور في خانة الجمود وبقينا نحن في حالة التخلف الى اليوم.

ان من يقرأ الطروحات الفلسفية التي أشتمل عليها كتاب نهج البلاغة للامام علي(ع)  يجد انها تمثل نمطا من هذا التفكير الذي يغلب عليه طابع الأعتزال كما في نظرية المصلحة.

ان اصحاب نظريات (لا اجتهاد في النص، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وتكفير كل من خالف معلوما من الدين بالضرورة)، هي التي ولدت لنا اليوم هذه الكارثة الزمنية التي سميناها داعش واعلنا ضرورة محاربتها وحصرنا هذه المحاربة باسم السلطة والحكم لا باسم العقل والدين الحقيقي.

اذا لم نتدارك تغيير المناهج الدراسية نحو نظريات الاعتدال والعلمية ونستبعد النظريات الجهنمية لهيئة فقهاء المسلمين، ودروس ازهريات الدين والحوزات العلمية المتزمته من أصحاب نظريات السطوح والفقه الجامد القديم،  وما تبثه مؤسسات الدين الاخرى من افكار ميتة سوف لن نستطيع ان نتزحزج بوصة واحدة عما نحن فيه اليوم.

 

د. عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم