صحيفة المثقف

الإنتفاضة الرومانسية والإعلام الشاعر

خالد جودة احمد (حول قصيدتين للشاعر "زكي محمد")

هناك اتجاه معاصر للنقد الأدبي يراه في البحث عن التيمات الكائنة في النص، فيما يعرف بالنقد الموضوعاتي أو التيماتي، ويقوم نحو بحث الأفكار الملحة علي مستوي الوعي في العمل الفني، يقول النقد الأدبي: (أنه المنهج النقدي الذي يتجاوز الوصف السطحي إلي الولوج لأعماق النص وفك شفراته وملأ الفراغات وإعادة إنتاج النص)، مما يعني أن يكون التأويل حاضرًا بقوة عبر حشد من الشواهد النصية، مع تجلية التبرير الممكن (المنطق الشعري في القصيدة).

وفي نص معنون (ونسيت أقولك) للشاعر (زكي محمد) جاء فيه: (ونسيت اقولك في وسط زحمة حبك / اني والله بحبك / وان الحياه ملهاش لزوم لو في بعدك / وان السعاده بتيجي من بعدك / ونسيت اقولك / انك انتي كل حاجه / وان ممكن فيا حاجه غريبه جدا / مش مركز لما بحلم / بس والله انت حلمي وبيكي بحلم / فاعذريني / انتي شكه في الكلام / طب ورحمة قلبي / اللي مات في حبك / تقري علي قلبي السلام / وتبدائي صلاة ركعتين / للي ميت جوه ننك / من سكات / واللي شايف نفسه فيكي / جزء منك / جزء عاش رغم الممات / دقة القلب اللي فيا بتنطق اسمك / نقشة الفرحه في كياني فيها رسمك / فيا كام حاجه غبيه ايوه عارف / طفل اعمي في سكته وبرده خايف / لسه بتهجي الطريق لسه مش شايف / بس لما بتوه بلاقي وطني حضنك / فاطبع اسمك

ع الشفايف / امي انتي ايوه جايز / حب متأصل وقلبك ّاسره

جايز / بس بعدك هي اخر حاجه ممكن / ابقي عايز)

في هذا النص نجد جملة من خصائص بثتها الذات الشاعرة عن ذاتها دائرة في نطاق  النسيان والشرود وعدم التركيز، أدت إلي انتفاضة شاعرية رومانسية فكانت اللافتة الشعرية (القصيدة) وهي إعلامية للمحبوبة أو بيان ثوري رومانسي.

ونلمح الحس الشعبي في القصيدة والذي جاء عبر صيغ التأكيد بالقسم وبالتكرار المستمر (طب ورحمة قلبي) والتي حصل عنها تداعي آخر في الصورة (وتبدائي صلاة ركعتين)، وتبدو المفارقة بين النسيان والتذكر والشرود والعودة، وبين الموت والحياة  (واللي شايف نفسه فيكي / جزء منك / جزء عاش رغم الممات).

       ثم يعمد الشاعر لإشباع المعني بتدفق شاعري في مشهد الانتفاضة للإعلام عن حبه، حول شأن نفسي يجول داخله فالقلب والكيان جميعًا للمحبوب (دقة القلب اللي فيا بتنطق اسمك / نقشة الفرحه في كياني فيها رسمك(، ويبدو المنطق الشعري عن سر هذه العاطفة نحو الأنثي "الرمز" (بس لما بتوه بلاقي وطني حضنك)

ثم تكشف الشفرة الشاعرية بإلقاء مفتاحًا مهمًا للتلقي (امي انتي ايوه جايز / حب متأصل وقلبك ّاسره / جايز) وتمنح مفردة جايز أفقًا للتأويل من خلال طرح الأسئلة، ويختم الشاعر بيانه الشعري الموضح لموقفه الرومانسي الثوري (بس بعدك هي اخر حاجه / ممكن / ابقي عايز).

وفي نص بديع آخر للشاعر معنون (وارب قلبك)، تقول القصيدة:

(وارب قلبك / للى يحبك / وما تحضنش هواه على طول / واما تلاقى الغدر فى قلبه / أقفل قلبك / قبل ما ليل الهجر يطول / وارب قلبك مش هتموت / اى جراح بتعدى تفوت / واما تحس الحب فى قلبك / إياك تنطق / خلى كلام الحب سكوت / وارب قلبك وما تضعفش / لما عيونك تيجى فى عيونه / ماتسهمش / واما بيسأل ويجيب سيرتك / إياك ترمى القلب عليه / متسلمش / لوبيحبك مش هيسيبك / و ان كان قلبه بيعشق قلبك / عمرة بحاله هيبقى حبيبك / هو نصيبك / لو مكتوبلك يوم هيجيلك / وارب قلبك وإياك تعشق / لو هيصيبك داء العشق / لم جراحك تحت جناحك / متبينش / وارب قلبك)

نجد في هذا التص الإنتفاضة الرومانسية من طريق الحكمة القائلة (أحبب حببيك هونا ما). وتبرع القطعة الشعرية في "التطريب" و"الإيقاعية" المركوزة في القطعة الغنائية.

ونبدأ من قلب الشعر حيث نشب التوتر الداهم بين القبول والإحجام، والإندفاع والتروي، فماج الشعر بفكرة الصراع باعتباره صدام الإرادات، لكنها إرادات ليست لشخوص متعددة، بل هي إرادات متباينة في الذات الشاعرة نفسها، لذلك استعمل الشاعر (المناجاة الدرامية) في خطابه الشعري، والمناجاة تعني حديث النفس داخلها، والدرامية تعني النصيحة الموجهة لشخصية متخيلة هي جانب آخر في الحوار الداخلي، ظهر هذا في حرارة الخطاب ولوعته، وتأكيده المتكرر بتنويعات المداهمة سواء بخوف الهجر، أو خوف الوصال بافراحه المذهلة، لذلك كان النداء الداخلي بالتثبيت والمقاومة "وارب قلبك"، "ما تسهمش"، "ما تسلمش"، "لم جراحك"، "وما تحضنش"، "إقفل قلبك"، "إياك تعشق"، "إياك تنطق"، "إياك ترمي القلب"، "خلي كلام الحب سكوت"، هذا التكرير نجم عنه حداء نفسي واشتعال التطريب المنسرب في انحاء القطعة الشعرية. ومقاومة العصف العاطفي، هى ذات الثيمة الموضوعية التى سبق للذات الشاعرة نحتها في قصائد شعرية رفيعة اشرنا إلي نموذجين اخترت لهما طبقًا لذائقتى الوسم : (الإنتفاضة  الرومانسية والإعلام الشاعر).

 

خالد جودة أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم