صحيفة المثقف

مدرسة المرحوم مرتضى الكشميري ومخاطر العذريّة الدّينيّة!!

قبل أيّام وبحضور شخصيّات حوزويّة كثيرة افتتحت مدرسة المرحوم مرتضى الكشميري 1323هـ" في مدينة النّجف الأشرف بإدارة وإشراف حفيده المعروف بالسيّد مرتضى الكشميري أيضاً، وهو صهر السيّد السيستاني "حفظه الله" والوكيل العامّ له والمشرف على جميع المراكز التّابعة لمرجعيّته في قارة أوربا والأمريكيّتين... وهي مدرسة تختصّ ظاهراً بالدّرجة الأساس باستقطاب الطّلاب السّاكنين أو المقيمين في البلدان الغربيّة حصراً ممّن يرغبون بالدّراسة الحوزويّة لسدّ الفراغ التّبليغي الهائل في تلك المناطق.

وقد نصّ الكشميري الحفيد في كلمته الّتي ألقاها في حفل الافتتاح بأنّه يطمح: «أن تشكّل هذه المدرسة حلّاً لمعضلة أخرى كنّا وما زلنا نعاني منها خلال عملنا التبليغي خلال فترة تزيد على ربع قرن وهي: تلبية حاجة إخواننا المؤمنين من الجاليات التي تقطن بلاد الغرب من المبلغين؛ فهناك الموانع القانونية والإجراءات المشدّدة في تزويدهم بتأشيرات الدخول إلى بلاد الغرب التي تعرقل من تلبية تلك الحاجة؛ وهناك أيضاً عدم إحاطة المبلغين الوافدين بثقافة تلك الجاليات، ممّا يحول دون تفاعلهم مع المبلّغ، وخاصة الشباب منهم واليافعين... فرأينا أن حلّ المشكلة على المدى البعيد يستدعي أن نحث إخواننا المؤمنين هناك على تشجيع أبنائهم للانخراط في طلب العلم والتوجه إلى النجف الأشرف ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون. وبقيت الفكرة رهينة الذهن وفي أفق النفس حتى قيّض الله تعالى بعض المحسنين وأهل الخير والبرّ من المؤمنين [!!] ليتكفّل بنفقات البناء والتأثيث، وعرضتُ الفكرة على سيدنا سماحة المرجع الأعلى "حفظه الله" فلاقت منه الترحيب والمباركة، فتوكلنا على الله تعالى وشرعنا بالعمل، ونشكره تعالى على توفيقه لإتمامه وإنجازه». [من كلمة للكشميري الحفيد في حفل الافتتاح].

وبودّي أن أسجّل ملاحظات عاجلة على مثل هذه المشاريع الّتي أصفها بالفاشلة من حيث الهدف المُعلن لها والنّاجحة من حيث الأهداف المخطّط لها من قبل المؤسّسين فأقول:

الملاحظة الأولى: اشترط الكشميري الحفيد أن يكون عمر الطّالب المتقدّم للدّراسة في مدرسة جدّه أن يكون ما بين : "17ـ23" ربيعاً،  وفي قناعتي: إنّ الأسر الشّيعيّة المقيمة والمستقرّة في تلك البلدان لن تجازف في إرسال أبنائها وهم في عمر السّابعة عشر ربيعاً إلى العراق ليتركوا مستقبلهم الدّراسي في أرقى جامعات العالم الّتي يحلم البعض بها من أجل أن يكون مبلّغاً دينيّاً يتكفّف رزقه من المراكز الشّيعيّة الّتي تفرض مؤسّسات المرجعيّة العليا سطوتها عليها؛  ليعيش حالة الذّل والهوان في طول المواسم التّبليغيّة، الّلهم إلّا أن يكون فاشلاً في دراسته الأكاديميّة وتريد أسرته التّخلّص منه، ومن يكون هذا حاله لا أظنّ بأنّه قادر على أن يتعلّم الدّراسات الحوزويّة في خمس سنوات فقط لينفر بعد ذلك إلى قومه في غرب المعمورة لإرشادهم!!

الملاحظة الثّانية: نصّ الكشميري الحفيد على إنّ المنهج الدّراسي لمدرسة جدّه قد «تضمّن ـ مضافاً إلى المنهج الأساس في الدراسات الحوزوية ـ عدداً من المواد العلميّة تعنى بالجانب النفسي والتربوي والاجتماعي، وكذا تعليم أو تقوية الّلغة التي يكثر استعمالها في هذه البلدان. مضافاً إلى بعض البرامج الكفيلة بالتنوّع الثقافي والاطلاع على تراث مدرسة أهل البيت "ع"، والتعرّف على الشخصيات العلميّة والانتفاع من نصائحهم وتوجيهاتهم والاستفادة من سيرتهم وتاريخهم»... والغريب: إنّ جميع هذه الأمور الكبيرة ستكون في فترة خمس سنوات فقط حيث هو الوقت المقرّر للدّراسة فيها، ولا أدري كيف يمكن له أن يتعلّم كلّ هذه العلوم والاهتمامات في هذه الفترة القياسيّة، خصوصاً وإنّ من هو في هذا العمر وقد سكن تلك البلدان منذ فترة طويلة أو إنّ ولادته هناك يصعب عليه التحدّث بالعربيّة أو يواجه مشكلة في قراءة نصوصها، فكيف نريد منه أن يقرأ المتون الحوزويّة ويفهمها؟!

الملاحظة الثّالثة: اعتقد إنّ أخطر عمل تقوم به المؤسّسة الحوزويّة هي في استقدام الطّلاب المكوّنين في الغرب إلى الدّراسة المباشرة في حوزة النّجف؛ وذلك لأن معظم الشّباب الشّيعي الّذي ولد أو تكوّن هناك يمتلك طيبة وأخلاقيّة وتكويناً علميّاً مختلفاً تماماً، وإنّ زجّه في حوزة النّجف الكريمة وتقاطعاتها وتجاذباتها وإلصاقه القريب بها سيؤدي بعد سنوات إلى فقدانه عذريّته الدّينيّة وتلوّثها شئنا أم أبينا، وبالتّالي: فمن المحتمل جدّاً أن يُصاب بالصّدمة وتزعزع قناعاته بأصل الدّين، وهذا ما لا يُستحسن بحالٍ من الأحوال.

الملاحظة الرّابعة: إنّ الأفضل والأنجع لحلّ مشاكل التّبليغ هناك أن يُصار إلى استثمار المراكز العلميّة الضّخمة الّتابعة للمرجعيّة العليا هناك من أجل إدخال بعض العناصر الحوزويّة النّافعة هناك دورات تبليغيّة مكثّفة من أجل تقويتهم من جميع الجّهات، ويُستقدم الأساتذة الناجحون والمؤهّلون ـ لا البالونات الفارغة والمتمسّحين بهم ـ من أجل تدريس هؤلاء وتعليمهم أصول الصّنعة في فترة قياسيّة، أقول ذلك لأنّي أعلم كم هي المراكز الّتي تمتلكها المرجعيّة العليا وبالاسماء الشّخصيّة لوكيلهم، بل ويتقاضون أموالاً كثيرة من الحكومات هناك أيضاً في سياق الدعم الشّامل الذي تقدّمه تلك الحكومات للمؤسّسات الرّاعية لنشاطات الجّاليات أيضاً.

الملاحظة الخامسة: تعاني الجّالية الشّيعيّة في غرب المعمورة من أزمة حقيقيّة في موضوع التّبليغ والمبلّغين؛ فالتّبليغ فيها صدى متأخّر جدّاً لما يحدث في شرق المعمورة، والمبلّغ فيها لا يمكنه أن ينبس ببنت شفة بما يخالف توجّهات أولياء نعمة المراكز الّذي يمارس دوره المكرّر فيها، وهذا الأمر انعكس بشكل لافت جدّاً على هذه الجّالية الّتي بدأت تشعر بالملل من حضور هذه المراكز فضلاً عن الانقطاع التّام للعنصر الشّبابي؛ لأنّهم لا يجدون ما يبحثون عنه فيها على جميع المستويات، ومن يحضر هذه المجالس هم في الغالب فئة الشّيّاب الّذين يحضرون للبركة فقط، ولا يمكن للمبلّغ فيها أن ينبس ببنت شفة تخالف توجّهات المرجعيّة العليا أو غيرها أيضاً؛ إذ سيقدم السيّد مرتضى الكشميري على قطع المعونات الشهريّة أو السّنويّة الّتي يتصدّق بها على هذه المراكز، ومن الطّبيعي أن يتلزم القائمون عليها بالانصياع لرغبات صاحب المال والتزامهم بشروطه كما يريد.

الملاحظة السّادسة: إنّ تأشيرات تلك البلدان وإن كان بعضها صعباً لكنّها ليست كذلك بالنّسبة لمراكز المرجعيّة العليا الّتي تمتلك رؤوس أموال كبيرة جدّاً تجبر الحكومات هناك على الموافقة على طلباتها، ولكنّ ما تخافه مراكز المرجعيّة هو عدم عودة هؤلاء المبلّغين إلى ديارهم بعد انتهاء عملهم وطلبهم للّجوء في تلك المناطق وبالتّالي احراجهم، وهذا الأمر سيؤول في نهاية المطاف إلى خلق منازع لهم في تلك المناطق هم في غنى عنه.

الملاحظة السّابعة: نصّ الكشميري الحفيد على إنّ اختيار اسم جدّه لهذه المدرسة كان بأمر من عمّه المرجع الأعلى؛ رعاية لحقّ العلماء السّابقين وتشجيعاً للشّباب لاقتفاء أثرهم والاقتداء بهم بالتّضحية بالغالي والنّفيس من أجل خدمة شريعة سيّد المرسلين... وليت شعري: ما هي الصّدفة الّتي حدت بسماحة السيّد المرجع الأعلى أن يختار اسم المرحوم مرتضى الكشميري لهذه المدرسة الّتي يشرف عليها ويديرها ويروّج لها حفيد المرحوم والّذي اسمه مرتضى أيضاً، أ ليس من باب دفع الّلبس والاتّهام أن نسميها باسم عالم مغمور آخر كالدّيلمي صاحب إرشاد القلوب والّذي يدين له فقهاء النّجف بأمور كثيرة ولا زالت الرّسائل العمليّة مملوءة ببعض الفتاوى المستندة إلى مدعياته؟!

الملاحظة الثّامنة: خرج أهالي النّجف قبل شهور في مظاهرات حاشدة أمام مجمع مدينة العلم السّكني في النّجف في إطار الطّبقية الّتي لحظوها وانتقدوها، وقد كتبنا حينها إنّ سماحة المرجع الأعلى ضدّ تكوين ارستقراطيّة عند طلّاب الحوزة؛ إذ سيؤدّي ذلك إلى فقدانهم التأثير في المجتمع وهو فصلهم المقوّم لهم، فلماذا يأمر المرجع الأعلى ببناء مثل هذه المدرسة مع هذه الإمكانيّات الهائلة الّتي فيها ولطلّابها أيضاً في هذه الفترة القياسيّة، وهل سيتحمّل فقراء طلّاب الحوزة المساكين بالخصوص هذا التّمييز الطّبقي ويتفّهموا طبيعة الاحتياجات في غرب المعمورة أم سيزيدوا من حنقهم وسخطهم من المدرسة وطلّابها ومؤسّيسسها؟!

هذا وتركت الإشارة إلى الملاحظات الجّمة الّتي سجّلتها على أمثال هذه المشاريع خوفاً من الإطالة وتخشين الخواطر أكثر وأكثر، والله وليّ التّوفيق.

 

ميثاق العسر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم