صحيفة المثقف

الإيمان بالإبداع.. وقصة: أوراق ملقاة لعالية حسن

خالد جودة احمدهروب المثال من واقع مرير أيقونة قصصية يشتغل عليها القاص الذي يؤرقه الواقع ويسعي لتغييره إلي الأفضل، ووجدت قصة (أوراق ملقاه) للقاصة (عالية حسن) نموذجًا لهذه الفكرة في رواء نفسي، وعندما تم إحاطتى علماً بانها القصة الأولي للقاصة، تذكرت الكاتب الكبير (يحيى حقى) الذي كتب روايته الأولي (قنديل أم هاشم) فأصبحت علامة فارقة في رواية اللقاء الحضاري، وهنا قصة مكتوبة ببراعة وكأنها مخزون خبرات عريضة في كتابة القصة، وهذا القلم سيكون له شأن لو كان الإنتاج التالي مثيلاً، تقول القصة: (أوراق ملقاه في صباحٍ كأي صباح.. قاومت القيود التي أغلقت عيني وقاومت إرهاق جسدي المكبل في الفراش، وأنا ألعن في داخلي صباح كهذا، طالما كرهت البدايات.. في كل شيء ، ظللتُ اتأمل الغرفة المعتمة من حولي، وأنا في صمتٍ مُكبل باللا وعي، أحاول حتي أن اتذكر من أنا؟. خطوت بهدوءٍ تام نحو النافذة التي تعذلني عن شمس تذكرني دائما بأني لازلت علي قيد الحياة , فتحتها وبينما الشمس تضرِبُ عيني، هاجمني هواءً قوي فبعثر الأوراق في نواحي الغرفة، وبعثر ما تبقي من روحي وكأنه أفاقني من هذه الغيبوبة , نظرتُ للأوراق المتطايرة فتذكرت رسائل الليلة الماضية، والليل الطويل الذي يمضي ببطء , جلست بين الأوراق الملقاه علي الأرض، وحملت ورقة منهم جفت عليها دموعٍ رأيتها سوداء , لازال باستطاعتي أن أشْتمْها وأشْتم تفاصيل الليل والآمه , وأخذت أقرأ ما كتبت فيها وأنا لا اتذكر شيئاً ، أنا أعلم بأن عالمي هذا لا يعنيك, لا تعنيك دفاتري وكتبي المبعثرة, لا يعنيك إن قلت لك أني أؤمن بالقصائد أكثر من الحب، وأني من الممكن أن أكذب العالم وأصدق قصيدة, هل رأيت قصيدة كذبت يوماً؟ حتي أنك كنت تندهش عندما أخبرك بأن الأغاني أحن عليّ من البشر, مثلاً كلما استمعت لفيروز أشعر بالبرد حتى لو كنت بداخل لهيب النار .. لماذا تنظر إلي نظرة الشفقة تلك؟ وكأني جننت!!. عندما أخبرك بأن القهوة هي صديقتي التي طالما كانت بجانبي في كل أوقاتي، أحس رائحتها هي العناق الذي أنشده دائما, وأن القمر هو فارسي الخيالي الذي كلما غاب، عاد من جديد لينير لي طريقي, هل تعلم أني من الممكن أن أقع في حب شخص خيالي كتبته بقلمي وشكلته بحبري, ونفخت فيه من روحي، ليتجسد بصورته الفاتنة علي الورق! لدرجة أني أشتاق دائماً لأشخاص ليسوا هنا –في واقعنا- وأكتب رسائل لا أعرف لمن .. ألم تسأل نفسك يوماً لما لا أستطيع أن أغادر هذه الصفحات؟ وكلما هربت، أجد نفسي مقيدة بين سطورها ، ألم تصرخ ليلاً دون ان يسمعك احد؟ من المؤكد انك تتهمني بالجنون الآن ولكنها حقيقة, أنا أثق بأنها حقيقة بقدر ما أدركك الآن, ولكن .. من أنت؟ أتسمعني؟ هل سمعت لصوتك صدي يتردد في المكان؟ حاول أن تتكلم الآن, حاول ..! حسناً دعني أحاول أن أكتب شيء عن صوتك، ربما أسمعه انا وأنت بوضوح، حاصرني الصمت للحظات طويلة تحمل كلمة "أنا لا أدرك شيءً" فألقيت الورقة من يدي ثم ذهبت نحو النافذة اغلقتها وعدت إلي فراشي مجدداً)

تقنيات القصة القصيرة متوافرة بالقصة، فالإحاطة بالجو النفسي، والدخول إلي مفردات كاشفة في ساحة القصة لتفاصيل حزينة نفسية، مثال: مكبلة والتي تكررت، معتمة، والإرهاق والنوم الذى يمنح دلالة الهروب من الواقع، جميع هذه المفردات في القصة القصيرة جداً رسمت جوها النفسي، ومهدت السبيل نحو نوع الراوي الذاتي الذي يقوم بالإفضاء في فضاء النص والبوح بألمه الروحى، وهذا يتفق مع تخييل شخصية الحدث، وفكرة الانقسام علي الذات والدال الموضوعي إليها (صدي الصوت)، لذلك كان سؤال القصة البحث عن الهوية ممثلة في الأنا: (أحاول حتي أن اتذكر من أنا؟).

مثلت الأوراق رحلة الذات في البحث عن حقيقة الأنا، في واقع يبدو مريراً بظلال الهروب التي تنسج قصدية القصة في رأيى، هذا الصراع الشرس بين الخيال والإيمان بالإبداع يقابله صيحة سخرية واتهام بالجنون من واقع بليد، تقول الراوية: (أني أؤمن بالقصائد أكثر من الحب، وأني من الممكن أن أكذب العالم وأصدق قصيدة , هل رأيت قصيدة كذبت يوماً؟)، إن توتر النص كاشفاً لرواء تخييلي محبب باستعمال دال (الأوراق المبعثرة)، و(الأغاني الحنونة التي تبث البرودة في قلب اللهيب)، وإن ظلت الأزمة طاحنة بخاتمة تصف العزلة وإغلاق نافذة الروح، لعلنا نجد أجابات في الإبداع القادم، ونشير إلي براعة استعمال (المروي عليه) في هذا الحيز القصصي القصير، وكنت أود لو كانت كتبي (اوراقي)، ربما كانت (كتبي) الحد الثاني من متلازمة (القهوة / الكتاب).

 

خالد جودة أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم