صحيفة المثقف

العدوان الأمريكي على إيران.. حسابات الماضي والحاضر والمستقبل

قادة جليدلا بد أن نتفق من البداية، أن السلوك السياسي الجديد للإدارة الأمريكية بقيادة ترامب تثير الكثير من الجدل وأحيانا كثيرة قلقا متزايدا داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، ولعل هذا ما عبر عنه الرئيس الأمريكي السابق أوباما في خطابه في جنوب إفريقيا بمناسبة إحياء ذكرى ميلاد الزعيم الإفريقي نلسون منديلا، عندما قال في معنى قوله أن العالم يعيش أحداثا غريبة وأنه يتجه نحو المجهول، فالسلوك السياسي لترامب وإدارته الجديدة ليس خطرا على العالم فقط، ولكن على الولايات المتحدة الأمريكية، وخير دليل على ذلك قمة هلسنكي الأخيرة إذ كان الرابح الأكبر من هذه القضية هو الكيان الصهيوني، فترامب ذهب إلى القمة ليس للدفاع عن المصالح الأمريكية ولكن للدفاع عن مصالح إسرائيل، وأمام دهاء بوتين وغباء ترامب وزلاتة الكثيرة ظهرت موجات غضب كبيرة داخل المؤسسات الأمريكية الفاعلة جعلت ترامب يعيش أوقاتا عصيبة قد تعجل بتقليص ولايته وإقالته وإخراجه من مسرح الأحداث، إن ترامب ولا شك يطبق مبدأَ سياسيا متفق عليه في أمريكا ولكن هذه المرة بصورة فجة ووقحة ودون تغليفها بغطاء دبلوماسي وهي أن الشعب الأمريكي ينتخب الرؤساء في أمريكا لكي يدافعوا على مصلحة إسرائيل قبل الولايات المتحدة الأمريكية .

كان لابد من تقديم هذه هذه الصورة الأولية قبل الدخول في الموضوع، لأنه فعلا العالم يعيش أحداثا لا أحد يعرف مآلاتها ومخرجاتها فحتى داخل الحضارة الغربية نفسها المعبر عنها بالمركزية الغربية هناك مركزية أخرى تنسلخ وتتعالى عنها وهي المركزية الأمريكية المعبر عنها في صورتها الجديدة من خلال ترامب وإدارته المجنونة التي تبحث دائما عن خلق المشكلات واعتماد سياسة التفكيك وتبني أسلوب البلطجة والمساومة المباشرة، ولقد عبر عنها ترامب شخصيا عندما قال : بأنه في العلاقات الدولية لا تهمه المبادئ والقيم ولكن يهمه المال والمصلحة، فأين يمكن أن يسير العالم وفق هذا المنطق المجنون؟

إن هذه الملاحظات تساعدنا دون شك حتى نفهم هذا السلوك العدواني الشرس ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، وغن كان هذا العدوان متوارث تاريخيا لدى الأمريكان فإن ترامب قد ألغى كل الخطوط الحمراء والأعراف الدبلوماسية والدولية وهو بالتالي لا يتلاعب بإيران فقط ولكنه يتلاعب بمصير العالم، ولكي نفهم هذا السلوك جيدا فلا بد من العودة إلى التاريخ لأن لكل فعل سياسي بداية في الزمن .

إن المتتبع لمسار الأحداث السياسية العالمية وإفرازاتها في الواقع خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما رافق ذلك من بيانات إيديولوجية وسياسية والترويج لمفاهيم وشعارات جديدة كمقدمة للتدخل العسكري والسياسي، مثل النظام العالمي الجديد والشرق الأوسط الجديد ونهاية الإيديولوجيات ونهاية التاريخ وصراع الحضارات وأخيرا وليس آخرا مفهوم العولمة كواقع سياسي وإقتصادي وثقافي يبقى الهدف الأساسي منه هو فرض ثقافة واحدة على الشعوب كطريقة في التفكير والإستهلاك والتعاطي مع العالم وتدجين هذه الشعوب وسلخها عن هويتها وكيانها وتحطيم أحلامها ورغباتها المشروعة فعندما توجه هذه الإستراتيجيات إلى منطقة الشرق الأوسط يبقى الهدف الأساسي منها المعلن والخفي هو تصفية القضية الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني وتهيئة الرأي العام العربي والإسلامي والمجتمع الدولي لتقبل هذه الحقيقة والتعود عليها في الحاضر والمستقبل، والدليل على ذلك هو تسارع الأحداث وإعتراف أمريكا بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل رغم معارضة العالم أجمع لأن إسرائيل تدرك جيدا أن الوقت مناسب والعالم العربي والإسلامي يعيش أسوأ ظروفه وأحواله في تنفيذ هذه الأجندة الخبيثة حتى تصبح حقا مكتسبا في المستقبل ولو تغيرت الظروف الإقليمية والدولية، ويبقى دور إسرائيل هو الضغط وجر الأنظمة العربية للإعتراف بها تحت الضغط الأمريكي والترامبي، وهذا ما ستسعى إليه إسرائيل في المستقبل .

إن كل هذه المخططات المرسومة والمدروسة بعناية والعالم الإسلامي والعربي في غفلة من أمره وتواطأ الأنظمة السياسية العربية في كل مؤامرة تستهدف تمزيقه على غرار مؤامرة الربيع العربي وتفكيك وتدمير الدول الوطنية ونشر الفكر الطائفي بين المسلمين إلى حد التكفير والإقتتال، وتدمير الدول الكبرى التي تمثل معالم الحضارة العربية الإسلامية، وأقصد بهما دولة العراق كامتداد للحضارة الإسلامية العباسية ودولة سوريا كامتداد للحضارة الإسلامية الأموية وأخيرا وليس آخرا محاولة ضرب إيران ومحاصرتها إقتصاديا وسياسيا بإعتبارها الخلفية الإستراتيجية للإسلام والمسلمين والتي يخشاها الغرب وخاصة أمريكا ويحاول دائما أن يخلق العراقيل لفصلها عن العالم العربي والإسلامي وتصويرها كعدو للأنظمة العربية من خلال تفعيل المخطط الطائفي وبمباركة من فقهاء السلطان والبلاط ومحاولة إحداث فتنة بين الشعب الإيراني المسلم وحكومته من خلال اللعب على وتر الرفاه الإجتماعي في مقابل الحرية والعزة والكرامة، ولكن هيهات أن يسقط الشعب الإيراني في هذه المؤامرة، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ولكن لا بد أن نتساءل: ما هي خلفية هذا العدوان، ما هي أسبابه وأهدافه وغاياته؟

يرى المؤرخون غير التقليديين خاصة مدرسة الحوليات في التاريخ أنه من أجل تفسير الظواهر التاريخية في الحاضر لا بد أن نستعمل مفهوم المدة الزمنية الطويلة وليس القصيرة لتقديم تفسير موضوعي عما يحدث اليوم، فالذي يحدث اليوم له أسباب عميقة تعود إلى قرون طويلة ، فإيران تشكل عقدة تاريخية وحضارية بالنسبة لأمريكا لأن الجمهورية الإسلامية في إيران دولة متجذرة في التاريخ والحضارة منذ آلاف السنين، ولا مجال للمقارنة بينها وبين أمريكا، ففي هذا المجال تمثل بعوضة صغيرة أمام إيران العملاق التاريخي والحضاري .

لفد إعتنق الإيرانيون الإسلام عن قناعة ومحبة وزادهم الإسلام قوة على قوتهم السابقة وساهموا في نشر الحضارة الإسلامية ورسالة الإسلام وقيمه، وكان منهم العلماء الأجلاء وهذه حقيقة يؤكدها التاريخ ويشهد عليها الواقع، ومنذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران سنة 1979 أصيب الغرب وخاصة أمريكا بالذعر والإحباط وحاولوا بكل الوسائل والإمكانيات القضاء على هذه الثورة وخنقها وشيطنتها إعلاميا لأنهم يعرفون قدرات إيران وإرثها الحضاري وقوتها المستقبلية التي يسندها تاريخ طويل وحضارة عريقة، ولكنهم فشلوا وراهنوا على الزمن، ولكن إيران بفضل حكمة مسؤوليها والوعي التاريخي للشعب الإيراني المسلم تحولت إلى قوة علمية وتكنلوجية وثقافية وحققت إنجازات كبيرة تحت ظل الحصار الظالم ولسنين طويلة ما كانت أي دولة أخرى في المنطقة أن تصمد لو كانت محلها ولو لسنة واحدة .

إنها عبقرية الشعب الإيراني الذي إستطاع أن يدشن نهضته الجديدة، وككل دولة في التاريخ تعيش نهضتها المنشودة فلا بد أن يكون لها امتداد في العالم اللإسلامي، امتداد ثقافي وسياسي وإقتصادي وإيديولوجي مع الدول والشعوب التي تتقاسم معها الرؤية الإيديولوجية والسياسية وفي إطار تبادل المنافع الإقتصادية المشتركة وهذا ما يخشاه الغرب وأمريكا تحديدا فهم يمنعون هذا الحق عن غيرهم ويعطونه لأنفسهم فلهم مراكز ثقافية في كل الدول وجامعات وقواعد عسكرية وشركات متعددة الجنسيات كل ذلك حلال على أمريكا وحرام على إيران .

إن الغرب عموما وأمريكا تحديدا يرفضون أي مشروع نهضوي لأي دولة عربية أو إسلامية ويعملون على إفشاله لأن ذلك يشكل خطرا عليها وعلى مصالحها وخطرا على إسرائيل لب الموضوع في كل هذه الحسابات، فالغرب لا يمنع عنا حداثته المادية التي نشتريها بأموالنا ولكنه يمنعنا من تدشين الحداثة الفكرية والثقافية والعلمية التي تؤسس لمشروع نهضة مستقبلية، فالغرب يريدنا كما قال الشاعر العربي الفلسطيني الكبير محمد درويش رحمه الله : بداوة تمتطي حضارة ولا يريدنا أن نكون حضارة تمتطي قيما ورؤية وآفاق للغد .

و حتى تركيا البلد الإسلامي التي هي عضو في الحلف الأطلسي ينظر إليها بعين الريبة والشك من طرف الغرب لأنها تبنت مشروعا نهضويا واعدا ابتدأته منذ سنة 2002 ولقد برهنت الأرقام والوقائع على نجاعته الى حد الآن، لذلك لم تقبل عضويتها إلى اليوم في الإتحاد الأروبي لأنها تنتمي إلى دائرة الحضارة الإسلامية على حد تعبير صاحب نظرية صراع الحضارات الأمريكي هنتيكتون، وما الحملة الإعلامية الغربية والفرنسية على وجه الخصوص ضد الرئيس التركي أردوغان الا خير دليل على ذلك، وجاء الرد من الشعب التركي المسلم بإنتخابات رئاسية ديمقراطية شفافة وقياسية في نفس الوقت لم يحدث مثلها في العالم الغربي نفسه وبفوز كبير للرئيس أردوغان في الدور الأول، إن هذه الإنتخابات تمثل عقدة للغرب وخاصة فرنسا التي تحاصر تركيا في كل مكان كما تحاصرها إقتصاديا وسياسيا في افريقيا باعتبارها مناطق نفوذ فرنسية وتعتبر من الدول الأعضاء في الإتحاد الأروبي التي ترفض بشدة عضوية تركيا في هذا الفضاء السياسي والإقتصادي دون أن نسى محاولة الإنقلاب الفاشلة الأخيرة سنة 2016 ضد الرئيس أردوغان ونظامه السياسي الديمقراطي ويبدوا واضحا ومؤكدا وجليا دور الإستخبارات الأمريكية والكيان الصهيوني في تنفيذ هذه الجريمة الدولية ، ونفس الشيئ يمكن ان يقال عن النظام السياسي في إيران فهو نظام ديمقراطي حر وشفاف ويتميز باستقلالية المؤسسات وسلطة الدستور وحتى منصب المرشد الأعلى هو منصب دستوري في إيران وليس منصبا لاهوتيا مطلقا كما يصوره الغرب وأعداء الشعب الإيراني المسلم .

إن الغرب وأمريكا تحديدا يستهدفون الدول العربية والإسلامية التي تتبنى مشروعا نهضويا وحضاريا لأن في ذلك خطر على إسرائيل إن لم يكن على المدى القريب فعلى المدى البعيد كما يستهدف دولا بعينها خاصة إيران وتركيا وسوريا ولبنان باعتبارهم محورا للمقاومة بالمعنى الواسع للكلمة ويدافعون عن القضية الفلسطينية ويعتبرونها جزءا من سياستهم الخارجية والداخلية وقضيتهم المركزية في الصراع العربي الإسلامي الإسرائيلي .

إن العدوان الأمريكي على إيران من خلال خروج أمريكا من الإتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات اقتصادية على إيران وعلى حلفائه في الإتحاد الأروبي وتهديدهم بعقوبات اقتصادية قاسية وابتزاز إيران ومحاوله فرض شروط وإملاءات عليها بسحب نفوذها من سوريا ولبنان واليمن، كل هذه المحاولات لها هدف واحد ووحيد وهو تصفية القضية الفلسطينية كما قلت وتأمين الحماية الكاملة والمطلقة لإسرائيل، لأن القضية الفلسطينية هي جزء من عقيدة إيران الإيديولوجية حكومة وشعبا وقيادة، كما هي واجب على كل مسلم وعربي، بل وكل إنسان في العالم لتحرير فلسطين من البربرية الصهيونية وجرائمها الوحشية التي لن تسقط بالتقادم وسوف يعيد التاريخ دورته الجديدة، فالتاريخ جوهره الزمن والزمن هو أصل التبدل والتغير والشعوب قد تنام وقد تستيقظ، وآن للعرب والمسلمين شعوبا وأنظمة أن يعيدوا قراءة الماضي من جديد، الماضي القريب والبعيد، فالعالم الإسلامي لا يؤثر في الأحداث إلا إذا تحرك ككتلة واحدة، وهاهي معالم هذا العهد ترتسم في الأفق بفشل المخطط الصهيوني والأمريكي في تدمير سوريا، وهاهي إسرائيل مرعوبة تضغط بكل الوسائل لتحجيم الوجود الإيراني في سوريا وكذلك حزب الله اللبناني المقاوم فخر العرب والمسلمين جميعا، هذا الوجود الذي لم يكن لولا هذه الحرب، إنه فعلا مكر العقل والتاريخ، وهي كلها أوراق رابحة لإيران تستعملها في إطار منطق السياسة للدفاع عن كيانها ومبادئها ومصالحها، وهاهي الجماعات الإرهابية والمسلحة تنهار وتستسلم في سوريا بعد أن قطعت عليهم الأنظمة التي كانت تمولهم الحبل السري وأقصد الدعم المالي والغطاء السياسي لأن الذي يخون بلده ويتلقى الدعم من الأجنبي لتدميره لا ثقه فيه بالنسبة لأمريكا والكيان الصهيوني وهذا هو الدرس الذي يحب أن تستخلصه هذه الجماعات، فالحل السياسي يكون في سوريا وبين السوريين، لقد انتهت المسرحية في سوريا ومات المخرج وانسحب الممثلون من المسرح، هذه المسرحية التي لم يتابعها الجمهور لأنها رديئة جدا في السيناريو والإخراج، نقول ذلك ونحن نعيش عصر إعمار سوريا الجديد بعد تحريرها ولكن مع ضرورة الإستفادة من دروس الماضي حتى تعود سوريا أكثر قوة في المستقبل من خلال الإنخراط الشامل في المصالحة الوطنية وممارسة الديمقراطية التشاركية وضمان الحقوق والحريات والمساومات بين المواطنين وإصلاح البنية الإجتماعية والسياسية للدولة مع المراهنة على الوعي الوطني السوري باعتبار أن سوريا تعيش على الخط التماس المباشر مع الكيان الصهيوني فالتوجس الأمني يبقى دائما قائما لكنه لا يستعمل كذريعية لقمع الحريات أو مصادرتها .

إننا ندعوا إلى وحدة العالم الإسلامي، ففي هذا الإطار يجب على النخبة أن تتحرك إذا كانت تحب الخير لهذه الأمة من علماء الدين والساسة والمثقفين والكتاب والفنانين وكل من يتحمل مسؤولية الكلمة أو الحرف أو الصورة أو الصوت أو القرار، لأن هذه الوحدة لن تتحقق في الواقع إلا إذا تحققت على المستوى الفكر والوعي، ونقول لكل الأنظمة التي تورطت في سوريا سواء كانت عربية أو إسلامية أن تعيد حساباتها جيدا لأن هذه الحرب لم تخدم إلا إسرائيل العدو الأكبر للعرب والمسلمين جميعا والإنسانية على حد سواء فتركيا مثلا ستزول هواجسها الأمنية في مناطقها الحدودية بمجرد أن تفرض سوريا سياستها الشرعية على أراضيها هناك في المنطقة، وبالتالي ضرورة وإلزامية التنسيق المباشر وبدون وسيط بين تركيا وسوريا في إطار سياسة حسن الجوار والتعاون المشترك والقواسم المشتركة والإنتماء الواحد للأمة الإسلامية .

إن تحقيق وحدة العالم الإسلامي هي حقيقة مستقبلية لا غبارعليها،و هذا مما يدفع بقوة للتسريع بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وتحرير فلسطين كل فلسطين .

ولا شك أن مصادقة الكنيست الإسرائيلي مؤخرا على قانون يؤكد فيه يهودية الكيان الصهيوني هو مؤشر على نهاية هذا الكيان، فإسرائيل من خلال هذا القانون سجنت نفسها في صورة عنصرية بغيضة وبشعة، صورة لم نعهدها حتى في القرون الوسطى الحالكة الظلام، فليكن عنوان وحدة العالم الإسلامي هو عنوانا لنهاية إسرائيل وهذه هي المعادلة الحضارية التي يخشاها الغرب وأمريكا وإسرائيل وسيستعملون كل الوسائل من أجل قتلها ووأدها كحلم وفكرة ناهيك على صعيد الواقع، ولكن التاريخ له دورته العجيبة فلا تغتروا بمظاهر الغروب لأن الشمس ستشرق من جديد .

يقول الفيلسوف الألماني هيجل 1831-1770 إن الإنسان وهو يحقق أهدافه الخاصة يحقق أهداف التاريخ والروح المطلق بدون إرادة ووعي منه، وهذا ما يسميه مكر العقل والتاريخ، فالتاريخ لا يستطيع أحد أن يتصور مآلاته ومنعطفاته، ولكن هناك تاريخ جديد قد بدأ، تاريخ ولد من رحم الأحزان والمعاناة، إنه تاريخ إنسان العالم الإسلامي الجديد المتحالف والمتضامن مع الإنسان الكوني والعالمي لأن القيم الإنسانية واحدة عندما تكون مجردة من الإستكبار والإستعلاء، من كان يظن ويعتقد بزوال الإمبراطورية الرومانية التي عمرت قرونا طويلة، ومن كان يظن بزوال الإستعمار وجلائه، إنها سنن التاريخ التي لاتحابي ولا تجامل أحدا وتصدق قوانينها على الجميع، لقد إعتقد اليونان قديما بفكرة العود الأبدي وقدسوا الدائرة وإعتبروها أكمل الأشكال ومن بين أسباب هذا الإعتقاد زوال الحضارات والعمران بفعل الكوارث الطبيعية التي كانت تعيد الحضارة وكل ما بناه الإنسان إلى نقطة الصفر، فتاريخ الحضارات يثبت أن هناك مدنا وشعوبا زالت فجأة عن مسرح التاريخ وبدون سابق إنذار هذه الشعوب التي كانت تعتقد بالقوة والسيطرة والطغيان وتاريخ البشرية والطبيعة واحد يصدق في الماضي والحاضر والمستقبل فالتاريخ ليس ما يريده الإنسان لكن ما يراد له أيضا خارج إرادته وتخطيطه، إننا نؤمن بالقيم وبمصدر هذه القيم الذي هو الله ربنا ورب الناس أجمعين، هذه القيم التي ينكرها ترامب الذي يؤكد قائلا : أنا لا أومن بالقيم والمبادئ ولكني أومن بالمال والمصالح من خلال فرض إرادة الهيمنة والقوة والبطش ومنطق فرعون الذي لا يختلف عنه السيد ترامب كثيرا وسوق يلقى نفس المصير نتيجة أفعاله وبطشه وطيشه.

فعلا لقد سقطت أمريكا أخلاقيا وسياسيا في المستنقع الصهيوني، وهاهي تتهاوى يوما بعد يوم بعد أن دخلت في حرب ضد الجميع جعلت أحرار العالم يتساءلون عن مصير العالم والإنسانية في ضل هذا المنطق المقلوب والمخيف واللا متوقع، إنها ترسم نهايتها المعهودة، هل هو حلم ؟ فليكن ولكن هل يستطيع الإنسان أن يعيش بدون حلم؟ خاصة إذا كان هذا الحلم ما يبرره من الناحية الأخلاقية والتاريخية والإنسانية والعقائدية ألم يثبت تاريخ العلم أن كل المنجزات العظيمة كانت مجرد أحلام في يوم من الأيام ؟ أي أنها كانت مجرد حلم في ذهن صاحبها قبل أن يتحقق على أرض الواقع، فعلا وبكل تأكيد أنه مجرد حلم ولكني مؤمن بتحققه وإني أراه علم اليقين وعين اليقين، إن اليوم الذي تسقط في صباحه أمريكا لهو اليوم الذي تسقط في مسائه إسرائيل وتفنى وتندثر من الوجود إلى غير رجعة، مع حبنا وتقديرنا للشعب الأمريكي الحر الذي نراه ضحية وليس مشاركا في المؤامرة .

 

الدكتور قادة جليد الجزائر

    

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم