صحيفة المثقف

هوامش دامية

وديع شامخفي السوشيال ميديا كسرت الحواجز وبانت العورات، ونضحت الأواني وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود حيناً، وتلابست النوايا حد الاقتتال مرة أخرى .

في بلادنا ندّعي نحن من صنعنا الحضارة وعلّمنا الانسانية دورة الحياة والكتابة وصناعة العجلة والورق، ونحن من ارسى اول القوانين والشرائع، ونحن من دوخنا الدنيا بالشعر والحب والحكمة والفلسفة، وعباس بن فرناس هو الذي خلق للبشرية هيكلا لطائرة اليوم، و فلان اكتشف الدورة الدموية وعلّان اخترع درب اللبنانة ووووو سلسلة من لوائح البكاء على الماضي، يا لعوراتنا المستترة .

..........

كما هو الحال فلابد من شماعة لتعليق الأسباب، وحين يبتسم لنا الحظ لنا في امتلاك زمام أمرنا، نقف على الاطلال لننشر قائمة المظلوميات ونسترجع كلّ حيف لحق بنا كي نعطيه حقه من اللطم والحزن والجزع، فلا نحن مع حاضرنا الذي صار لنا ولا نحن مع المستقبل الذي ينتظر بناء لبنات حيّة لفجر نوعي تراكمي آخر .

وهكذا ترجع متوالية تكرار البدايات ويكون الماضي هو السطوة في السرد والواقع معا

...........

كلما تقدمت العلوم وتمدّنت المجتمعات وسار العالم الى بناء الانسان العالمي، المعرفي الحر، القادرعلى الوصول الى منابع المعلومات وسر الحياة المجتمعية والقانونية، المتمرس في خلق حوارية متكافئة مع الآخر الشريك في غطاء التعايش السلمي، كلما ازدننا غموضا وازوداجية وانكفاء، وهوساً في البحث عن ثقوب سوداء في الحياة لنمسك بها .. ليكون الانسان دمية بيد آلة عمياء.

...........

عندما كتب نجيب محفوظ الرواية بوصفها متنا تاريخيا وتسجيليا فقد دوّن شهادته على تاريخ المجتمع المصري وصفا وتشريحا، وعندما حلّق الطيب صالح يغوص في عمق المجتمع السوداني، وكان لعبد الرحمن منيف نصيب في تشريح بينة المجتمع السعودي والخليجي والشامي معا، وهكذا كان للطاهر وطار في الشمال الافريقي، ولغائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي في العراق، اذ سجل الابداع بارومترا لقياس حساسية المجتمعات في المنظور الاجتماعي والنفسي، وبات الادب عبر الرواية وفنون القول الاخرى نافذة للدارسين لبحث طبيعة المجتمع وتشخيص العلل.

...............

للقاعدة شأن وللاستثناء حظوظ، فعندما نشير الى شخص لاختصار ظاهرة فهذا يعني ان ثمة اشكالية في العام والخاص معا.

شعراء ما يسمى بالجاهلية – قبل الاسلام - بعدد تراوح بين السبعة والعشرة – وكلهم فحول، وعلقت نصوصهم على استار الكعبة مكتوبة بماء الذهب .

فهل كان هؤلاء الشعراء هم الذين انجبهم المشهد الابداعي آنذاك؟؟

المتنبي الشاعر الذي حجب شمس الآخرين بوجوده الشعري الكبير في حاضنات الملوك، أهو الوحيد الحاضر والشعراء في غفوة ؟

لحظة الخسوف والكسوف لظواهر كونية واسقاط اسطورة ثنائية الشمس والقمر، اهي شهادة على القاعدة أم تبجيل الاستثناء ؟

......................

الحروب لا أخلاق لها، ليست هناك حروب شريفة أو مقدسة، الحروب مدنسة ودنسها يأتي من دم الانسان مادة الحياة .

عندما ذهب ماركس الى الصراع الطبقي سمة لتطور الحياة فهو لم يدعو الى العنف، وعندما قال فرويد الجنس هو المحرك الاساسي في التاريخ، لم يلغ جهود الانسان في الحياة .

لكنها الحروب تمتثل الى نظريات شيطانية، كما هي عند مالتوس –- الذي يرى ان الحروب والامراض وسيلة البشرية للحفاظ على توازنها السكاني .

اليست - داعش- التي لا تعرف ماركس ولا فرويد ولا مالتوس، قدمت نموذجا فريدا لشرعية الموت والحروب عبر حاضناتها الفكرية المتاحة، ولكنهم يقولون ان داعش هي الاستثناء .. فأين القاعدة ؟؟؟؟

 

وديع شامخ

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم