صحيفة المثقف

الأبناء العاقون

jafar almuhajir2وتراودهم أمانيهم الخبيثة دوما

برميك في غياهب الزمن الداجي

على مذبح شهواتهم المحرمة


 

الأبناء العاقون / جعفر المهاجر

 

أيها السيد الجليل!

كم من الأعوام العجاف مرت عليك؟

وانتزعت من بين أحضانك الدافئة الحنونة

آلاف الأرواح البريئة؟

والمتصارعون في ساحاتك المتعبة

والمضرجة بالدم والفجائع والخراب

مازالوا يشحذون سيوفهم وحرابهم

عن سبق عمد  وإصرار

تشمئز منه النفوس النقية

ليس لمقارعة أعدائك الألداء

عشاق الكهوف والظلام

أوباش القتل

المسعورين بشرب دماء الأبرياء

لكنهم شحذوا سيوفهم وحرابهم

لتقطيع شرايينك

وتمزيق جسدك الطاهر

لقد أطفأوا سجائرهم في عينيك

ونثروا لحمك

وتاجروا بدماء شهدائك

في سوق المزايدات الرخيصة

من أجل غاياتهم الضيقة الدنيئة

إنهم الأبناء العاقون ياوطني

المهووسون بسرقة خيراتك

التي يعتبرونها غاية أمانيهم السوداء

أيها السيد الجليل ..؟

مضت الأعوام العجاف عليك

ثقيلة ..كئيبة.. دامية

ودم أبنائك يسيل على بطاحك الطاهرة

والأرامل يسكبن نهرا من دموع غزيرة

والرعب يجول في أحداق أطفالك

الباحثين عن حقل أخضر

ولعبة ملونة

وأرجوحة تنقل أجسادهم الطرية

إلى عالم الأمل والفرح

ومأوى هادئ يرفل بالحب

لكن الرصاص الأعمى

وجرائم الظلاميين

وصراعات الأبناء العاقين

صادرت  أحلامهم

وحولتها إلى سراب

وظلت الصور الدامية تتكرر كل صباح

والزهور والسنابل تذبل في الحقول

ولا شيئ يلوح في الأفق

سوى الفجائع الكبرى

وصراعات الخواء والعدم

وهي تحوم كالغربان في آفاقك الحزينة

أيها السيد الجليل

ياوطن الشرائع

والجراح النازفة

أعوام عجاف مرت عليك

وفي كل ساحاتك المتعبة

أوجد الأبناء العاقون أسواق عكاظ

لا لإنشاد الشعر

لكن للتسقيط والتنكيل ببعضهم

من أجل الفوز بالسلطة والمال

على حساب المسحوقين الفقراء

وظلت دموعهم الكاذبة

تنطلق من أحداقهم الغادرة في الفضائيات

وأصواتهم النكراء تتصاعد كالدخان

وتطلق الوعود الخلابة بلا حدود

وكلها تحولت إلى رماد وجفاف وموت

تطوف عليك وتنهشك دون رحمة

الأبناء العاقون ياوطني

يذرفون عليك دموع التماسيح

ويتلفعون بثياب الطهر الزائفة

لكنهم غارقون في أوضارهم حتى الثمالة

يتاجرون بدماء الشهداء

في الأسواق والجوامع

في الحارات والشوارع

وتراودهم أمانيهم الخبيثة دوما

برميك في غياهب الزمن الداجي

على مذبح شهواتهم المحرمة

نفوسهم متعطشة دوما

إلى السحت الحرام

ولاشيء يربطهم بالشعب

غير أكل الأكتاف المحرومة المتعبة

يتباهون ببضاعتهم الرديئة

في السر والعلن

وجيوبهم فاغرة كأفواه الحيتان

لنهب المزيد والمزيد

من حق أبنائك المحرومين

ولا يبالون بكل الفجائع التي أصابتك

يجوبون البلدان ليحرضوا عليك الصغار

من أجل غاياتهم الشريرة

هاهم اليوم يتدافعون بالمناكب

ليجثموا على صدرك الطاهر كالكوابيس

ويعيدوا دورة الزمن المر

ويضيفوا أعواما عجافا أخرى

إلى تلك الأعوام الشاحبة الغاربة

ولسان حالهم يقول

ستغطي صورنا  مرة أخرى

كل الشوارع والحارات

رغم الفجائع والغمرات

فليقتل الظمأ الفقراء

ولتحصدهم قنابل الموت

لنبقى أسيادا بأموالنا وعشائرنا

ولا يستطيع أحد مجاراتنا

في الزيف والكذب والخديعة

والأجدر بهم أن يعلموا

إن من  يبحث عن المنصب

ويطعن خاصرة الوطن

هو عدو لوطنه وشعبه

حتى لو ملك كنوز الدنيا

لأنه مجرد من الأخلاق والأمانة

وعودهم الخاوية ياوطني.

تحولت إلى مواعيد (عرقوب )

على مدى السنين الباهتة

التي تركت أقسى الفواجع

لقد كنا نقرأ في المرحلة الابتدائية

عن (أشعب والسمك )

لكن أشعب القديم تلاشى أسمه

وغاب في غياهب التأريخ.

بعد أن ظهر في ترابك اليوم.

المئات من تماسيح (أشعب والذهب.)

كل منهم يدعي زورا وبهتانا

إنه مانح البركات والخيرات

ولا يعطي شيئا

سوى الأحقاد والفتن الطائفية

والجراح والآهات

وياليتهم سكتوا

وغربت وجوههم الكالحة

عن ساحاتك إلى الأبد

بعد أن أوصلوك الى حافة الهاوية

قال أعرابي يوما:

أسكتني قول بن مسعود عشرين سنة

حين قال لي :

(من كلامه لايوافق فعله فإنه يوبخ نفسه)

فمتى توبخون أنفسكم وتسكتون ؟

أيها الأبناء العاقون؟

يامن تقولون مالا تفعلون.؟

( كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون )

متى ستنتهي حشود الرغبات المحرمة

في دمائكم أيها المتخمون المرابون ؟

بعد أن حولتم الوطن

إلى ساحة دامية للصراعات العقيمة ؟

وصنعتم مشهدا من رماد ودم ؟

لايحسدكم عليه أحد في هذا العالم

لقد شوهتم أيها الأدعياء كل جميل ونبيل

في وطن الأنبياء والمقدسات

وأول الحضارات

سيد أشرف الشجر

الذي تباهى به العلماء والشعراء على مر التأريخ

إن الشعب يستهجن اليوم دعواتكم الخاوية

ويمقت صوركم الملونة الكبيرة

ولا يريد أن يسمع خطاباتكم الشوهاء

بعد أن ذاق منكم الويل والعناء

فمن سيدمل جراحك ياوطني؟

وسيشعل القناديل الملونة

في  ساحاتك الدامية؟

من سيزرع السنابل في حقولك الجرداء ؟

من سيسقي كل ذرة من ترابك الطاهر

بإكسير الحياة ؟

لتعود من جديد

سالما منعما وغانما مكرما ؟

وعلى شفاه أطفالك بسمة الأمل؟

عهدتك ياوطني إنك لاتمنح حبك

إلا لأبنائك البررة

الذين يقدسون ترابك وماءك وهواءك

الذين يبذلون مهجهم وأرواحهم

في سبيل رفعتك وصعودك نحو الذرى

الذين ذاقوا مرارة القهر والظلم على أيدي الطغاة

لاأحد ينقذك إلا هؤلاء الأصلاء الأوفياء

هم وحدهم سيشفون جراحك

في هذه الدوامة السوداء

وطني ياسيد العصور

متى أرى سماءك الزرقاء  ؟

ووجهك البهي بلا عناء ؟

بلا أبناء عاقين أدعياء ؟

لقد آن الأوان لآقتلاع جذوركم العفنة

لتخليص الأرض من رجسكم إلى الأبد.

 

جعفر المهاجر.

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم