صحيفة المثقف

حين يترجل الفارس

jasim alobaidiالى الشهداء

الذين لا اسماء لهم

حين تكون القصائد ناعية لهم


 

حين يترجل الفارس عن صهوة جواده

جاسم العبيدي

 

(1) آهات

اقطف هذا الأسى من تجاويف الموت

حيث تلك الشجيرة التي تظلل قبرك

نائحة عند قدميك

تفترش اللحظات قصيدة المك

متدثرة بالاهات والوجع السري

هنا يرقد تاريخ الحرب والخراب

الذي مسخته شواهد الأمكنة

حين حط عليه ذلك الإنسان الذي أخطا الطريق

في محاولة لاختراق جدار الصمت

والقفز على الحبال

في جزر الغربة

فوق ارض اسمها الشقاء

يتدثر الليل بأنامل عاشقة حبلى

لا شيء يملا أذنيها

سوى أنين الموتى وفحيح الأفاعي

عواء الكلاب الضالة

يتنفس قبور الأموات

المسحورين بحب الوطن

حين ترجل الشهيد عن صهوة جواده

صارت لغة المدفع تلتهم العشب الاخضر

وصارت اصابعه تلامس الموت

والارض حوله صارت الفم

 

(2) شاهدة

في المقبرة

شاهدة تحمل اسما لعظام بالية

مكتوب فيها (شهداء بلا أسماء)

ضحايا الحرب المفروضة

ابتعد ايها الغضب

انهم ينصبون موائدهم

على قبوركم أيها المغدورون

اللذين ابتلعتهم الحرب الدائرة بين هذا وذاك

لا ناقة لهم فيها ولا جمل

وهم ينبش أعضاءهم

ولافتات الشهداء تطوق وجوههم

كل صباح

 

(3) أبواب

زمن الزمهرير يعبر وجوها كالحة

حصار الأبدان

المدن المغسولة بالدم

المتسللة في الظلام

الدخان المتصاعد من لهيب الأضرحة

للمدن أبواب مغلقة

للشهداء رايات تملا الشوارع وأسماء مهجورة

زمجرة ريح عاتية

دبيب خدر في الراس

هذا زمن الخوف يندفع بين جنبات الجلادين

يبحث عن ملاجيء للفارين من قذائف الحروب

بسيقان مبتورة

عصيهم تطرق الارض

وهم يهيلون التراب على قبور

من لا اهل لهم ولا اصحاب

لا جدال امام القذائف المنفلقة التي تتساقط حولهم

انها الهاوية التي تمزق اجسادهم المتعبة

موحش ايها الازميل الذي ينبش الارض

بحثا عن رفات بين الانقاض

 

(4) اطلال

الوجوه الكالحة تعبر الصحراء

وبقايا اطلال المدن الموحشة

التي تقاتل من اجلك ايها الوطن

الذي لن ينتمي اليه احد

سوى رعيان العشيرة وخصيان البلاط

وانت تحل بك اصداء سيوف مقلوبة

فلا تعجب ممن جردوك من ثيابك

وتركوك امام عاديات القدر

تتناوشك السيوف والخناجر

وتنهال عليك القذائف والاتربة

 

(5) خيال

ثمة من يقف على قدميه تائها في صحراء التيه

ينفض العتمة عن راسه

هو يحمل اعباءه ويسير في طرق موحشة

اتدري

ان الفارس ترجل عن فرسه

لا احد يحمل اعباءه

ولا طريق له سوى الوجع المتناثر في خيال الاحصنة

الجدران تنهار على ساكنيها

الازقة تفترش جثث مقاتليها

وهناك من يقدم الزهور للاموات

تهنئة بالشهادة

 

(6) وداع

من يلقي هذا الهراء من جسد الحاضر

من يكشف عن خاصرة الليل الظلام الدامس

المقاتلون يودعون اسماءهم

والامهات يبعن ابناءهن باثمان بخسة لتجار الموت

تلك هي الجراح المخضبة بالدماء

الطافحة بالالم

تكشف عن جسدك في قبر لا شاهدة عليه

فمن يعرفك ان انت لا تعرف نفسك

من انت ايها الحامل اكفان الموتى

وتفتح ابواب الموت على ناصية الغيب

انزلوا هذا الجسد

الشهداء لا ارض لهم

المهجرون لا قلوب لهم

وانا وانت نعقد مؤتمرا نحشر فيه انوفهم

ونضع اسماءهم على طاولة الحوار

نبيعهم كالخراف

 

(7) انين

يكفي ان تكون شاهدا وشهيدا

فلا بكاء ولا انين للشهداء

ولا نزف لجروح المغدورين

بعد انتهاء الحرب

سوى صورهم واسماءهم المعلقة على الارصفه

اختلط الحابل بالنابل وتشابكت عليك اكف المحتالين

فقد باعوا جسدك

ايها المضيع في الفلوات لتجار الاعضاء البشرية

وراحوا يصلون عليك صلاة الغائب

يحسبون ان صلاتهم سكنا لك

يامن لا سكن له

سوى عباءة امه

وسماء الله

 

(8) وجع

ايها المستريح على عالم من ضباب

تلك امك ثكلى تبحث عن جثة سلموها اليها بتابوتها الخشبي

ولما اتت تحفر الارض كي ترقدك

وجدتك محض عظام نخرتها الرياح

وها انت بين التراب وبين التوجع

تلقح نفسك من عاهة حصدتك

وغادرك الجمع حين اويت الى القبر

وحين راوك تجرجر اقدامك

تنفض عنك تراب القذائف

كان وجهك قد غاب عنهم

وقد انكروك ولم يجدوا غير نوط الشجاعة

يطبق الوانه في ثيابك مبتئسا في الضجيج

وها هي امك تصرخ من وجع

" اه ياولدي "

تشظت عباءة امك صاعدة للسماء

فلقد غاب ظل الحضور

الذين مشوا خلف نعشك وهي تلوح للعائدين

 

 (9) صمت

كان وشمك يطفح من صدا الصمت حين كانت يداك تمر عليه

ها هو الان ينزل قبرك ملتهبا

ايه ما اثقل الليل حين غفوت في زمن الغدر واستوحشتك النهارات من فزع

مت حزينا فبين الحقيقة والموت مالا يقال

وما بيننا لعزاء عميق

واني رثيتك حين رايت الرجال يفرون من ساحة الفر والكر

كل يؤدي السلام الى روحه

ولم يبق غير ظلال ضريحك ي

غفو على وجع

وفي الليل ترتجف الاضرحة

كان صوتك يعبرني حلما في المغيب

حبين تاتي الرياح تحمله نحو راسي

فيشتبك الحزن بين الظلام وبين شجيرة ياس

كانت تظلل قبرك غب احتراق الغسق

 

(10) مصير

ايه ياسيد العشق والحلم والامنيات

نم على وجع الامس واحصد من الموت ماتشتهي

فقلقد غاب ظل المعزين حين تشظت عباءة امك وهي تصيح بصوت حزين

من اجل ماذا اقتسمت حياتك في العيش فقرا وجوعا وخوفا

امن اجل هذا اقتسمت مصيرك

من ذا الذي يشتهي الموت غيرك

ان النشيد الذي اطلقوه اليك بموتك قد فصلوه على قدر ثوبك والاخرين

نم حزينا ودع روحك ترقد حين تئن

ولا تبتئس فصغارك حين ينامون يبكون من هلع الخوف

وحين امك ترقد في لوعة الزمن المر

بين بقاياك حاسرة الراس رافعة يدها للسماوات

ان تكون مع الجمع محتفلا بالصلاة على الشهداء

القصائد تنعى

وامك تبكيك من جزع في العراء

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم