صحيفة المثقف

الخطاب المسيحي لا يمانع من تسييس الكنيسة..

علجية عيشالخطاب المسيحي لا يمانع من تسييس الكنيسة..

المهم أن يَحُلَّ السّلام.. البَابَا  فرنسيس يُغَازِلُ قادة جنوب السّودان

(الظاهرة التكفيرية نفّرت المسلمين من دينهم وعلى الأئمة في المساجد أن يحاربوها)

لا يرى الخطاب المسيحي مانعا من ممارسة السياسة داخل الكنيسة بالرغم من أنها  تعتبر مكان للعبادة والتقرب من الله بل الهروب إليه، ومن أجل هذا الغرض يجد خدّام الكنيسة توافد المتدينين على الكنيسة من أجل العبادة فرصة لزرع بذور السلام في قلوبهم، ويصف البابا فرنسيس السّلام بالهبّة الكبيرة التي يمنحها الله لعبادة المؤمنين، وهي في الوقت نفسه التزام قويّ من قِبل القادة المسؤولين تجاه شعبهم

 هي الرسالة التي وجهها البابا فرنسيس أمام القادة المدنيين والدينيين في جنوب السودان في ختام رياضتهم الروحية،  وخاطبهم بالقول أن الله هو من كلفنا (لكوننا قادة سياسيين ودينيين)، بمهمّة قيادة شعبه وأوكلنا الكثير،  وهذا يتطلب منا فهم خدمتنا وقيادتنا والتزامنا بعمل السلام والخير اللّذين يتمّ تحقيقهما من أجل أعضاء الجماعة، وخص في ذلك الفقراء والمهمَّشين، داعيا إياهم إلى مراجعة ضميرهم وأن يغيروا من سلوكاتهم تجاه الشعب، إلى هنا يبدوا الأمر عاديٌّ جدا، لكن لماذا هذا الخطاب موجه لقادة السودان؟، الجواب يكمن في أن السودان يعيش ظرفا سياسيا حرجا  بسبب الحرب الأهلية، ويعاني شعبه من شدة التوتر في ظل الإحتجاجات العارمة التي  تعم الشوارع والساحات العمومية  في السودان، التي اندلعت منذ أربعة اشهر ضد نظام البشير وحكمه، والإستجابة لإرادة الجماهير، كما في باقي المناطق لاسيما الجزائر، وليبيا، ولا شك أن رجال الكنيسة على استعداد لفعل أي شيئ لنشر رسالتهم التبشيرية، باسم السّلام  ودعوة غير المسلمين للدخول في دينهم  والإيمان بأن عيسى هو الله، حتى لو تطلب الأمر تقبيل الأرجل، مثلما فعل البابا فرنسيس،  عندما جثى على ركبتيه وقبّل أقدام قادة السودان، عقب زيارتهم للفاتيكان  في العاشر والحادي عشر افريل (نيسان) 2019،  أراد البابا فرنسس من ورائه السير على خطى  المسيح وكذا تفعيل اتفاقية السلام التي تم التوقيع عليها في 12 سبتمبر (أيلول) 2018 .

   ويفهم من هذا كله أن المسلمين أهل عنف،  ويمكن القول أن التقبيل هنا، ليس من باب التبعية، وإنما هو فعل سياسي لكسب الآخر وجذبه إليهun acte politique pour attirer l’autre  وليس كما يعتقد المسيحيون أن هذا السلوك رياضة روحية،  هذا التصرف يدعو إلى إعادة النظر في الخطاب الديني، وتعميق الحوار بين رجال الدين، خاصة وأن  ما تعانيه الأمة الإسلامية اليوم ناتج عن تذبذب في العقيدة، فكان السقوط الحضاري والتمزق في أعمق معانيه، وهذا يدعو إلى تعميق روح الإيخاء والتسامح بين الشعوب والأمم، وترسيخ مبدأ التعايش، بحكم أن التسامح من شأنه أن يقدم مقاربة تاريخية للحضارة الإنسانية وتحقيق التعايش والمواطنة الدائمة، فالوضع في السودان لا يختلف عن الوضع في الجزائر وتونس وبالخصوص ليبيا  التي اشتد فيها الصراع بين عسكرة الدولة أو مدنيتها، وانتشار داعش في سرت، وهو وضع لا يحسد عليه الليبيون، مما يستدعي توقيف لغة العنف  وما ينجم عنها من انعكاسات سياسية واجتماعية.

فالخطاب الديني  كما يقول البعض لا يزال قاصراً على أفراده، سواءٌ أكان وعظاً أم إرشاداً أم إجابة عن أسئلة النّاس واستفساراتهم، مستخدما مفردات تراثية محضة تؤدّي في أحيان كثيرة إلى اللّبس والتّشويش، وتخلق صعوبات في الفهم وخلط في التّصورات لدى المستقبلين، كما أنه غالبا ما يركز الخطاب التقليدي على قضايا الصراع الديني والمذهبي، ويجنح في كثير من الأحيان إلى ممارسة الدّور الدعائي لجهات وجماعات وشخصيّات دينية أو مذهبية، متجاهلا ما يحتاج إليه الجمهور من حقائق وأفكار ومعلومات وقيم معرفية وحضارية، ومتناسيا الطبيعة العالمية التي يتمتع بها الإسلام ممّا يحصر هذا الخطاب الديني الإسلامي في أطر ضيقة ومحدودة تعزله عن السّاحة الفكرية عكس الخطاب المسيحي الذي يرى أن الحب والسلام وحده الهادي والمرشد للإنسانية.

 وبالعودة إلى وضع السودان وتدخل الطرف المسيحي، نقول أنه بالنظر إلى موقف علماء السودان من الحراك الشعبي، نقف على أوجه المقارنة بين الخطاب الإسلامي والخطاب المسيحي، هذا الأخير يستعمل لغة التبشير لا التنفير، والترغيب لا الترهيب، والسلام لا العنف، والإخاء لا العداوة، والمحبة لا الكراهية، ويغلب في خطابه الديني فكرة المواطنة باعتبارها قيمة إنسانية ودينية ثابتة، وهذا الخطاب يختلف عن خطاب علماء السودان الذين وصفوا المحتجين بالمخربين وأنهم عملاء الموصاد، وبغض النظر عن كون التخريب والتكسير عمال مهدم، ويؤثر على مؤسسات الدولة، إلا أن  هذا الخطاب يزرع بذور العدائية والكراهية  في قلوب السودانيين، ويدفعهم إلى سلك طريق العنف، ويصعدون من احتجاجاتهم،  لاسيما وأن خطاب الدعاة يخدم السلطة في السودان بعدما وصف البشير المحتجين بالخونة والعملاء، يأتي ذلك في وقت تشهد فيه السودان احتجاجات سلمية يقودها شباب ينددون بالأوضاع الاقتصادية المزرية، ويطالبون برحيل النظام الحالي برئاسة عمر البشير، وخلاصة القول أن الكنيسة تسير بخطوات  كبيرة لنشر خطابها الديني رغم وجود لاهوتيين يطالبون بتجديد الخطاب الكنسي، وهذا ليس انتقاصا من الخطاب الإسلامي، وإنما  لتحفيز العلماء المسلمين وبخاصة الأئمة في المساجد بتحسين خطابهم أمام المصلين، فلا يركزون على بعض المفاهيم التي تنفر المسلمين من دينهم، مثل "التكفير" في ظل التطورات التي يشهدها العالم.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم