صحيفة المثقف

وليد عبد الحي: السلوك العربي أنتج منظومة فكرية غرائزية متكاملة

علجية عيشيرى الدكتور وليد عبد الحي أن كل قرار يتخذه الفرد هو استجابة إما لعقل تحليلي أو لغرائزية كامنة، أو هو مزيج من هذا وذاك، وإذا كان السلوك الغربي المعاصر وخصوصا في الميدان السياسي متهم بعقلانيته المفرطة، فان السلوك العربي لا سيما السياسي منه هو استجابة لغرائزية شكلها موروث ثقافي تراكم فوق بعضه عبر التاريخ، وأنتج منظومة فكرية غرائزية متكاملة، يقول الدكتور وليد عبد الحي: نحن مجتمعات محشوة بالقبلية والذكورية والغيبية والريعية التاريخية، تسندها سلاسل مكبوتات الحياة اليومية الراهنة، وكل منها يمارس دوره في تغذية الغرائزية وتدعيم ثقافة القطيع

هي دراسة تحليلية للدكتور وليد عبد الحي أستاذ جامعي مختص في علم المستقبليات إشكالية التفكير الغرائزي في السياسات العربية، نشرها في حسابه على موقع التواصل الإجتماعي منتهجا فكر المفكر الإصلاحي عبد الرحمان الكواكبي حول ظاهرة الاستبداد بكل أشكاله الاجتماعية والسياسية، حيث شبه الاستبداد بالثدي الذي ترضع منه الغرائزية، ومهما أضفى المستبد على هذا الوضع من جماليات، فإنه في الحقيقة يعزز الغرائزية بثدي جديد، والاستبداد كما يقول هو ليس "شرطيا وسجونا وتكميم أفواه فقط" بل هناك استبدادات ناعمة تظهر في استبداد الشخصية الكاريزمية والتي يتبعها القطيع مأخوذا بخصائص تلك الشخصية التي تداعب غرائز كامنة في داخل قطيع يسهل جره إلى أي مكان، فالطيور التي تهاجر في الفصل البارد نحو مناطق الدفء تحركها الغرائز، والتصفيق والهتاف والصور والأغاني والقصائد هي تعبير عن استلاب فكري، كلها سلوكيات تستجيب لغرائز كامنة تنتظر فرصة الانطلاق بينما يظن أصحابها أنهم يتصرفون بوعي تام. 

ولعل الثورات العربية منذ 2011 إلى اليوم، أو كما سماها هو بـ: الهزيع العربي، كانت فترة لتراخي الاستبداد، احتلت فيها الغرائزية الميادين وبدأ مسلسل الانتقام والشماتة والتدمير والسخرية بكتم كل محاولة للتفكير العقلاني، أو التعقل إن صح التعبير، ويقارن بالخسائر التي تكبدتها الدول الاشتراكية في الجانب البشري (الاتحاد السوفييتي وست دول اشتراكية أوروبية أخرى وبمجموع سكان يصل حوالي 400 مليون (ما يقارب سكان الدول العربية)، بالخسائر البشرية للتي سجلتها الدول العربية، بحيث لم يقتل في كل التحولات السياسية والاقتصادية الكبرى التي شهدتها الدول الإشتراكية أكثر من ألف شخص، بينما تجاوز عدد قتلى العالم العربي في ربيعهم (أو هزيعهم) الملايين، ناهيك عن حجم الدمار الهائل في العالم العربي وانعدامه في الدول الأوروبية الشرقية، الأسباب أرجعها صاحب البحث إلى كون الموروث الثقافي في مجتمعات هذه الدول في بعض طبقاته ينطوي على العقلانية بقدر كاف، لا سيما بين النخب القائدة والداعية للتغيير، للإشارة أن كثير من الدراسات تؤكد وجهة نظر الباحث، بحيث تشير أن الاشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية تابعت مسيرتها الصاعدة، وأصبح ما يقرب من مليار إنسان يعيشون في ظل النظام الإشتراكي، وترسخت الإشتراكية كنظام اجتماعي واقتصادي، ونجحت في تطوير وسائل الإنتاج، وحققت نموا في الدخل القومي.

و كما يقول البعض لا يوجد ما هو أسهل من صنع مستبد، أو حاكم دكتاتوري متسلط، ومن هذا المنطلق يصنف الدكتور وليد عبد الحي نوعين من المستبدين، فهناك المستبد العقلاني، والتاريخ مليء بهذا النموذج) يدرك حدود استبداده ويتحسس حركة التاريخ والتطور الاجتماعي والسياسي)، أما النموذج الثاني فهو المستبد الغرائزي، الذي يكون عادة مستسلم لجمود التاريخ وثبات عقارب ساعته كما هو حال مستحثات الاستبداد، وهو ما أشار إليه الكواكبي نفسه والذين ساروا على نهجه بان الإستبداد هو غفلة الأمة عن ممارسة حق المساءلة والمحاسبة، وأن هناك حكام لهم القابلية للإستبداد، وإن كان الدكتور وليد عبد الحي يحصر الإستبداد في الجانب الغرائزي، فالكواكبي يحدده في عاملين هما الجهل وتسلط " الجيش" في الحياة العامة للشعوب وتعزيز ثقافة الخضوع والتبعية، والمستبد عادة ما يكون دكتاتوري، وقد عانت الشعوب كثيرا من سيطرة الأنظمة الدكتاتورية، وحتى العربية منها، والدليل أن التجارب أكدت أن اسطورة الزعيم في البلدان المتخلفة بشكل خاص تعكس بالضرورة وجود فراغ في تنظيم الجماهير ونقص في وعيها، ما جعل المستبدين يفرضون سلطانهم على الشعوب ويسنون قوانين مستبدة.

فالخلافات الخليجية المشتعلة حاليا كعينة وطبيعة الحوار الدائر بين أطراف الخلاف، يصورها الدكتور عبد الحي على أنها مجرد حوارا غرائزيا يقوم على الانتقام والشماتة والسخرية والمكايدة والإستبداد، وكلما كانت جرعة الغرائزية أقوى، كان التصفيق لمن يقودها أعلى، ويتناغم مع الاتجاه السابق طبيعة آليات صنع القرار السياسي في هذه الدول، فالقرار أسير رؤية فردية يغلب عليها الطابع الكيدي وتتغذى على غرائزية تهيجها مشاعر الثراء المادي من ناحية وأنفة ذكورية مشدودة لبداوة قابعة في العقل الباطن لصانع القرار، وفي رأيه، كما أن الأخطاء التي يقع فيها صناع القرار الغرائزي أنهم يخلطون بين ميكانيزمات القرار الأسري (العائلي أو القبلي) والقرار الوطني وميكانيزمات القرار ذا الطابع الإقليمي من ناحية ثانية، وبين ميكانيزمات القرار الدولي والمعولم من ناحية ثالثة، وكمن جانب آخر يرى الدكتور وليد عبد الحي أن التباهي بحجم الدولة أو عدد سكانها أو شخصنة العلاقات الدولية قد يؤدي إلى فقدان مهابة الدولة والوطن ومهابة الحاكم، ولعلنا نلمس الأمثلة التي قدمها في الرسوم الكاريكاتورية للحكام، التي تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحتى على صفحات الجرائد، وهو أمر تجاوزته دول العقد الاجتماعي التي لا ترى في الحاكم سوى موظف له صلاحيات منضبطة وخاضعة للرقابة، وبقاؤه في منصبة رهين إرادة الطرف الثاني في العقد، وهو ما يجعله حذر في قراراته لكي لا يقع تحت طائل المسئولية، لكن مجتمعات " الراعي والرعية" تخلو من أية مساءلة، ويحق للراعي أن يضحي بأي من أغنامه ويصبح مصدر فخر بكرمه، وهكذا تتباين مجتمعات عقود الإذعان عن مجتمعات العقد الاجتماعي.

والدكتور وليد عبد الحي، حاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة عام 1980، عمل في معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر كأستاذ للدراسات المستقبلية خلال الفترة 1982-1994، وشغل منصب رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك خلال الفترة 1996-1998، ألَّف العديد من الكتب، كما له العديد من الدراسات المتخصصة في الدراسات المستقبلية والعلاقات الدولية المنشورة في المجلات العلمية المتخصصة وترجمات عديدة بمختلف اللغات، من مؤلفاته مستقبل الفكر الصهيوني، جامعة اليرموك 1997.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم