صحيفة المثقف

على طريق بعيد.. ثلاثة أوراق

شوقي مسلماني1 ـ (آدمُ السماء وآدمُ الأرض)

أنا من فقدَ نعمةَ الدهشة

الأشياءُ لم تعد ذكرى يمكن أن تُستعاد

مع أوّلِ تفتّح زهرة

مع أوّل هبوبِ نسيم وتساقطِ غيث

وأجزمُ، وهذا يُحزنني، ليس لأنّ الأشياء

قد ظلّلها النسيان وصارت باهتة

ولكن لأنّي كالآلهة صرتُ أعرف

كالآلهة صرتُ أكره

صرتُ آدمَ الأرض ولم أكن

*

اندهشْ إذا شئتَ يا صديقي

انتشلْ سؤالاً، ارسمْه على وجهك

لأنّكَ أوّل عهدكَ بالساقطين

أوّل عهدكَ بكيدهم

ولأنّك آدم السماء وأنا آدم الأرض

هل أتاك حديثُ الأنياب

تنغرز في كفّك الكبيرة؟

*

هل أتاك حديث القرصان

يحسّ العافية في سحنته المتحفّزة

لاقتناصِ الفرص؟

*

هل أتاك حديثُ

من لا قرارَ لأطماعهم

ويرغبون بدفنِ الشمس

في دورهم الكبيرة؟

*

هل أتاك حديثُ اللات

تخرّ لها حتى ذقنِك لتغفرَ لك

وهُبَل تشتعلُ جمرتا عينيه ثمّ تبتردان

بماء الخوف على جبينك حتى يرضى؟

*

سرُّ الدهشة ماتَ يا صديقي في عيني

إنّما حسبي أن الأشياء تتغيّر، وأنّ العالم كلّه يتغيّر.

2 ـ (الأرضُ لك)

"للطوائفيين مكان ينامون فيه فأين ننام نحن"؟.

ـ منقول.

في يومٍ مضى كنتَ المدى

في يومٍ مضى كنتَ النهر

كنت السواقي، دفءَ التلاقي

الحبَّ الذي يمّمتْ شطرَه وجوهُ الأحبّة

الأملَ المرتجى لحياة لا سيّد فيها ولا مسود

ولا من ينعق باقترابِ الأذى في دنيا المظالمِ هذه

*

هكذا كنتَ، هكذا أنتَ، هكذا القلبُ

أرحب من سماء، لا يعرف معنى لاختلافِ البشر

إلاّ أنّهم كلّهم بشر

ولا يعرف معنى للحدود إلاّ إنّها غير ملزِمة

لعالَمٍ أوسع من طموح فرد أو مجموعة

*

هكذا كنتَ، هكذا أنت

اصبرْ إذا مسّ العالمَ جنون

إذا ضاقتِ الأحداق وانتشرَ الحقدُ

في زمنِ الطوائف

*

اصبرْ إذا ما رجموك لأنّك الشجر مثقل بالثمر

اصبرْ لوحشةِ الطريق ولقلّةِ الزاد والصديق

*

يا مَن كنتَ الحلم

أكبر مِن حقدِهم ومِن حدودهم

يا مَن كنتَ الأمل

أقوى مِن ليلهم وممّا يأثمون

يا مَن كنتَ الشعلةَ

وكانوا العناكب والأفاعي وأبناءَ الشياطين

لك الأرض ولن يرثها المفسدون.

3 ـ (صامتاً)

مثل نبيّ

رماه أهله بالجنون

ورجموه بالحجارة

كان صامتاً

*

مثل نبيّ

جاءَه الوحي

وعرفَ أنّها مرارة التجربة

كان صابراً

*

مثل نبيّ

آمن برحمةِ السماء

وإنّها لن تتخلّى عنه إلى الأبد

كان آملاً

*

هكذا عرفتُه

يتذكّر كأنّه في زاوية

وجهُه شاحب يغمرُه الظلام

تنكسر عيناه على أشواكه

يتأوّه، يصبر، ويرفع يديه

من أجلِ قطرة ماء للشفتين اليابستين

*

حبّاتُ القلب

كيف تهاوت جموعٌ

مثل أوراق خريفٍ عاصف؟.

ـ أوراق كتبتها سنة 1987.

***

 

شوقي مسلماني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم