صحيفة المثقف

رواية: أرواح من رمال للكاتبة العراقية نادية الابرو.. الخيال حينما يمتزج بالأحداث المعاصرة

410 نادية الابرولو جلسنا لقراءة هذه الرواية الاستطرادية في عربة للقطار تقطع مسافة 500 كيلومتر إلى البصرة، لوجدنا مطولتها السردية على لسان شخوصها لا تنتهي إلا في محطة المعقل، فقد وجدتها من أطول السرديات التي قرأتها لروايات عديدة هذا العام، تداخلت فيها " اللعبة الميتا سردية " كما يسميها ناقدنا علوان السلمان الذي يُعّرفْ تقنيتها بأنها أيضا " ماوراء السرد أو ما وراء الرواية " (1)، ودائماً ما تكون الجملة الطويلة هي الطريق المفتوح لأي رواية، ولا تأتي المتعة المتعة دونها وقدرة الكاتب على تغيير مساراتها من فقرة إلى فقرة، إلى الدوران حول زمكانها، التواءات أحداثها، إضافة إلى ما تمليه عليه مراوغتها، وغالباً ما يكون الأمر مضحكا - ليس بسبب المحتوى -، بقدر ما يمنحها الإيقاع السردي من مفاجآت والإحساس بحرية حوارات شخوصها، هذه هي بعض عوامل نجاحها باتفاق جمهرة كبيرة من النقاد عرباً وأجانب .

في رواية الكاتبة العراقية نادية الابرو التي لم نجد إشارة لها في الكتاب عن سيرة لحياتها ككاتبة، لكننا أمام روائية عرفت كيف تقف على تقنيات كتابتها، فشخصياتها كانت تتجول بحرية من مكان إلى آخر، " كاظم عبد الجبار العنبر "، الأم " وفية "، الأب، " زينب "،، " أمين "، " شهد "، " شيرين " حيث تبدأ الرواية بفصلها الأول : " (كاظم) مساء الأحد 14كانون الأول 2003 "، وهو سيكون الراوي لفصل طويل أخذ من الرواية 131 صفحة تمكنت الكاتبة وبقدرة تنم عن مطاولة سردية واضحة باختراق زمان ومكان الحدث مدفوعة بقدرة تعبيرية لا يمكن تصديقها عندما نجد الأنا الداخلية لها تتكلم بلغة المذكر طوال تلك الصفحات لتروي أحداثا ً عاصفة مرت بالعراق أيام الحكم الشمولي الذي لم يسلم من بطشه الرجال والنساء، الكبير والصغير منها بتهم ملفقة وأخرى ثورات حقيقية على مدى غطرسته وإيغاله قتله وتشريده لأبناء شعبه، كانت دائماً ما تنتهي فصولها تحت سُرف الدبابات وأسرى بالمئات من رجال ونساء وأطفال تعرضوا للتعذيب واغتصب خلالها الكثير من النساء بما فيهم " وفية " التي حملت طفلاً من أحد مغتصبيها، لحظات من القسوة المرعبة والعنف نراهما جنبا إلى جنب مع زخم الحنان، لم تنقطع خلالها كلمات الراوي " كاظم " حتى وهو يسترجع لحظات الألم والخوف، ومع نهاية الفصل الأول نكون على أعتاب فصل ثان حمل عنوان : " ليلة الاثنين 15 / كانون الأول 2003 "، حيث تسرد لنا الأم " وفية " بعد سردية " كاظم "، أحداثاً جديدة عاشتها معه وهي من أطول ليالي البوح، الرؤى، التمزق، النبش في الذكريات وبصوت أحادي في سلسلة لا تنقطع من جُمل " نظيفة كالعظام " كما يقول جيمس بالدوين (2)، تقول:

" آه ... آه يا ولدي ... لقد جرت بنا الظروف على عكس ما كنا نشتهي أو نتوقع، سلبتنا أمننا وأماننا، حرمتني كل ما أحببت ... لكن الحمد لله أنت لا تزال معي ... وربما سيأتي يوم وتغفر لي وتصفح، فقط أود أن تعرف يا كاظم أني لست نادمة، لو عاد بي الزمن فسأتتبع آثار خطواتي السابقة ... ما دامت ستصل بك إلى بر الأمان " .

 هنا تفرض الجملة الجيدة منطقاً عالياً من الدهشة لشد القارئ على غرابة ما يعيشه أبطال الرواية إنها تحصل على قوتها من التوتر بين سهولة صياغتها وصدمة أحداثها مع " كل خطوة وصول " لمسيرة أحداثها، وتستمر " وفية " في السير بين خطوط وصولها الطويلة وهي تسرد حكايتها وكيف قاومها جنينها من السقوط وهو - ابن حرام – كما كانت تطلق عليه حتى ولدته على يد الطبيبة إيمان التي كانت تحضها على إرضاعه :

" أرضعيه هيا ... هو يتضور جوعاً ولن يسكت ما لم يشم رائحتك "، رفضت، تقلصت بطني إمتعاضاً إلا أنها أصرت أن ألقم فمه المفتوح الذي تكالب على صدري ونام " .

" كنت أتحاشى النظر إليه حتى لا تضعف مقاومتي وتنهض فيَّ من جديد تجاهه غريزة أمومة أجاهد في كبحها كل يوم، لم أعطه إسماً لكنكم أطلقتم عليه إسم ماجد، وأصبح الجميع ينادونه " مجودي " تحبباً إلا أنا " .

هكذا يمضي فصل الرواية الثاني حتى نتوقف أمام فصلها الثالث والأخير والذي حمل عنواناً كان من الأهمية أن نتعرف عليه منذ بدأ " كاظم " سرد أحداثها بداية، لكن الكاتبة رأت أن تفرد له فصلاً كاملاً كي تختم به الأحزان التي ادلهمت بها ليالي العراق، : الفصل الثالث (عبد الجبار) مساء الأحد 14 كانون الأول 2003، وبسردية طويلة أيضاً نتعرف على خيبات هذا الرجل بدءاً من حياته وسط أسرة متنافرة وكيف عرف استغلال كل فرد منهم، إلا " وفية " التي يعترف بانتصارها عليه وهو الذي داس بقذارته على صدور نساء كثيرات كما يعترف :

" كدت أفقدها أو بالأحرى فقدتها حين ... حين قبضت ثمن الشهامة والنخوة التي ظنتها بي، فكان ظنها أسوء الظنون وما عادت تلك النظرة الوديعة الممتنه تقطن عينيها، تفتح نافذة إلى السماء، منها الدعاء مستجاب، وحلت محلها نظرة قرف وازدراء فقدت فرصتي معها كما فقدت فرصتي الأولى، أنا الأحمق الملعون بفقد من أحب " .

ويسدل ستار الرواية بانتحار " عبد الجبار " الذي وضع حداً لاستهتاره وعنجهيته لتنتهي معها أطول سردية على شفاه ثلاثة من شخصياتها " كاظم "، " وفية "، " عبد الجبار " صنع كلا منهم أحداثاً لازلنا نعيشها بكل حزن .

شارحة /

 

كتابة: أحمد فاضل

.....................

(1) في المبنى الميتا سردي، علوان السلمان، صحيفة الزمان بطبعتيها المحلية والدولية .

(2) جيمس آرثر بالدوين، هو روائي وكاتب أمريكي، وكاتب مسرحي وشاعر وناشط في مجال الحقوق المدنية، يتناول جيمس بالدوين في معظم أعماله القضايا التي تتعلق بالتمييز العنصري والقضايا المتعلقة بالجنس في منتصف القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم