صحيفة المثقف

في اللاَّمُبَالاَةِ..!

eljya ayshكل يوم ننهض ونقوم بأعمال اعتدنا على القيام بها، ليس مهما من هو الأكثر عملا طالما المرأة والرجل أصبح الاثنان يتبادلان الأدوار، في البيت وفي العمل، كنت يوما على متن حافلة عائدة إلى البيت وقد أرهقني التعب، فإذا بدوي (من أهل البادية) جاء لزيارة ابنته تزوجت حديثا، ورجل آخر من أهل الحضر، كنت استرق السّمع لحديثهما، قال الأول ( البدوي) هل النساء عندكم يخرجن يوميا وبهذا الشكل؟، ردّ ابن المدينة: نعم، ثم أضاف طالما هي تساعدني في جلب القوت ولوازم الحياة اليومية، أقوم أنا بمساعدتها في غسل الأواني وتنظيف البيت، وأحيان أتكفل بأخذ الأولاد إلى الروضة، وفي المساء أعود بهم إلى البيت، ليس القصد طبعا الحديث عن واجبات المرأة والرجل ومن له الدور الأكبر في الحياة، أو أناقش  قضية خروج المرأة للعمل أو بقاؤها في البيت للإنجاب وتربية الأولاد فقط، وإنما أردت أن أناقش مسألة تبدو لي في غاية الأهمية..

 إنه الروتين المُمِلُّ، فنحن كل يوم نعيد نفس الأعمال منذ طلوع الفجر إلى قدوم الليل، وأحيانا دون توقف أي منذ طلوع الفجر إلى غاية الفجر الجديد، ولمّا تشغلنا قضية ما، تجدنا نطيل التفكير فيها والكتابة عنها، وكأن الحياة مركبة على تلك القضية فقط،  حتى عندما نتصفح الصحف والمجلات نجد أن ما نشر اليوم أعيد نشره بصيغة مختلفة، وأن ثمّة خللا ملموسا في ما يُكْتَبُ ويُقَدَّمُ، قد لا يقنع الآخر الذي يبحث عن التغيير والتنوير لا التطبيل والمجاملات، وللمسألة مسببات كثيرة، الحديث عنها غير مناسب هنا، فلكل مقام مقال، طبعا كل واحد وما يشغله من متاعب الحياة في عصر طغت عليه الماديات والمصالح، حتى مع الأقربون، حياة تعددت فيها الهموم والمشاكل والأمراض والأزمات،  وكلما تسمع إلى همّ الآخر تنسى همومك، وإن كانت هذه سُنَّةُ الحياة، فقد صبغت "اللامبالاة" حياة البشر، ولو سألنا كل واحد ماذا تعرف عن اللامبالاة؟ لوجدنا ألف إجابة، وكل إجابة تشبه الأخرى أو تختلف عنها بدرجات متفاوتة.

الأمر طبعا متعلق بالسنّ والجنس (المرأة والرجل) والمستوى الثقافي والاجتماعي، وخصوصية المجتمع الذي نعيش فيه، وطريقة تفكير كل واحد منّا، كما هو مرتبط بالنظام، والإيديولوجيا وحتى العقيدة، والحقيقة ليس الروتين وحده، بل التهميش والإقصاء كذلك يقودنا إلى اللامبالاة (عند النفوس الضعيفة طبعا)، فالحديث عن "اللامبالاة" يستوجب  إعادة صياغة بعض المفاهيم والتصورات اللازمة، مثل الواجب أو الالتزام، الحق، الضمير، الإنسانية، الحب والكراهية، العدائية، الاستعمار والقابلية للاستعمار، الظلم والعدالة، الأخلاق والقيم، المبادئ، الذمّة، الإيديولوجية، السلطة، الديمقراطية، الرأسمالية والاشتراكية،الإنتهازية والوصولية، النضال والعطاء،  التدين واللاتديُّن، الدين واللادينية،  العِلْمُ  والثقافة،  العمل، التنمية،  الوقت، الحوار، التغيير، التجديد، التقدم والحضارة، وغيرها من المفاهيم التي غابت عنّا، أو التي لم نعد نؤمن بها،  ولم نعد نولي لها أيّ اهتمام أو اعتبار، لأن المادة قتلت فينا تلك الروح النقية، فأصبحنا نعيش الروتين الممل، نأكل وننام مثل الحيوان، وقادنا هذا الروتين إلى الشعور باللامبالاة، وقاد إلى العزلة في كل شيئ،  حتى مع أنفسنا، حيث أصبحنا لا نفرق بين الأنا والآخر، ولا نفرق بين الثابت والمتغير، وبين المقدس والغير مقدس، وبين المناضل والإنتهازي ولا نعرف إن كنا أحياءً أو موتى بالحياة - والفاهم يفهم –

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم