صحيفة المثقف

سفر العباءة

رند الربيعيابّانَ الإحتلالِ الأمريكي للعراق، كنتُ في أحدِ

شوارعِ بغدادَ... أسيرُ مرتديةً العباءةَ العراقيةَ،

المفروضةَ حينها علينا معشرَ النساء،

بينما صديقتي (ريتا) ترتدي الوشاحَ

على رأسها.

كلُّما دخلتُ زقاقًا أَجدُ عُصبَةَ شَرٍّ تُلاحُقُني؛

 اثنانِ Made in u.s.a وثالثهم كَلبُهم المترجم!

تيقّنتُ اني قَصدُهم في متابعتِهم، وليسَ

شخص آخر بحيث خطواتهم سريعةٌ جدًا،

وَغزالُ الفلاةِ نافرٌ مِنْ وُحُوشٍ مسعورةٍ تلاحقهُ...

زادَ يقيني اكثر حين نَبحَ عليَّ كلبُهم

وَقطعوا الطريقَ:-

- قِفِ! أنتِ متهمةٌ!

قَطَبْتُ حاجِبَيَّ وقلتُ:-

- يا الهي! أيُّ تهمةٍ هذه، وأنا ربَّةُ الحبِّ

وَ الجمالِ، وواهِبةُ الخيرِ والنماءِ!

قالوا:-

- ما الذي تحملينهُ تحتَ العباءةِ؟

أخرجتُ كِلتا يديّ...

- لا شيءَ!

اعتقدوا أني أُهَرِّبُ أسلحةً للمقاوَمَةِ البطلةِ.

دارَ بينهم حَديثٌ، عرفتُ حينها ما يدورُ

في رؤوسِهم العفنةِ...

كيف أني امرأةٌ ولا أخافُهم أو أرتعدُ مِن أسلحتِهم. سألتُ مترجمهم:

- ما التهمةُ التي أوقفتوموني بسببِها؟

عندها... أخرج أحدهم جهازًا يشبهُ كشّافَ

تيّارِ الكهرباء في الاسلاكِ. طلبوا بِوَقاحةٍ

ابعادَ عباءتي، فرفضتُ...

وَراحتْ أصواتُ جهازِهم الخبيثِ تَتوالى بمجردِ ما اقتربَ منّي. زَعَقَ أحدُهم بخبثٍ:

- Oh! My God!

و فهمتُ... بَلْ قَدَّرتُ كَمْ تملكتهم الدهشةُ

وَأنا أحملُ هذا الأنتماءَ للوطنِ والعشقَ

الأصيلَ، لغاباتِ نخيلهِ وأهوارِهِ

وَمشاحيفِها تتهادى في القلبِ!

ومِن بُعدٍ يَشمُّونَ رائحةَ خبزِ تنورِ الطينِ...

آهٍ يا حفيدةُ عشتار، آلهةُ الحبِّ والعطاءِ،

كم أنتِ ممسوسة بعشقِ الأرضِ وتحملينَ

في رحمِك الرّجالَ تِلوَ الرّجالِ!

وقَطعًا سنركعُ في يومٍ ما، ونَلعَنُ اللحظةَ

التي دخلنا فيها العراقَ!

فَمَنْ يسكنُ مَنْ؟

أَ تاريخُ العراقِ وأرضُهُ وناسُهُ،

يا امرأةً..

خَلَّدوكِ في سِفْرٍ لَنْ يُمْحى؟

أمْ أنَّ وُجودَكِ عِنوانٌ لهذا الخلودِ؟!!

***

رند الربيعي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم