صحيفة المثقف

الدخان في الأوطان.. إشكالية اوكسجين الوطن الملوث

رائد عبيسالنفط هو الثروة الاكثر اهمية من بين الثروات الطبيعية، لشعب اقل حظا بالاهتمام من قبل حكوماته، مفارقة كبيرة لإشكالية متوارثة، وتبديد مقنن بسياسات بلا قانون! هكذا يفعل المبطلون والجاهلون، والفاسدون، العراق بلد ثري بهذا المورد الطبيعي تم استثماره بطريقة عبثية وما زال، فبلد ينتج النفط، ويستورد مشتقاته انها لكارثة بحقه واهله، لم يعبئ اهل السلطة إلى بناء البلد بطريقة تكاملية تجعل كل مواره تكمل احدها الاخرى، من أجل تحقيق فائدة غنية تحفظ عائدات البلد وعملته الصعبة. فهذا غير متحقق ونطالب بتحقيقه و ندعوا جميع أبناء الشعب العراقي الى مطالبة الحكومات الحالية والمستقبلية، لترسيخ مبدأ اعمار العراق عبر موارده الطبيعية، والبشرية، والتكميلية من موارده الطبيعية الأخرى.

نعود إلى الدخان في وطننا الحبيب العراق وعلى وجه الخصوص في البصرة، والناصرية، والعمارة، وكركوك، والسماوة، وكل مدينة عراقية أخرى يستخرج منها النفط ويرى في سماءه أعمدة الدخان المتصاعدة وينابيعه وغيومه.

السؤال الذي دفعنا لكتابة هذا المقال، هو، ما احساس المواطن وهو يرى خيرات بلده تنهب من أمام عينه؟ وما إحساسه وهو يعيش على أرض خير لم ير منه شيء؟

وما إحساسه وهو يعيش بوسط الخير ولا ينال منه شيء؟

تلك أحاسيس من شأنها أن تسلب روح المواطنة من أجساد هذا البلد، وتمسخ هويتهم الانتمائية وتعمق الازدواجية الوطنية لديهم.

هذه اشكاليات معاشة وصعبة في الوقت نفسه، تجعل المواطن الواعي في تساؤل دائم عن هذه الإشكالية محاول أن ينتهي إلى جواب مقنع ولو ذاتياً، ولكن في الواقع سياسة الأحزاب اتجاه بلدها وخيراته، كسياسة الإستعمار دائما تفرض نفسها كأمر واقع على المجتمع وحكمه، وكأنما تريد أن تعمل بقصدية على إستغفاله وتغفيله من جهة اخرى. هذه السياسة متبعة ومفهومة عند عامة الناس، ولكن لأن الناس بحاجة إلى الامل نجدها تخدع دائما بشعارات ووعود جديدة تطلق بين حين وآخر، ومن هذه الشعارات مثلا شعار الاقلمة التي تدعم وتروج من قبل الأحزاب التي تحلم بالحكم بنظام الأقاليم، وفي ما بعد تحويلها إلى حكم عوائل وأمارات واقطاعيات، وهذه من شأنها تنمي الطبقية و رأس المال الفردي والفئوية في مقابل حرمان فئات وشرائح أخرى من خيرات هذه المدن .كثر الحديث المتكرر حول اقليم البصرة المدينة التي تشم رائحة دخان النفط دون أن ترى خيره الذي بات حكرا على أصحاب النفوذ، فنصيب أهله الفقر والفاقة، ونصيب الأحزاب وأصحاب السطوة من العشائر الصفقات وتقاسم المنافع مع الشركات المستثمرة التي أصبحت ليس في مأمن الدولة بقدر ما هي بمأمن العشائر وابناءها. فشرائح كبيرة من المجتمع البصري يعيش حياة بؤس، ورثة، وفقر، وفاقة، وخراب للمدن، وانعدام الخدمات، وقلة فرص العمل،  والنقص الحاصل في دوائر الدولة من كل مستلزمات التطور والنمو المؤسساتي الذي من شأنه تحقيق منفعة لأبناء المحافظة. فالبصرة مدينة تطفو على بحر من النفط كما توصف واهلها يطوفون على ذكرياتهم التاريخية الجميلة عن المدينة، يحلمون بمدينة أن تنهض من خيرها لا بخير غيرها الذي استثمرت أبناءها بكل شيء بالمستشفيات الأهلية والجامعات والمدارس وبالمولات التابعة للأحزاب وغيرها من المؤسسات التي تستنزف المواطن دون تقديم خدمات بمستوى يليق بكونه غني بخير مدينته كما يفترض ذلك. ولكن ما نراه أن حصت هؤلاء الناس هو ملوثات دخان آبار نفطهم ومخلفاته. وتعليل ذلك يعود الى سكوت غالبية المجتمع البصري على الرغم من الاحتجاجات المستمرة لقلة واعية من ابناءه الذين اضطروا الى تعنيف الاحتجاجات بطريقة الحرق والمواجهة مع اطراف حاكمة او خائفة على مصالحها، فالأحزاب واذرعها تقوم بأدوار مختلفة بين تؤمن مصالح غيرها مقابل أموال وخدمات أخرى، أو هي تقوم بحماية مصالحها التي استثمرتها من عمليات ابتزاز الشركات النفطية او من سرقة النفط او من موارد الميناء والكمارك وغيرها. فالأحزاب الحاكمة في هذه المدينة تقاسمت مغانمها منها، فبين مسيطر على الميناء، وبين مسيطر على الكمارك، وبين مسيطر على قطاعات السياحة، والفنادق، او المولات، وغيرها بمعنى انها مافيات تابعة لأحزاب إسلامية تحاول ان تستثمر كل ما يمكن استثماره من موارد المحافظة البشرية او الطبيعية وهذا هو ما جعل البصرة والمدن النفطية التي تشبهها في خراب مستدام وليس في تنمية مستدامة !!

 

الدكتور / رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم