صحيفة المثقف

مزاح

صبيحة شبريشتد صراخه ويعلو، تسيل دموعه بغزارة، يجهد ان يخفيها، يبذل سعيه كي يخفي تألمه، عن أعيننا الفضولية المترقبة، الوضع من العسر أكثر مما يستطيع احتماله، تسيل الدموع رغما عنه، تنساب  على وجهه، صراخه يبعث في الآخرين ضحكا  متواصلا، فتأخذ الأكف بالتصفيق والهتاف، ضربات قوية تتوالى على رأسه، وعلى اجزاء من جسده المنهار، أمام هذه الجماعة التي آلت على نفسها  بعض لحظات، من الترفيه حاول مرارا، ألا يبكي بذلك الصوت العالي، ولكن النشيج المنبعث منه، نتيجة الألم الكبير، الذي يجد نفسه عاجزة عن احتماله،تأخذ صرخاته بالارتفاع، والضحكات المنبعثة من المشاهدين تشتد وتعلو

لم استطع ان أجاري الحاضرين في احتفالهم، ولم انهمك في هذا العمل الذي وجدته أكثر من قدرتي على الصبر، حاولت ان أثير الضحك داخل نفسي، وان ابدو كالآخرين تماما، ضاحكين مستبشرين، ولكن نظراتي الى ذلك الشخص  تجعلني اظهر، بمظهر المختلف المتعارض، وهذا الأمر مما ارفضه رفضا قاطعا لنفسي وقد يكلفني مالا تحمد عقباه

تتوالى الضربات بقوة، على الشخص الواقف في الساحة الكبيرة، من كل جانب وعند ارتفاع صرخات الألم، تنبعث من الحاضرين ضحكات النشوة، وتصفيق الالتذاذ من هذا المشهد الذي لم استطع ان أجد له مبررا

نظرت إلى صديقي احمد، فغمز لي غمزة فهمت  معناها، أنني يجب ان ابتهج مع هؤلاء المبتهجين، وان اصفق معهم مبديا السرور العظيم، ولكن رغم محاولاتي الكبيرة، بالتظاهر بالفرح لهذا المشهد الذي يجري أمامي، فان جهودي الشاقة لا تلبث ان تذهب أدراج الرياح

يتعالى صوت النحيب، وتشتد الضربات قوة وشراسة، والجميع يقهقه  مندمجا بهذه المسرحية الهزلية، التي تسحب الضحكات المتواصلة من غير قدرة على إيقافها، ينظر إلي صديقي احمد ناصحا ان اندمج بهذه اللعبة وان أشارك بها حتى النهاية، وانه من المناسب والضروري لي، ولكل من حولي الا اظهر ذرة من الإشفاق

النحيب يتعالى، ومجهود كبير يبذل من اجل عدم إظهار الألم،من أنحاء الجسد المنهك، ولكن تلك المحاولات المستميتة، لا تلبث ان تثير الضحك بصورة اشد، لان الشخص الواقف وسط الساحة،لا يستطيع إخفاء الألم، المرسوم على وجهه بوضوح ساطع، يحاول ان يبتسم وهو يتلقى، الضربات المتوالية عليه من كل جانب، ولكن القهقهات الهستيرية ترغمه على رفع صوته  بالأنين، بقيت وحدي أخشى ان يلمح حزني احد من الحاضرين، فلم احضر هذه الجلسات الا اليوم، ولم اعتد على مشاهدة أناس يتعذبون حتى وان كنت لا اعرفهم، ولا اعرف سبب جلبهم الى هنا

تتوالى الضربات بقوة متناهية، على ذلك الواقف في وسط الساحة، احدهم يشكه بمسمار، والثاني يضربه بعصا مدببة الرأس وثالث يصب عليه ماء مغليا ورابع يسكب فوق رأسه ماء مجمدا، وخامس يرمي عليه كيس القمامة، أنساءل مع نفسي (لماذا انا غريب وسط هذه الجماعة؟ ولماذا أنشأني الأهل وانا بمثل هذا الضعف لااستطيع ان أسيء الى مخلوق؟ ولا استسيغ ان أرى  دموعا سائلة على وجنات احد، لم يوضحوا لي ماذا فعل ذلك الإنسان؟ ولم جمعونا كي نشهد تلك العذابات؟، اتذكر قول أمي المرحومة

-بني لا تؤذ أحدا من الناس، ولا تأخذ ما ليس لك به حق

ترتفع الأصوات مجلجلة ضاحكة تكاد تطغى على صوت الصراخ، اسمع همسا من احد الأشخاص بجانبي

- ماذا جنى هذا الشخص؟

 تنطلق صفعة قوية تسكت المتسائل وتأمره ان ينتظر في مكان آخر

تتعالى أصوات الضحكات المنطلقة من الحاضرين، والرجل لم يقو بعد على الوقوف، يتهالك على الأرض، ترتفع القهقهات مجلجلة، انظر الى صديقي احمد، وإذا به قد فارقه الضحك المفتعل، الذي كان يقوم به، يأتيني صوته صارخا محتجا

- يا ناس حرام عليكم، ارحموا المسكين

تتوقف الضربات قليلا، تظهر علامات الارتياح على وجه المضروب، يحلم ان عهد الأوجاع قد ولى، ولكن وعلى غير توقع مني، أجد صديقي احمد وقد أحاطت به، مجموعة من الأشخاص غلاظ الأبدان، تربطه من يديه وقدميه، وتسحبه الى وسط الساحة، تنهمر الضربات قوية ممعنة في الإيذاء على المخلوقين التعيسين، والضحكات المستحسنة تنبعث من كل جانب

 

صبيحة شبر

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم