صحيفة المثقف

هكذا انتهت المرحلة العزيزية في الجزائر

علجية عيش(الوعود التي لم يحققها الرئيس بوتفليقة طيلة 20 سنة من حكمه)

(أربعة استنتاجات مطلقة تظل جوهرية لجزائر اليوم)

ارتبط حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المستقيل من الرئاسة قبل موعد الإنتخابات بالعشرية السوداء التي خلفت الآلاف من الضحايا الأبرياء، لا ذنب لهم سوى أنهم آمنوا بهذا الوطن الذي ضحى من أجله مليون ونصف مليون شهيد، وهاهو الرجل يمضي دون أن يحقق جزءًا من وعوده التي تعهد بها أمام الشعب الذي ما زال يعاني الظلم والحقرة والجهوية والمحسوبية في كل المجالات، إذا قلنا أن فكرة الإستقالة مشكوك فيها لأن الرجل في حالة تفقده القدرة على التفكير واتخاذ القرار، انتهت المرحلة العزيزية وما تزال فئة كبيرة من أبناء الشعب أكثر قهرا وتتألم أكثر من الإستعمار في حقوقها وفي كرامتها، لأنها الأكثر ثورية وكان لها هي أن تتولى القيادة قبل كل شيئ

فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي ارتبط اسمه كأصغر وزير للشباب والسياحة وهو في الخامسة والعشرين من عمره، ثم في العام التالي وزيرا للخارجية،  وكان أحد الوجوه الرئيسية التي وقفت وراء حركة عدم الانحياز ومنحت أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية صوتا على الساحة العالمية، كما ارتبط اسمه بالصراع حول الرئاسة بعد وفاة الرئيس هواري بومدين ومن سيخلفه،  اضطر رئيس المخابرات يومذاك قاصدي مرباح أن يفصل بينه وبين العقيد محمد الصالح يحياوي رحمه الله ليختار العقيد الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية،   ولم يكن لعبد العزيز بوتفليقة  من خيار إلا أن يختار الضفة الأخرى، حيث أنه  لم يعد إلى أرض الوطن حتى عام 1999 خلال صراع مع متشددين إسلاميين سقط فيه ما يقدر نحو 200 ألف قتيل، وفيها تفاوض على هدنة لإنهاء القتال وانتزع السلطة من المؤسسة الحاكمة،  وبدعم من الجيش انتخب بوتفليقة رئيسا للجمهورية، لا يمكن لأيٌّ كان طبعا أن يقيم المرحلة العزيزية بالسلبية كلها، فالرجل أدى واجبه، ولا أحد يمكنه أن يقول أنه معصوم من الخطأ، وإن أخطأ الرئيس في حق شعبه فهو وحده يتحمل مسؤوليته أمام الله والتاريخ، وإن كان الله يرحم فالتاريخ لا يرحم، وستبقى أعمال هذا الرجل تذكرها الأجيال التي شاركت في الحراك الشعبي الذي رسم لوحة سوداء لجزائر بوتفليقة.

لقد شهدت عهداته انتشار الفساد وعرفت الساحة الوكنية ركودا سياسيا واقتصاديا، ولم يتمكن من حل النزاعات الداخلية لحزب جبهة التحرير الوطني وتطهيره من الفساد وهو الذي كان رئيسا للحزب وكان في كامل صحته وقواه العقلية، بالرغم من ذلك حافظت الجزائر على استقرارها بفضل الجيش الوطني الشعبي المرابط في الحدود، ما جعلها تتجنب انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بقادة دول أخرى في المنطقة في العام 2011، غير أن الاحتجاجات على سوء مستويات المعيشة ونقص فرص العمل والخدمات أصبحت شائعة رافقتها البيروقراطية التي أعاقت النشاط في كثير من الأحيان،  لكن الرجل نجح دبلوماسيا من خلال دفاعه عن قضايا العالم الثالث في المحافل الدولية، حيث طالب بأن  تحصل الصين الشيوعية على مقعد في الأمم المتحدة، وندد بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ولعل هذا ما مكنه من تجديد ولايته لعهدة ثانية وثالثة ورابعة، رغم أن خصومه قالوا إن الانتخابات شهدت تزويرا، وكما هو معروف لا يعرف عن الحياة الخاصة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة شيء يذكر، إلا أنه كان أقوى رئيس تشهده الجزائر على مدار 30 عاما، لولا المرض الذي جعله طريح الفراش، ونال منه الضعف بعد تعرضه لجلطة دماغية في أوائل 2013  ومنذ تلك السنة لم يطهر الرئيس أمام الشعب  إلا قليلا.

في كل هذا وذاك فالرئيس المستقيل لم يحقق كل وعوده التي التزم بها أمام الشعب الجزائري طيلة 20 سنة حكما، ولعل المتتبعين لتحركات الرئيس يتذكرون خطابه الذي ألقاه في ملتقى الفكر السياسي الجزائري في الفترة بين 1830-1962، قام فيه بمسح شامل للفكر السياسي الجزائري، وقدم فيه أربعة استنتاجات مطلقة تظل جوهرية لجزائر اليوم،  أهمها أن الهوية الوطنية العريقة شكلت العروة الوثقى التي استمسك بها الشعب ومكنته من أن ينجو من عملية منهجية لطمسه،  وان هذه الأمة مطالبة بأن تطرح جلنبا كل انشغالاتها ماعدا انشغالها بمصير الوطن، وفي استنتاجه الثاني  قال أنه مهما كانت طبيعة أو عنف العدوان المسلط على الوطن فإن مآل هذا العدوان النهاية إذا رفضت الأمة الإستكانة وتجندت وقاومت وقبلت بتقديم النفس والنفيس في سبيل التخلص منه، هذا الكلام لم يستوعبه الرئيس وهو قائله، بأنه سيأتي يوم ينقلب عليه الشعب، ويطالب برحيله، وكان على الرئيس أن يستقيل من أول مسيرة سلمية، قبل أن يتأزم الوضع وتصل البلاد إلى حالة انسداد، هي كلها عبر ودروس يجدر بالأمة الجزائرية أن تتدبرها اليوم.

لقد تحدث الرئيس عبد العزيز بوتفبيقة عن الهبّة الوطنية في خطابه من خلال القرار الحر الذي ستتخذه الجزائر دولة وشعبا بكل سيادة، وكان أمله أن تستقي الأمة الجزائرية من ماضيها ما يلزمها من قوة معنوية لتوحيد كلمتها، وضم صفها في خدمة السلم والإلتفاف حول المصالحة بقوانينها القاهرة الوطنية،  في ظل ما يشهده العالم من تغيرات في العمق،  وبينما كانت العولمة تشمل المعمورة  بقوانينها القاهرة، وفي حين كانت حضارة تكنولوجيات الإعلام الجديدة تخوض انطلاقاتها، كانت الجزائر المحترقة بنار المأساة الوطنية شهدت إرهاصات سياسية واقتصادية ي، وقال في خطابه: "إن اليقين الذي يحدوني هو أن المصير الشخصي لكل منّا لا ينفصل ولا ينفصم  عن مصيرنا الجماعي الوطني وسيظل كذلك"، وطالما أن الرئيس مؤمن بأن المصلحة الجماعية هي كل شيئ ما كان عليه أن يقف مكتوف الأيدي وهو يرى حاشيته تتلاعب بمصير الشعب، وهو القائل في خطابه أنه في غياب التماسك الوطني ينبغى تحت رحمة أول ردّة وعرضة لمأساة سواء أتت من الخارج أو من بين ظهرانينا.

إن الجزائر اليوم تواجه تحدي الإعمار الوطني، وماذا تستفيد من تبديد طاقتها  في مناقشات بيزنطية وفي مواجهات إيديولوجية عميقة بل قاتلة، حين تحاول أن تتغذى من مكونات هويتها وشخصيتها الوطنيتين، هذا ما قاله الرئيس بوتفليقة وهو يعرض الخطوط العريضة للهبَّة الوطنية، وكأن وحيا ما نزل عليه لينبئه بما سيحدث في جزائر 2019، لإعادة الإعتبار لسيادة الشعب والإرتقاء بالهوية والشخصية الوطنيتين التي وجب أن تكون مرفوقة بتغذية الأمل الذي يدعم الجهد الوطني، ولعل الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر اليوم هو ثمرة هذه الرؤية،  تَبَدَّدَ فيها الشعور بالإحباط والخيبة والتحرر من التبعية والتخلف المستمر، ويحق للجزائر اليوم أن تفاخر، لأنها استطاعت أن تفك خناق تبعيتها، رغم أن الوعود التي وعد بها الرئيس لم تتحقق كلها في أرض الميدان، هاهي المرحلة العزيزية تنتهي و نسبة  كبيرة من السكان لم يصلها الماء الشروب والغاز الطبيعي وشبكة الكهرباء، انتهت المرحلة العزيزية ونسبة كبيرة من السكان  تنتظر مفاتيح  السكن التي وعد به الرئيس، وما تزال نسبة كبيرة من السكان يعانون من رداءة شبكة الطرقات، والشباب من البطالة، والبحث عن فرص العلاج والتوظيف، شعب يأكل من القمامة ويموت من شدة المرض لأنه لا يملك مالا كافيا للعلاج في الخارج كما يعالج الأثرياء وأرباب الأعمال وأبناءهم ومنهم الرئيس نفسه وحاشيته،  انتهت المرحلة العزيزية وما زالت الجزائر تواجه انتشار المخدرات بين أبنائها من الشباب، وتعاني من مظاهر خطيرة كاختطاف الفتيات والأطفال واغتصابهم والمتاجرة بالأعضاء، كما لم تسمح عهدته بإرساء أسس اقتصاد  مزدهر ومستدام، وما تزال فئة كبيرة من أبناء الشعب أكثر قهرا وتتألم أكثر من الإستعمار في حقوقها وفي كرامتها، لأنها الأكثر ثورية وكان لها هي أن تتولى القيادة قبل كل شيئ، السؤال الذي يبقى يلح على الطرح  هو: لماذا سمح بوتفليقة لحاشيته أن تجعله لعبة بين يديها تفكر وتقرر في مكانه؟

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم