صحيفة المثقف

نص "بورصة حبي" وطرافة الأدب

خالد جودة احمديغرق الناس في لجة تدبير احتياجات المعاش دون أن ينتبهوا في طاحونة هذا السعي الحثيث لحاجات أسرهم، من آباء وأمهات، وزوجات وأطفال، وتغذية صلات أرحامهم برفد المودة الكريم. صحيح أن السعي في الرزق يصنف في أعمال البطولة قولًا واحدًا، كتأصيل "سفيان الثوري": "عليك بعمل الأبطال الكسب من الحلال والإنفاق علي العيال"، لكن لا يكون هذا علي حساب رعاية جوانب العاطفة في الأسرة، حيث أن هذا الإلتفات اليسير قد ينقذ الأسرة من جفاف العاطفة، وتهشمها لدي المحنة الداهمة. فابتسامة رقيقة أو كلمة طيبة ومساعي تقدير، وتغافل وتوسيع مساحات في الصدر للإحتواء والقبول، وإحتساء المر، ونفي الخاطر الشيطاني، ليست جميعها أمور صعبة أو مستحيلة التحقق، بل تحتاج للتدريب والإرادة النفسية، رغم قسوة العيش، لذوق حلاوة التغافر والصلات الأسرية الدافئة الحلوة.

وفي نص طريف معنون "بورصة حبي" بقلم "ملاك الغريب" منشورًا علي صفحات منتديات "إبحار بلا مركب" الإلكترونية، جاء فيه: (مشغول هناك في البعيد / يجلس في البورصة / أكثر مما يجلس بين ذراعي / يفهم الأرقام أكثر مما يفهمني / يحب تداول الأسهم / أكثر مما يحب تداول جسدي / يسكن في منتدى الإقتصاد / وأقيم أنا في منتدى الخواطر والأدب / يتعب عيناه بمتابعة تصاعد أسعار الأسهم / على الشاشات في الصالة / ولا يتعبها في متابعة تصاعد أنفاسي / حين يجلس بقربي / متكبر على حبي هو / متواضع في حب أرصدتة في البنوك / حبيبي مشغول هناك في البعيد / يحجني بحجته القويه / وقتي خارج عملي لتحسين دخلي / ولا يقسم لي من وقت فراغه / ما يحسن به دخل عاطفتي / فإليك أيها المتكبر على حبي / المترفع عن الأعتراف بي ولي / خذني رغم مشاغلك / أجعلني شغلك الشاغل / خذني حرفاً.. خذني رقماً / وأقسمني على عدد وساوسي / وأضربني في مئة / وسيكون مجموعي / عدداً عشرياً فقربه نسبياً لقلبك).

أنها قطعة أدبية جميلة، ما شدني فيها الطرافة من خلال المقابلة بين حال الزوج "الحبيب" الغارق في اهتمامه بالمال والبورصة وأحلام الربح الوفير وعناصر هذا السعي العاصف، وبين الحال المثالي المفترض في زوج يراعي الاحتياجات النفسية والعائلية والعاطفية لزوجته وأبنائه.

الأدب قيل أنه طرافة بمعني أن هناك هذا الفارق الشاسع بين نقل الواقع كما هو كما في المذهب الطبيعي "أدب الفوتوغرافيا"، فكأنها حدوتة لا تثير الانتباه كما يمر بنا من آلاف الحواديت، وبين الواقع الفني "الانطباعي" أي نقل هذا الواقع المعيش نقلًا فنيًا باستخدام اللغة والصورة والمشهد، من خلال مرآة الأديب، وانطباع الواقع علي ذاته، فينتج لنا عسلًا شهيًا.

وإذا كرر الأديب نفسه أضاف كمًا لا كيفًا.  و"بورصة حبي" تستحق الإحتفاء ليس فقط لشكل الأداء فيها ولكن أيضا للمضمون الراقي، حيث تصف تبدلات المشاعر بين المادة والعاطفة، وكأنه الصراع الدائر في الحياة بين الشيئية ومنابع الجمال في العاطفة النبيلة.

 

خالد جودة أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم