صحيفة المثقف

اللغة في القصيدة السردية التعبيرية

كريم عبد اللهاللغة هي الجناح الذي به يحلّق الشاعر بعيدا وتتشكّل القصيدة حيّة نتلمس عطرها وتلاحقنا صورها بدهشتها وعمقها وفضاء تأويلها والاستئناس بلذّتها الحسيّة والجمالية تملأ ارواحنا بالجمال واللذة، اللغة هي الشجرة الوارفة التي تحتها نستظلّ فيئها وتأخذنا الى عوالم بعيدة تنتشلنا من كلّ هذا الضجيج الذي عمّ الافق وسدّ منافذه وانتابنا خمول في الذاكرة ونقطف ثمارها ناضجة لذيذة . اللغة هي اليقظة والنشوة والدفء والضوء الذي ينبعث من اعماق الذات تسحبنا من نومنا العميق تستفزّ خمولنا . على الشاعر الحقيقي ان يمتلك لغة خاصة به يحنو عليها ويشذّبها ويعمل عليها كالمونتير الذكي يقطع المشاهد التي تجعل القصيدة مترهّلة ويضيف اليها ما يوهّجها اكثر ويفتح للمتلقى أفقاً شاسعا للتاويل، يغامر الشاعر بلغته ويرتفع عن لغة الواقع كونها لا تمتلك عنصر المفاجأة والغواية يجعل منها قطعة مشحونة تستفزّ الخيال وتمارس الانزياح الشديد حيث نهرب اليها من نهارنا المكسو بالتشتت والضياع والحيرة نتيجة ما يكتب اليوم باسم قصيدة النثر وهي براءة من هذه التهمة .

وبعد ان حققت قصيدة النثر هذه المصالحة مع الذائقة العربية بالخصوص وكسرت حاجز النفور بينها وبين القصيدة العمودية ومنحتنا فسحة تنفّسنا من خلالها هواء جديدا صار لزاما للشاعر ان يمتلك لغة يشكّلها ويدمّرها كيف يشاء، لغة تفقد الحدود وتتفتّح عن عوالم تنبعث مما وراء الحلم تمتلك حضورا قويّا تلهبنا بسحرها وجماليتها . واليوم تظهر اللغة السردية التعبيرية منحت النصّ امكانيات كبيرة، لان السرد يتطلب وبشكل ملحّ لغة عذبة سلسلة تترقرق كالينبوع تحلّق عاليا مدهشة مبهرة تنفذ الى اعماق النفس والوجدان عند كل قارىء .

وهنا نتساءل ما هي السردية التعبيرية ..؟

(مظاهر السرد التعبيري و الذي يكون القصد منه ليس فقط الحكاية و الوصف و بناء الحدث، و انما القصد الايحاء و نقل الاحساس، و تعمد الابهار، فيكون تجلّ لعوالم الشعور الاحساس بمعنى اخر (ان الميزة الأهم للشعر السردي الذي يميزه عن النثر وان كان شعريا هو التعبيرية في السرد، فبينما في النثر السردي يكون السرد لأجل السرد، فانه في الشعر السردي يكون موظفا لأجل تعظيم طاقات اللغة التعبيرية.) (انور الموسوي) .

عن طريق السردية التعبيرية اصبح بامكان الشاعر ان يرسم لنا عالم يعجّ بالجمال وتراكم جمالي مدهش، وتحقق لنا ادبا رفيعا وبنكهة عالمية حيث تتوهّج فيه اللغة وعمق نفوذي الى الذات الانسانية وموسيقى داخلية عذبة جدا .

نماذج من قصائد سردية تعبيرية

ماتَيَسَّرَ لي ... بقلم / عادل قاسم... - العراق

أَرْفَعُ لك قُبَّعتِي، احْتِفاءً بانتصاراتِكَ المُزمنةِعلينا، أيُّها الموتُ، وأشْطبُ من قاموسِ لُغَتي. تَرفُّعي على جَبَروتِكَ، ماعُدْتُ أهزأُ بكَ،ساعةَ جَهلٍ؛ بأنَّني سأصْفَعُكَ بابتسامةِ أُمِّي الساخرةِ المُسَجَّاةِ على سَريرِ الغروبِ،

فأنتَ لم تَدعْ لي قَليلا ًمنَ الوقتِ، لأتدبَّرَ ماتيسَّرَ لي من

بَقايا(إنَّا للهِ وإِنَّا إليهِ راجعون) هأنذا اَشهقُ بِترديدِها بتراتبيةٍ تَلِّفُ طولَها على رَقبتي وَتُشدِّدُ عُقْدَةً من لِساني،ليصطَفيني الوجومُ حَبيساً في خرائبهِ المُعَتَّقةِ برائحةِ الغيابِ، أراني واقفاً كظلِّ نخلةٍ لم تَزلْ تستغيثُ في ميادينِ الخرابِ من الجَحيمِ الذي التهمَ رأسيَ، وثمَّةُ طَنينٌ في اُذُنيَّ اللتينِ تَمُجُّ منهما الدماءُ، وَعينايَ الجاحظتانِ، خَرجتا من مِحْجَريهما، جَزِعتانِ من هذهِ الجثثِ التي أفاقتْ من رقادِها بلارؤوسٍ، عبَثاً تبحثُ بينَ ماتَبقَّى من الرِمَمِ عن بقاياها ليكونَ بمقدورِها الوقوفُ تحتَ عَرائشِ الرمادِ، لالشيءٍ سِوى أنها سَئِمتْ الانْتظارَ في ديارِكَ الموحشةِالخربةِ، تَقْتاتُ عليها الدِيدانُ

والخرافاتُ، والضجرُ، ماالذي تَعنيهِ هذهِ الحياةُ؟ لاشيءَ سوى الألمِ، هراءٌ، ماامْتدتْ البَهْجةُ فِيها وأَنتَ ترى مَن تُحِبُّ يَحْتضرُ أمامَ ناظريكَ المُحَنَّطتَينِ بالفَزعِ وليسَ بمقدورِكَ أَنْ تهَبَهُ جُرْعَةً من رَمَقٍ أخير للوداع.

ماالذي تَعنيهِ هذهِ الحياةُ؟ .. هكذا تكلّم الشاعر عادل قاسم وتحت وطأة الفجيعة كتب لنا هذا الالم الفضيع، هنا وبهذه اللغة الراسمة رسم لنا هذا العالم والمأساة والواقع، نرى هنا المزج بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي (أَرْفَعُ لك قُبَّعتِي، احْتِفاءً بانتصاراتِكَ المُزمنةِعلينا، أيُّها الموتُ ... إنَّا للهِ وإِنَّا إليهِ راجعون .../ يصطَفيني الوجومُ حَبيساً في خرائبهِ المُعَتَّقةِ برائحةِ الغيابِ .../ عبَثاً تبحثُ بينَ ماتَبقَّى من الرِمَمِ عن بقاياها ..) . الحياة والموت صراع أزليّ ما بقى هذا العالم والانسان سيظلّ تحت في دوّامة هذا الصراع ماشاء له البقاء . في هذه القصيدة الرائعة نجد عالم الحزن والدموع والحسرة والخيبة واللاشيء والخرافة والضجر والفزع، لغة تضجّ بالصور الواقعية عن طريقها نقل الينا هذا الكمّ الهائل من مشاعر الحزن لتنفذ الى اعماقنا وتجعلنا نعيش هذه الفجيعة .

لقد صرت أجمل ...بقلم / نجوى الدوزي خلف الله - تونس

لقد صرتُ أجمل لمّا رسَمتَ على وجهي قَسَمَاتِ عِشْقِك .. فَقُلْنِي بِكُلِّ شِفاهِ الغَزَل كَيْ يَتَهاطلَ سِرْبُ حَفيفٍ علَى جِذْعِ الخريف ..

فَلله أنتَ كيْفَ استَطَعْتَ تَنْضيدَ طقوسِ اخضِرارِ المَوَاسِمِ، لِيَتَفَتَّحَ بُرْعُمٌ على خدِّ الألَق .. و لله أنت كيف قَشَّرْتَ صلصَالَ الرَّتَابةِ عَنْ بُؤْبُؤِ الزمنِ الصَّلْد، و فَجَّرْتَ ثرَّ الرُّؤَى الحالِمة .. و نثَرْتَ نافورةً مِنْ ألوانِ النُّجومِ في مَدَى الأُمنِيات، و قَدْ كانتْ نوَافذِي مُشْرَعَةً عَلَى احتمالِ اليَباب و جَدْبِ الغِياب .. و لله كيف اختلَسْتَ خِصْرَ المُحالِ، و علَّمْتَه الرّقْصَ علَى جُنُونِ خُطاك، عِنْد عِناقِ القصائدِ المُتبرِّجاتِ بِزينَةِ بَوْحِك، في سَحَرِ الوَجْدِ و حُلْمِ الخَمائِلِ بِأَنْفاسِ العُطُور .. و لله كيف جعلتَ صَدْرَ الأنوثَةِ دَوْحَةً لِصُداح البلابلِ، لمَّا نَفَخْتَ بِصَوْتِك فِي طِينِ صَمْتي .. فَهتَّكْتَ ظِلالَ السَّتائرِ بضَوْءٍ مُزَرْكَشٍ بالنَيازِك الطارِقاتِ علَى وَجْهِ اسْتَبْرَقٍ وَ هَفِيفِ مخمَل .. فمُدَّ دَوالي نبضِك، و امهُرْ بِحَرْفِكَ المَعْقُوصِ بقلْبي تَعَسُّلَ الوَقْت .. فَأرْوعُ مَا يُهْدَى لِأُنْثَى تَاجُ الكَلامِ، لتكونَ أجْمَل ….

في هذه القصيدة السردية التعبيرية على عكس ما رسم لنا الشاعر المبدع (عادل قاسم) من فجيعة وواقع مؤلم نتيجة ما تعرّض له من الفقد والخسارة والخيبة، هنا ومن خلال هذه اللغة المتدفّقة بالعذوبة والجمال وبهمس رقيق وايحاء ممتع جدا تقدّم لنا الشاعرة هذه الرومانسية الغارقة بالجمال والفتنة (لقد صرتُ أجمل لمّا رسَمتَ على وجهي قَسَمَاتِ عِشْقِك .../ فَلله أنتَ كيْفَ استَطَعْتَ تَنْضيدَ طقوسِ اخضِرارِ المَوَاسِمِ، لِيَتَفَتَّحَ بُرْعُمٌ على خدِّ الألَق ... / و لله كيف جعلتَ صَدْرَ الأنوثَةِ دَوْحَةً لِصُداح البلابلِ .../ فَأرْوعُ مَا يُهْدَى لِأُنْثَى تَاجُ الكَلامِ، لتكونَ أجْمَل) . في الحقية هذه القصيدة عبارة عن قطعة هائلة من الفرح الغامر رسمتها الشاعرة (الانثى) بحرفية عالية وانزياحات مدهشة جعلتنا نقف امام سطوتها منبهرين كيف صيّر الحب النقيّ ورسم على الوجه كل هذا الجمال وكيف استطاع ان ينضّد هذه البهجة الممتعة وكيف جمّل الحياة وبعث فينا هذه النشوة والسعادة، كيف منحنا فرصة نستنشق عبير ابداع جميل وجعلنا نردد مع انفسنا (الله ... الله ... الله ..!!!) .

شيء من الوحي ... بقلم / مصطفى جمعه_ليبيا

شيءٌ من الوحي يُنضج عناقيدَ أرواحٍ سكنت خصلاتك المدلهمّة . اليوم...شيءٌ من اقتراب المسافة يشي بالوجع الممهور بشفتيك مدينةٌ أَنتِ لي كمشهدٍ لم يكتمل في لوحةٍ معلقة بقنديل من حلم ضوءهُ يتماهى مع ملامح العصف الكامن في هدأةِ العناق بين الإسم و الصورة في تراتيل عشق صامت صمتَ سحابةٍ بيضاء في صخب الرّمادى و الأزرق بين الأفق البعيد المُظلّل بحاجبيك وسَمْرة بَشرتي التي أَلِفت تحدّي الغواية على أسوار الأنوثة في مدنٍ من أساطير الحب المفقود المهدور علي نهدين من النور يغزوهما التّوقُ كلَّ حينٍ ثُم علي شُرفتهما البيضاء يندَحِر..أيّ إثم هذا الذي يرتكبهُ من يكتب الشعر عن نهدَيك؟ أي إثمٍ هذا الذي يرتكبه نبيٌّ في العشق لم يُوحَىٰ إليه .

في هذه اللغة الجميلة المنبعثة مما وراء الحلم صوّر لنا الشاعر شيء كثير من الابداع، ورسم لنا لوحة زاهية معلّقة بقنديل من حلم (شيءٌ من الوحي يُنضج عناقيدَ أرواحٍ سكنت خصلاتك المدلهمّة .../ شيءٌ من اقتراب المسافة يشي بالوجع الممهور بشفتيك .. / أيّ إثم هذا الذي يرتكبهُ من يكتب الشعر عن نهدَيك؟) . بهذه اللغة الموحية بالرمزية الجميلة استطاع الشاعر ان يأخنا الى عالمه السحري ويقحمنا عنوة فيه وكأننا نتلمس من وراء الكمات اجساما محسوسة تنثّ علينا ببلل العذوبة والتحليق . استطاع من خلال لغة متموّجة بين الايحاء والرمزية والتوصيل ان يحقق تجلّي واضح لطاقات اللغة، لغة قريبة لنا غمرتنا بهذا النور والابداع .

لغةُ الوردِ ... أعذبُ الشِّعرِ / بقلم / مرام عطية - سوريا

أتدرونَ ما قصةُ الوردةِ الحمراءِ ؟!

أخبرني الربيعُ ذاتَ عشقٍ : مذْ قدمَ أميرُ النورِ من أقاليمِ الشَّمسِ على جواده الأصيلِ يحملُ سلالَ الزمردِ والياقوتِ لبلادِ الياسمين بعدَ ليلٍ طويلٍ دامسٍ فتنتهُ الطَّبيعةُ بسحرها، وهو يتنزهُ بين خمائلها النضرةِ، أسرتْ فؤادَه وردةٌ بيضاءُ دمشقيَّةٌ فائقةُ الروعةِ، تسيلُ خوابيها عذوبةً يقطفُ النَّحلُ من رحيقها

كؤوسَ الشهدِ و يتموجُ جسدها البضِّ برهافةِ الفراشاتِ،

نزلَ عن فرسهِ وقبَّلَ يديها الناعمتين، فترنحتْ حبورا بضيائهِ، وتمايل قدَّها المياسُ رقةً وعطراً وهو يضمُّها إليهِ، احمرَّتْ حياءً حين غمرها بسيلِ من القبلِ، و ازدادَ توهجُ وجنتيها، انهمرتْ الدموعُ تسقي خصرها النحيلِ، إنَّها ترى عيونَ المخلوقاتِ تراقبها، منذُ ذلك الزمنِ ابتلعَ الحياءُ ذاكرتها العذراءَ ووشمَ الحبُّ وجنتيها بلونٍ قرمزيٍّ

وغدتْ رمزاً للحبِّ والجمال، و رسولَ العاشقينَ

وغدا مشهدُ العشقِ الأثيرُ هذا بينَ أميرِ النورِ والوردةِ البيضاءِ لوحةً آسرةً للمحبين، فكم حملَ من أشواقٍ و لهفةٍ للعشَّاق ! وكم أباحَ من هفواتٍ !

دامَ فصلُ العطاءِ قزحيَّا في بلادي و دامَ الحبُّ لغةَ النورِ والوردِ، إنها أعذبُ الشِّعرِ وأجملُ اللغاتِ ......

من مطلع العنوان نتشمّم عطر الورد وعذوبة الشعر وسحر الربيع ونتلمس الزمرد والياقوت ويغمرنا النور القادم من ذاكرة الشاعرة المفعم بالياسمين والوطن . (أخبرني الربيعُ ذاتَ عشقٍ : مذْ قدمَ أميرُ النورِ من أقاليمِ الشَّمسِ على جواده الأصيلِ يحملُ سلالَ الزمردِ والياقوتِ لبلادِ الياسمين بعدَ ليلٍ طويلٍ دامسٍ فتنتهُ الطَّبيعةُ بسحرها .../ وردةٌ بيضاءُ دمشقيَّةٌ فائقةُ الروعةِ، تسيلُ خوابيها عذوبةً يقطفُ النَّحلُ من رحيقها كؤوسَ الشهدِ و يتموجُ جسدها البضِّ برهافةِ الفراشاتِ ../ دامَ فصلُ العطاءِ قزحيَّا في بلادي و دامَ الحبُّ لغةَ النورِ والوردِ .) . هنا نجد لغة رقيقة معطّرة بالياسمين الدمشقيّ رسمت لنا الشاعرة هذه اللوحة المشرقة، فلولا اللغة السردية التعبيرية التي منحتها هذا الافق الشاسع من التعبير لما كانت المفردات تتحدث بعفوية رطبة انيقة هامسة . هذا الحنين العميق للوطن والذكريات المحمّلة بالانتماء للارض والانسان والياسمين المعرّش في حنايا الروح جعلنا نقف امام سطوة اللغة نتنفس كل هذا الالق، هنا نجد الشاعرة مختفية وراء العبارات وهي توحي لنا عن طريق لغتها الحيّة وكأننا نرى الاشياء وتنطلق بنا بعيدا الى عالمها الخاص، عالم عميق تتشكّل فيه الصور النابضة متلألأة ملونة برّاقة .

قوس قزح بين قيامة الأغصان ... بقلم / سلوى علي ... العراق/ السليمانية

ملامح ضحكاتها مراكبها عامرة بالوجع، تترجل منتشية بالتأوه أشرعتها، دموعها المؤججة تهمهم للضفاف بلحن أزلي، تتمايل أملاح جداولها عمرا متبلج بالإشتياق بين أفول الإنتظار، كلما داهم الأسى مشاعل أقواس قزحها بين قيامة الأغصان المتأكلة .

تمسح رماد درب طويل مزدهر بالأمال، فروعها رجيمة مكتظة بنغمات الرحيل الأبدي، لترسم على الشفاه أبتسامة في حضرة الحنين، تتجرع منها زمهرير الحزن الى ما لا نهاية، لتعبث الوحشة بوريقات الصبر بين مروجها الجليدية لطيف أمتد جرحه باسقا بين خرائط الروح.

تذرف نبيذ الذكريات على فم الوجد مثقلة بالأهات، منذ أصبحت سارية في ذهول التكوين وسكنت أمواج مملكتها أقاليم دروب سرية، تحلم بملحمة تتراقص تجاويفها فوق سنابل أفئدتها المسمرة الغارق بالخريف مع هديل حمامة أستعارت أسما من الفرح .

وأنا مشحونة بالجنون !!!!!، ألملم حكايا تبعثرت من قلب (دايكم)* .

* (دايكم) كلمة باللغة الكوردية وتعنى أمي.

......................

تصدمنا الشاعرة هنا من خلال عنوانها الغريب والمستفزّ لتوحي لنا لغتها السردية التعبيرية اننا امام لغة مختلفة (ملامح ضحكاتها مراكبها عامرة بالوجع، تترجل منتشية بالتأوه أشرعتها، دموعها المؤججة تهمهم للضفاف بلحن أزلي ../ تذرف نبيذ الذكريات على فم الوجد مثقلة بالأهات .../ تحلم بملحمة تتراقص تجاويفها فوق سنابل أفئدتها المسمرة الغارق بالخريف .. وأنا مشحونة بالجنون !!!!!، ألملم حكايا تبعثرت من قلب (دايكم)) . لغة المشاعر ها هنا تتحدث عن نفسها بنفسها حيث الشاعرة مختفية خلف مفرداتها خلقت للضحات ملامح مراكبها (هل تعني ملامح أو ضحكتها) تدعونا هنا للوقوف والتأمل والتأويل وهذه المراكب عامرة بالوجع (اي لغة عظيمة هذه ..!!!) . لو تأملنا لغة القصيدة لوجدنا كتلة مشاعر وهذه الاخيرة ترسم لنا صورا مدهشة تستحق الاعجاب .

حبرٌ صامتٌ على كفِّ الروح ... بقلم / خلود منذر - سوريا

العمرُ زورقٌ يَدورُ في كفِّ القدر و الأمنيات أوراقٌ مرسومة ٌ تمضي مع مياه المراكب، جسر العزيمة

تطحنه رياح الفصول،

صولجان الإمارة يتسكع على عتبة الوقت، تضيق أبواب الأمل و معاطف الطقوس تمزقها أصابع الشك، نذير المطالب يشقُ رداء الظلمة، الراشدون أيتام في زمن القحط، عروة القلوب تتأرجح على أكتاف الفقر، سقمٌ يطال أجساد البيوت، جموح الهوى يُذبح بمنجل المغامرة.

على نافذة ألايام فجرٌ يناظر طُهرَ الأرض و أقداح السلام في أباريق الرحمة تنوحُ، يلبس الوجه موشح الأوجاع، تنزلق الأحلام في جُبّ العتمة، نفوسٌ تَجنح في عالم الوجد إن صدقت ربحت رحيق الغد. أمدُ عشبة يدي إلى وجه الشمس تدور المجرة و يتبدل الزمن بتمتمات الأفلاك، أيقن النور مداه.

هنا ايضا حيث العنوان المبهر (حبرٌ صامتٌ على كفِّ الروح ...)، حبرٌ/ صمت / كفّ / روح، تستفزّنا الشاعرة بهذا العنوان وتجعلنا نتساء (منْ منح هذا الحبر كل هذا الصمت وكيف يكون على كفّ الروح والاخيرة هل لها روح ..!) . نجد هنا حركة دائبة مستمرة من خلال هذه اللغة (العمر / زورق / يدور / تمضي / المراكب / تطحن / رياح / يتسكّع / الوقت / نضيق / تمزّقها / يشقّ / زمن / تتأرجح / جموح / يذبح / وهكذا في بقيّة القصيدة المتحرّكة . هذه المفردات نهضت بمهمة التعبير عن حركة مستمرة داخل القصيدة وجسّدت لنا لغة شفيفة عذبة ريّانة تموج داخليا وتطفو الى السطح حيث تنتشي بها الذائقة وخلقت لنا علاقات جديدة متشظّية بين المفردات لم تكن من قبل وأثرت اللغة بالعلاقات المتجددة .

أنا لستُ شاعرا بقلم / هيثم الأمين تونس

يُمشّطُ اللّيل كآباتي فتنسدِلَ على أكتاف لغتي نصوصا حزينة. سيقول البعض عنها جميلة، فقط، لأنّ النصّ لا ينام على كرسيّ في حديقة عامّة و لا يلجأ إلى مقهى لا تعرفه لينثر ما تبقّى من حروفه على صفحة غريبة. مازالت كآباتي تسألني و تضحك: لما لا تنبت الزّنابق على صدرك و لا شقائق النّعمان؟ و أنا، مازلتُ أكتفي بنفس الإجابة: ورود الملح غزت كلّ صدري و ساعته التي أدمنت الصّهيل ما عادتُ تشير عقاربها لزمن الزنابق و شقائق النّعمان. في اللّيل، تكبر كآباتي جدا و تصير أدغالا تسكنها كلّ الوحوش الخرافيّة و أنا ما تعلّمتُ يوما القتال ببندقيّة فرح. كآباتي اسطبلات بمساحة لغة يحاصرها، كلّ ليلة، عواء وجع مبتور الأسبابْ! هل أبدو لكم شاعرا حقا؟! كيف ذلك و أنا قد نسيت رأسي جاثيا عند أقدام مقصلة قديمة؟! كيف ذلك و أصابعي لا تُجيد الرّكض خلف عبارة فاتنة؟! كيف ذلك و قلبي لا مواعيد جديدة له؟! أنا لستُ شاعرا، أنا بقايا قصيدة قديمة تكتُبُها، كلّ ليلة، كآبات جديدة.

(يُمشّطُ اللّيل كآباتي فتنسدِلَ على أكتاف لغتي نصوصا حزينة ../ مازالت كآباتي تسألني و تضحك ../ تكبر كآباتي جدا و تصير أدغالا تسكنها كلّ الوحوش الخرافيّة ../ كآباتي اسطبلات بمساحة لغة يحاصرها ../ أنا بقايا قصيدة قديمة تكتُبُها، كلّ ليلة، كآبات جديدة.) . نحن امام كآبة شديدة تمور مورا داخل القصيدة وروح الشاعر، لغة الشاعر تستثير عند المتلقى الاحساس بالحزن وتمسّ شغاف الروح وتتعمّق فكان أثرها بليغا وممتعا في نفس الوقت . الشاعر حاضر وبقوة من خلال كآبته ولغته الحزينة، منح الليل صفة مشّطت كآبته فانسدلت لغته كالشعر الاسوح نصوصا حزينة، بينما مازالت كآبته ترافقه وتضحك (هذا التضاد او الجمع بينها يعتبر من اهم اركان الجمال في الشعر والادب، لانه يشيع في مفاصل القصيدة حركة دائبة بين عناصر متضادة، فتنهض المفلادات بمهمة التعبير عن ذلك الصراع الخفي او الظاهري وتجسّد معالمه وملامحه، باتجاه انتصار حالة على اخرى / كآبة / ضحك) . القصيدة زاخرة بالازياحات المدهشة استطاع الشاعر ان يأخذ الصور المألوفة ويلوّنها بفنّه ويغذّيها بذوقه ويخلقها عن طريق موهبته .

ترانيم سومرية بقلم / سميرة محمد محمود - العراق

على صفحة نهر (ايزار)*فراشة سومرية، تسافر بنشوة موجة، يؤنسها وحشة شواطىء اخترعت ابجدية الافق، حيث يطلق الصمت العميق احصنة الليل في رأسها، المثقل بالحكايا والموسيقى والوان الفضاء،تستنطقها الموجة، لما انت بيننا ؟ تجيب ولما نفرتيتي في برلين؟؟ وفي لحظة صمت موحشة الأشواق، حيث القمر والاشجار تستحم بهدير ضوء النجوم، وعلى هدي خرائط هزائمي، طرت اليك، فمياهي الاقليمية ترفض ان ترفع رايات النسيان، اوغل على اطراف اصابعي في غابات سرك، امراءة تعيش بقلب معطوب وتدور به الأفلاك، لم تعلمها العناكب فن حياكة اكفان النسيان، اسقط عند اعتاب عينيك، ايها السكسوني الجميل، الذي يتحداني بصدقه، اغرق بالوانها التي تهدي قوس قزح للغيوم الماطرة، اراقص ظلك فوق جدار الموج، والمسافة بيني وبين لقاؤنا جسر من الأه، فيسقط جدار الموج، ويبقى ظلك بصمة بوجه المدى.

*(ايزار) نهر في ميونخ.

لغة العنوان (ترانيم سومرية ) ومفرد الترانيم الترنيمة وهي موسيقى او انشودة او اغنية صغيرة خفيفة اللحن ابتكرتها ذاكرة الشاعرة وخيالها الخصب من اعماق التاريخ (حضارة السومر) القديمة جدا . اذا نحن امام لغة عذبة جاءت بها الشاعرة من الهناااااك البعيد سرعان ما بددت الزمن الماضي بزمن حاضر من خلال (ايزار/ نهر في ميونخ) جعلت بداية القصيدة في صراع ما بين الماضي والحاضر فكانت الذات الشاعرة (فراشة رقيقة جميلة) انتقلت من البعيد الى القريب وخلقت لنا لغتها هذه الشفافية والرقة هيّجت فينا المشاعر والاحاسيس ومزجت بين حضارات (سومر ومصر القديمة (نفرتيتي) والحضارة الاوربية المعارصة . (على صفحة نهر (ايزار)*فراشة سومرية، تسافر بنشوة موجة، يؤنسها وحشة شواطىء اخترعت ابجدية الافق ../ تجيب ولما نفرتيتي في برلين ../ امراءة تعيش بقلب معطوب وتدور به الأفلاك ../ اراقص ظلك فوق جدار الموج ..) . بالتأكيد استطاعت الشاعرة في هذا السرد التعبير الجميل ومن خلال سعيها ان تقبض على الشعر فقدّمت لنا هذا الألق .

 

كريم عبدالله - العراق

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم